*
أطلقت الكاتبة والإعلامية الفلسطينية جمان قنيص، كتاب “الفضائيات الدينية: الصورة المثالية للمرأة وأثرها على المرأة الفلسطينية”، الصادر عن “سلسلة أوراق بحثية”، في أمسية ثقافية بمتحف محمود درويش، في رام الله، أدارها الكاتب والإعلامي إيهاب بسيسو. وعرضت قنيص مادة فيلمية، ضمّنتها بعض المقاطع من أحاديث مشائخ الفضائيات الدينية الذين استباحوا وسائل إعلامية تصل إلى البيوت دون دراسة ووعي بشكل أساء جدا إلى ديننا الحنيف.
جاء هذا الإصدار بناء على أسباب معينة ساقتها الكاتبة في محور عرضها لكتابها خلال الأمسية الثقافية، حيث قالت قنيص: “اعتراني قلق كبير على حالنا كمسلمين بعد أن شاهدت هذه المواد الفيلمية التي تؤسس إلى ظلامية لا تمت إلى الإسلام بصلة، وتدعو إلى عنف كبير تجاه النساء، وما أحزنني أكثر في هذا الأمر أن بعض النساء اقتنعن فعليا وبدأن في تغيير سلوكهن الاجتماعي والديني باتجاه انغلاق أكبر على الذات وفي تأسيس مرحلة جديدة من مراحل تحقير المرأة”.
جدل كبير
أثارت الفضائيات الدينية، منذ أن ظهرت عام 2006، جدلا كبيرا خصوصا في مصر، فقد اتُهم الدعاة الذين يظهرون عليها بالتسبب في فتن طائفية بين المسلمين والأقباط، وبين المسلمين أنفسهم، ولأن فوز التيار السلفي بحوالي ربع مقاعد البرلمان المصري عام 2011 فسره البعض بأنه نتيجة المنابر الحرة التي وفرتها تلك الفضائيات لدعاة، ولأن خطاب تلك الفضائيات حمل رؤى متشددة تجاه المرأة تدعوها إلى ترك العمل والبقاء في المنزل والاحتجاب عن الناس والمجتمع، وعلى ذلك تقول الكاتبة: “لقد اعتراني قلق كبير على حالنا كمسلمين بعد أن شاهدت هذه المواد الفيلمية التي تؤسس إلى ظلامية لا تمت إلى الإسلام بصلة وتدعو إلى عنف كبير تجاه النساء. وما أحزنني أكثر في هذا الأمر أن بعض النساء اقتنعن فعليا وبدأن في تغيير سلوكهن الاجتماعي والديني باتجاه انغلاق أكبر على الذات وفي تأسيس مرحلة جديدة من مراحل تحقير المرأة”.
وأوضحت جمان قنيص أنها أجرت مقابلات مع أربعين امرأة فلسطينية من مختلف مدن وقرى المحافظات الفلسطينية ، وكانت النتائج مفاجئة جدا، حيث أن العديد من النساء يوافقن الرأي في محتويات المواد الإعلامية للقنوات الدينية، التي تطالب النساء بالمبالغة في الاهتمام بالحجاب، وتفضيل الرجل على المرأة، ودعوة النساء للبقاء في بيوتهن وعدم الخروج وليس من حقهن التعلم والعمل.
وأشارت إلى أن القنوات الدينية التي وصل عددها إلى سبعين قناة، تدعو النساء إلى مواجهة مصائب الحياة ومشاكلها بالرضى وعدم محاولة الهرب منها أو حلها بل تقبلها كما هي، والعديد من الفتيات يتابعن هذه القنوات ويستمعن إلى المحاضرات التي تبث فيها، ويقتنعن بأهمية العزلة عن المجتمع، وعدم متابعة الإعلام والأخبار والبرامج الثقافية.
وأشارت قنيص إلى أن العديد من النساء المتعلمات والجامعيات يستجبن لأحاديث القنوات الدينية ويعملن بها، وكذلك السيدات الكبيرات يؤثرن على الفتيات الصغيرات حولهن بفرض رأيهن على أمور حياتهن، مضيفة أن بعض النساء يعتبرن أن المرأة تستحق الضرب وعدم الخروج من البيت.
تعميق الفروق
يهدف الكتاب إلى معرفة ماهية المضمون الذي يُبث على الفضائيات السلفية عن الصورة المثالية للمرأة، والأثر الذي يتركه هذا المضمون على النساء في فلسطين. وقد قامت المؤلفة بتحليل مضمون حلقات بُثت على القنوات الدينية الإسلامية الأكثر مشاهدة من قبل عينة من النساء في مدن وقرى ومخيمات الخليل ونابلس ورام الله والقدس.
كما أجرت الكاتبة مقابلات مع أربعين امرأة تَبيّن من خلالها أن النساء في فلسطين يُشاهدن القنوات السلفية مثل “الناس” و”الحكمة” و”الرحمة” و”الحافظ”، وهي قنوات تبث فتاوى ورؤى “متشددة” عن المرأة.
وخلصت الكاتبة في كتابها إلى عدة نتائج لتحليل مضمون الفضائيات فوجدت أن الفضائيات الدينية السلفية تضع مسألة الحجاب على رأس سلم أولوياتها، وهو يعني، حسب دعاة الفضائيات الدينية، أيضا احتجاب المرأة عن المجتمع والبقاء في البيت، وهو الأخطر.
لاحظت الكاتبة في كتابها أن هذه الفضائيات الدينية تعمق الأدوار النمطية للمرأة والرجل انطلاقا من الفروق البيولوجية بينهما، وتدعو المرأة إلى ألا تسعى للخوض في المناحي الفكرية والعقلية وأن تقصر اهتمامها على “الدور الذي خلقها الله من أجله” وهو الحمل والولادة والإرضاع، الأمر الذي دأب دعاة الفضائيات السلفية على تسميته بـ”صناعة الرجال”، وهم يجعلون للرجل فقط حق تلقي العلم وممارسة التفكير.
أسباب الفقر
عرضت الكاتبة إلى أن بعض هذه القنوات تدّعي بل وتقوم باحتكار الحقيقة وتقديمها بأنها على الوجه الذي يراه دعاتها فقط، لذلك يُكثر دعاة الفضائيات السلفية من انتقاد وتخوين الآخرين. كما يُصور غالبية الدعاة مشاكل العصر بأنها نتيجة “ابتعاد المسلمين عن دينهم” وتقتصر الحلول التي يطرحونها على العودة إلى الدين فقط، وقد عزا أحدهم تفشي الفقر في بلاد المسلمين إلى ترك الجهاد وما يحمله من غنائم الرقيق من النساء والأطفال التي تُمكّن من حل أزمة الفقر عند بيعهم.
وقد أجرت الكاتبة لقاءات مع نساء يشاهدن الفضائيات الدينية فوجدت أن أثر تلك الفضائيات كان على مستويين، فالمستوى الأول ويعني قناعات النساء ويشمل ذلك تثبيت التوبة، حيث تُشكل مشاهدة الفضائيات الدينية لدى بعض النساء تعويضا عن نقص التدين في الماضي، أو مُحرضا على تثبيت التدين الموجود أصلا في حياتهن أمام إغراء أنماط متحررة في الجامعات والمدارس والعمل. وترسيخ أفضلية الرجل على المرأة، إذ أصبحت النساء مقتنعات بأن الرجل أفضل في التكوين الخَلقي والسلوكي، وأصبحن يقبلن الأفكار التي تؤثّم المرأة ويوافقن عليها ويقتنعن بأن المرأة مسؤولة فعلا عن فساد المجتمع. كما يقبلن ويقتنعن بما تبثه الفضائيات الدينية عن فرض طاعة الأزواج المطلقة حتى لو قسوا عليهنّ. هذا إلى جانب زيادة الاهتمام بالآخرة، حيث زادت الفضائيات الدينية من زهد النساء في الدنيا واهتمامهن بكل ما يرفع من شأنهن في الآخرة. أدّى ذلك إلى الاستسلام لواقع الفقر والبطالة والعنف الممارس عليهن أحيانا.
كما أجمعت النساء اللواتي تمت مقابلتهن على أن الفضائيات الدينية تحقق لهن الراحة النفسية. لكن هذه الفضائيات لم تساعدهن على مواجهة المصاعب وحلها من جذورها وإزالة مسبباتها.
أما المستوى الثاني فيختص بمظاهر التدين حيث أثرت الفضائيات الدينية بشكل واضح على سلوكيات النساء ومظاهر التدين لديهن وأصبحت مقياس الأفضلية والمكانة الاجتماعية، ومن أهم مظاهر التدين، مثل الالتزام بالحجاب، حيث مكنت الفضائيات الدينية النساء من الإبقاء على الحجاب والقضاء على أيّ تردّد بشأن ارتدائه. فتُثبّت قناعتهن لأنها وفرت لهنّ الحججَ والبراهين والأساليب التي تساعدهنّ على إقناع الأخريات بارتدائه، هذا بالإضافة إلى تجنب الاختلاط، إذ لم تتسبب الفضائيات الدينية بامتناع النساء عن الاختلاط بالرجال تماما، لكنها أقنعتهنّ بأفضلية تجنبه والتقليل منه قدر الإمكان في العمل والدراسة، وثبّتت لديهن فكرة حتمية وقوع الفتنة عند الاختلاط بالرجال.
_______
*العرب