ثنائية الحب والبذل في الكتابة العاشقة


* ربيعة المنصوري

( ثقافات ) 

أتصور أن ما يدفعني إلى الكتابة …هو خوفي من أن أصبح مجنونا …..
جورج بطاي
تنبسط الطريق أمامنا ، بمنعرجاتها وظلالها ، تأخذني الحيرة ، كيف الوصول إلى قمم الرجاء حيث تأخذني الدهشة فأنتفي وأهيم في العراء أبحث عنها ، هي المتوارية بعيدا تأبى الانجذاب ، ترفض الانصياع ، تظهر وتختفي ، مخلفة وراءها كل ما يمكنني من الانكشاف على عوالم النور ، حيث يمكن أن أرتع من بحور المعارف الغابوية ، فأمضي سعيدة بشقائي ، ألتقط كل الحصى المدمي لأقدام جبلت على اجتياح كل الفضاءات المغلقة….. أندفع نحو الطيف الآتي….
ـ العشق الممكن
بين الألف والهاء تقف كل الحروف ، تتوحد في الاقتراب ولكنها تتفرق في القرب ، تجتمع في كونها تمثل لغة واحدة ولكنها تختلف في التعبير والرسم والانطلاق ….. ترحل كما ترحل الطيور من أعالي الجبال صباحيات الخريف الباردة نحو قمم أخرى وأماكن دافئة تسطع فيها شموس الدفء، وتغمرها رياح الأمان لتنعم ولو للحظات ببريق الحب الذي لا يدخل عوالمه إلا المتأهبون لرياضات الروح وشهقة النفس وعشاق الابتهال
قلب سكون الليل … مريدو لحظات الولادة بعد موت محقق….. ومحبوا الإنعتاق من كل قيد يمكن أن يكبل الجسد ليبعده عن لحظات الإشراق الناجحة. هي ليلة الاقتراب…أعود إلى أعماقي المعتقة بأريج البعد ، أنزل الدرجات قسوة المهالك التي تلفها ، أتدثر بالكثير من الأشواق ، هي حياة أخرى هته التي تبزغ من خلف تلال القرب ، قرب بلون الماء لا لون له ، وبطعم الريح لا مذاق لها ، لكن فقط أنا القابضة على خيوطه المتفرقة ، أبكي بدموع حقيقية على حلم غير حقيقي ، فتصبح الأيام في قسوة لاحدود لمساحتها …… كيف يمكنني الاستمرار في أرض ملغومة، أقتلع قدمي من رمالها الساخنة لأتابع خطواتي المرتجفة فيسود السكون وتسقط من خلفي الكثير من الأوراق….. لا شيء يستحق الجمع.
عشق كهذا الذي يطاردني يستحق العودة المتأنية، والغوص بعيدا للبحث عن تلابيب نشأته، لكن الحاضر يكبلني ويضع الكثير من العقبات الصارخة أمامي، أنهزم….. أسقط قلب اختيارات كثيرة، لكن القبض على هذا العجيب شيء مستحيل، تكاد أحلامي كلها تتكسر على صخرة جماله ، وهالة بهائه ، فأعود لأصرخ قلب أعماقي ….. أني لابد أن أصل إلى تحقيق نشوة الوصول إلى العمق الحقيقي فهو مقام الشهداء حتى وإن لم تزهق أرواحهم البيضاء.
رقصة العراء
كانت الليلة الأولى مفتاح كل الألغاز ، وبداية التعرف على جداريات كانت مختبئة خلف أشجار الأيام المتشابهة ، وقلب ليالي البؤس الوردي ، شاهدت الألم يتحول في لحظات إلى نور يغمر الكون ، يحول نجومه إلى أقمار مضيئة تلون الظلام وتكسره ، هو الطوفان في شكل مغاير لا تدركه الأبصار ، ولا تحسه الأبدان فقط أنا من يتحسسه ويعرفه ، لا وجود للآخر بيننا …. تغلق الدائرة .
وقفت عند العتبة، أرتوي من هذا الرحيق المنبعث من الأعالي، ألتمس الظلال الوارفة، تكسرني فتنة الولوج إلى عمق الأعالي، وتهز أعماقي بقوة ، لا أحد هنا يمكنه سحب إلهامي ، فقط لغة الإحساس تساند الخطوة …. وتقوي العزيمة لشروق أكبر وتلبية أطول .
ليلة التعرف…..أصرخ لماذا يلبسني هذا البياض ؟ لماذا تأخذني موجات المحبة إلى ضفاف النور ، هل يبتدئ الحلم بهذا الغرام المنبعث من أفئدة لم تنفتح سلاسلها إلا لحظات معينة من عمر بدأ يتراجع وينسحب في هدوء إعصار هادئ ، هل يمكنني الاندثار قلب هذا العشق الجميل ؟ هل يستطيع هذا الجسد النحيف مقاومة حرارة شرايينه ؟ قطعا يحتاج إلى الكثير من القلب والقبل ، يلزمه البذل ، ويوجب عليه الاستسلام للانحناء أكثر في عوالم الرحمة الغنية ……
فضاءلت الوجد لا تقاس بالدقائق والساعات ، ولا تحسب بالثواني …… هي أماكن ملغومة لا يدخلها إلا المتطهرون بعبق الحب الحقيقي الممتد في الزمان والمكان ، أستطيع أن ألقاك في أي وقت متى شئت ، على كل الضفاف و على كل الشواطئ ، لا أحد يمكنه إرغامي على مجاراته إلا أنت ، فحبك يجتاح شراييني ، يختلط بالدم ويندفع داخل جسدي لينعشه ويحييه ، هو ما لا نستطيع التعبير عنه ولا الحديث عن تفاصيل اجتياحه ، فقط زلزال كهذا يرغمنا على الغوص بعيدا عن شوائب يمكن أن تفقدنا لذة الانطلاق ومتعة المصاحبة السيدة.
أفق الانصهار
ليلة البذل…… أهيم بك دوما ، لكي أطرد شبح البعد الذي يمكن أن يجرني إلى الوراء ، عشق كهذا الذي يزلزلني ينفي كل الثغرات التي يمكن أن أسقط فيها …. يلغي غرابة الحنين ويشعل كل الرماد الذي لم ينطفئ أبدا ، احتياج آخر يلف الروح ويلبسها في رقة من هوى وذاق طعم الاحتراق على أبواب قليلا ما تفتح لقادم …. ليلة كهذه التي أتقاسم معك تستحق البذل وتفرض العطاء اللا محدود للوصول لعشق أبيض بلون الثلج وأحمر بلون ألسنة اللهب مختلطا بأزرق في لون السماء ، هو منع لعطاء كبير يلف الجسد ويغمر الروح وينعش الخلايا ، يحييها من جديد ويسبغ ظلاله على الأفئدة ، بالجود يفعل الوجود هكذا قيل ، وبالرغبة في الاندثار تجنى الثمار الطيبة وتسقى الشفاه الظمآنة من عيون لا تجف ولا تتوقف ، أي بذل يمكن أن يشفع لي في هذا الوصول المخملي نحوك ، لا شيء يستحق أن أحتفظ به معي ، فالرحلة الضوئية تجردني من كل الزوائد التي تلتصق بي لتثقل أجنحتي وتشدني نحو الأرض ، أتوضئ بماء الفجر وألبس ثوب الضحى لأرحل في قوافل البذل أستنشق نور الجلال ……
رحيل متعذر
أقف أمامك أنت سيدة نفسي ، أنت أميرة أحاسيسي ، شروق جديد أجده مرافقي قلب هذه الرحلة ، يكابد معي جراح الروح وآلام السر ، يرابط معي ، يجالسني فأهيم معه نعاكس التيار ، نلغي الزمن ، نمسح حبات الشوق بطعم أوراق التوت البري ، نواصل العطاء والبذل لاقتحام أماكن الصبر العالية …..سيدة نفسي أنت لا يأخذ منك الهوى حظه، تقفين متطلعة إلي ….. لا شيء يبعدني عنك حتى في غيا بات الوجود ، أصل لقممك المرتطمة بأمواج شوق حارق ، متعة عميقة ولذة نارية تزج بي في الوصل فلا أنفصل ، أكبر وأهلل هذا التماهي الذي يجمعنا يفرقنا ، يقربنا ويبعدنا ، تلتقي الأضداد وتتوحد الألوان لننعم برحيق القرب …. هي لحظات الانتشاء بكتابة تخرج من بين العروق ، تتفجر على بياض لا نهائي ، تؤسس للحظة ميلاد خاصة .

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *