«الأطلنتيس» حكاية بين الواقع والخيال


*فريد نعمة

لا تزال حكاية «الأطلنتيس» تتحرك كالأرجوحة بين الواقع والخيال. مرة يلتقطها الخيال ومرة يلتقطها الواقع، وكل منهما يؤكد: إنها لي. وعن بعد، يبتسم أفلاطون ويقول: «هي لي وحدي، ثم يلوّح بالدليل، الدليل الوحيد على وجود تلك الجزيرة».

وأول من أشار الى هذه الجزيرة هم الفراعنة الذين تحدثواعن سكانها المتفوقين وسموهم بأهل البحر. ثم روى قصتها شعراً سولون، رجل الدولة وأحد الحكماء السبعة، الذي استلهم تاريخها في سعيه لتوحيد القبائل اليونانية وتأسيس دولة قوية بزعامة أثينا. بعده تحدث أفلاطون عنها في كتابيه «كريتياس» و«تيماوس» اللذين يعتبران من أهم المراجع في هذا الخصوص.
أفلاطون والأطلنتيس
يقول أفلاطون على لسان كريتياس إنه كانت توجد جزيرة كبيرة عند أعمدة هيركليس «جبل طارق»، مساحتها مليونا كيلومتر مربع، نشأت فيها دولة عظيمة. وقد أسس هذه الدولة بوسيدون الذي قسّمها الى عشر ممالك، ونصّب أولاده العشرة ملوكا عليها على أن يخضعوا كلهم لسلطة مركزية واحدة يمثلها الابن الأكبر أطلس ملك الجزيرة كلها.
ثم وضع لهم القوانين والشريعة التي نُقشت على نصب من النحاس. وأهم ماتضمنته تلك الشريعة، هو أن يظل الملوك العشرة متحدين ومتآزرين، لا يعتدي أحدهم على مملكة الآخر مهما كانت الأسباب. واذا نشب خلاف بينهم، اجتمعوا كلهم في قصر أطلس وطوقوه بالحوار والنقاش. واذا حدث اعتداء خارجي على أحدهم، فعليهم أن يهبوا كلهم كرجل واحد لمحاربة المعتدي ودحره.
الملوك والشريعة
عمل الملوك العشرة بتلك الشريعة ولم يخرجوا عنها. فازدهرت الجزيرة وقامت حضارة راقية. كانوا يجتمعون كل خمس سنوات ليتباحثوا في الأمور العامة والخاصة.
وقبل بدء الاجتماع، يصطادون ثوراً برياً دون سلاح، ويقدمونه ذبيحة، ثم يشرب كل ملك من دمه ويقسم بالحفاظ على الشريعة والتقيد بها. بعد ذلك يعرض كل ملك مشاكل مملكته ويطلب الحلول. وعندما يأتي الليل، يجلسون بحلل زرقاء حول النار ويناقشون مشاكلهم الخاصة حتى الصباح. وعندما يذللون المصاعب ويأخذون موقفا موحداً، يسجلون ما اتفقوا عليه على لوح من الذهب ثم يعودون الى ممالكهم.
الأحوال الاجتماعية
بلغت دولة الأطلنتيس شأواً في القوة والغنى لم تصل إليه دولة أخرى. والفضل يعود الى نظامها. عسكرياً، فقُسمت كل مملكة الى ستة آلاف ولاية، على هذه الولايات أن تقدم للدولة كل سنة عشرة آلاف مركبة حربية ومئتين وأربعين ألف حصان ومئتي سفينة مع مئتي ربان ومئتين وأربعين ألف نوتي. مدنياً، استغل الأهالي خيرات تلك الجزيرة.
وبرعوا في كل الحرف. فزرعوا الأرض بالحبوب والثمار، وطرقوا الحديد وأقاموا السدود والجسور وحفروا الترع وشيدوا القصور والمعابد والموانيء والأبراج. أما العلاقات الاجتماعية، فكانت وفق الشريعة.
نهاية الأطلنتيس
نعم سكان الأطلنتيس بخيرات الجزيرة ونظامها المثالي. كان كل مواطن يحصل على حقوقه كاملة ويؤدي واجباته كاملة. كل مايحتاجه في متناول يده، لذلك لم يعرف الطمع والحسد والتزاحم على المكاسب.
أما الكراهية والنميمة والمكيدة، فهي آفات غريبة. وإذا لاحت أعراضها، سارع الملوك الى تطويقها ثم احتفلوا. غير أنهم تغطرسوا على شعوبهم وجيرانهم حين كثر مالهم وقوي نفوذهم. فطمعوا بخيرات البلاد المجاورة واستعمروا قسماً من أوروبا وشمال أفريقيا.
ثم حاولوا احتلال مصر واليونان، لكن قبائل الإغريق المتناحرة توحدت بزعامة أثينا واستطاعت أن تهزمهم. فتراجعوا الى الجزيرة، ثم تناحروا وانغمسوا في القصف والعربدة. فغضبت الآلهة عليهم، وثارت البراكين والزلازل ثم طاف المحيط وابتلع «الأطلنتيس». هكذا انتهت تلك الجزيرة المثالية، حين انشغل الملوك بأهوائهم وخرجوا عن قوانينها.
فردوس
وقد أفعمت هذه الحكاية خيال المئات من الأدباء والعلماء والباحثين في كل عصر. وأول من استخدمها للعبرة ونسج حولها الحكايات هم رجال الدين في أوروبا. وفي القرون الوسطى، ظهرت نظرية تقول بأنها جنات عدن، أي وجودها ودمارها مُقدر من رب العالمين. لذلك سلّم الناس بها.
بيد أن هذه النظرية لم تقنع علماء عصر النهضة. فقاموا بالبحث عن آثار الأطلنتيس في كل جزيرة في المحيط الأطلسي. التقطوا العينات وجمعوا الأدلة وتوصلوا الى أن جزر: جوج وجان مايين وماديرا وسانتا كروز وجزر الكناري والرأس الأخضر كانت أجزاءً من قارة واحدة.

البحث عن الأطلنتيس
أعمال البحث والتنقيب مستمرة فوق وتحت سطح الأرض وفي أعماق المحيط. وهناك عدة نظريات، أبرزها ظهرت في سنة 1898م، حين استخرج العلماء عينات زجاجية بركانية من الأغوار الشمالية في المحيط الأطلسي، فوجدوا أنها من النوع الذي يتكّون تحت تأثير الضغط الجوي .
ولا يمكن أن يتكّون في أعماق المحيط، أي هي من بقايا الأطلنتيس. وفي سنة 1967، اكتشف علماء المحيطات آثار حضارة «مينوان»، في جزيرة تيرا شمال جزيرة كريت، التي طمرها الرماد البركاني في قاع البحر وتوارت عن الأنظار عدة قرون.
وقد رجح علماء الآثار أن تكون جزيرة تيرا قطعة من الأطلنتيس. لكن الفريق العلمي بقيادة الجيولوجي بيير ترمييه أكد أن الأطلنتيس قامت في المكان الذي حدده أفلاطون، غربي جبل طارق.
وقال: هناك مهاوٍ عميقة ومستطيلة عند ساحل الأطلسي الشرقي، ومثل هذه المهاوي تسببها انهيارات ضخمة مثل انهيار الأطلسي. وهناك سلسلة من البراكين الخامدة بين جزر جوج وجزر جان.
وهي تماثل البراكين المنجرفة التي دمرت الأطلنتيس. في سنة 2011، التقط فريق يقوم بتصوير فيلم وثائقي عن الأطلنتيس لقناة «ناشيونال جيوغرافيك» أدلة جديدة تشير الى أن الأطلنتيس تقع في جنوب غرب الأندلس. وفي مايو 2013، جرى التأكيد على أن الكتل الضخمة من الغرانيت في أعماق المحيط تعود الى الأطلنتيس.
أعمال خالدة
يوجد أكثر من 65 عملاً أدبياً، حظي بمكانة عالمية، امتزجت فيها الرومانسية مع الواقعية والخيال العلمي عن «الأطلنتيس».
أشهرها كتاب فرانسيس بيكون «أطلنتيس الجديدة» وكتاب توماس مور «الدولة المثالية» و«حكاية اطلنتين» للكاتب دانييل أرميس و«رومانسية الأطلنتيس» لـلكاتب تيلور كادويل و«أطلنتيس الشامخة» للروائي توماس غرينياس و«أليتا، نهاية آلهة الحرب» للأديب الكسي تولستوي و«عشرون ألف فرسخ تحت الماء» لجول فيرن و«أعماق ماراكوت» لأرثر كونان دويل.

الجزيرة الفاضلة
تعود حكاية «الأطلنتيس» الى التاريخ القديم، 900 سنة قبل عصر أفلاطون، واعتبر أفلاطون الأطلنتيس النموذج المثالي البدائي وكتب عنها ليمهد للجمهورية الفاضلة، كما يتطابق وصفه لطبقات «أطلنتيس» الجيولوجية مع التكوين الجيولوجي لجزر ماديرا والكناري وسانتا كروز والرأس الأخضر.
وتقول الأسطورة أن ملك البحر بوسيدون كان يواعد حبيبته كليتو، أم أولاده العشرة، حين توغل في الجزيرة واكتشف مدينة «الأطلنتيس»، فأذهله أن سكانها أجمل وأذكى وأقوى من سكان المدن الأخرى، لذلك قرر أن يجعلها عاصمة المملكة الجديدة.
في السينما
أنتجت السينما العالمية اكثر من عشرين فيلماً عن حكاية «الأطلنتيس» أشهرها:
1961- فيلم «أطلنتيس: القارة المفقودة»
2001 – فيلم «أطلنتيس: الامبراطورية الضائعة»
2003 – فيلم “أطلنتيس: عودة ميلو»
2008 – فيلم «ألف سنة قبل الميلاد»
2012- فيلم «الرحلة الثانية: الجزيرة الغامضة»
في التلفزيون
36 عملاً بالتمثيل الحي والرسوم المتحركة استوحت أو قامت على حكاية «الأطلنتيس» منها:
1997 – مسلسل «رجل من الأطلنتيس» الذي أنتجته وعرضته شبكة MBC الأميركية ومسلسل «أمير الأطلنتيس» بالرسوم المتحركة أنتجته وعرضته BBC 1997.
2006 – مسلسل «أطلنتيكا» 2006 انتاج شبكةCMA الفيلبينية.
2013- مسلسل «الأطلنتيس» بدأ عرضه على شاشة BBC الأولى في سبتمبر 2013.
في الموسيقى
13 ألبوم موسيقي و21 أغنية من ضمنها:
1968 – أغنية الأطلنتيس 1968 للمغني الإنجليزي دونافان حققت نجاحاً عالمياً
2012 – «الميثولوجيا الجديدة» 2012 التي تروي قصة الأطلنتيس للفرقة السيمفونية الأمريكية «آكس».
في التشكيل
– تمثال «ملك أطلس» للنحات الإيسلندي اينار جونسون.
– منحوتات «أطلنتيس الخريطة المكسورة» للفنان الأميركي روبرت سميثسن.
__________
البيان

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *