ليزا مايتنر: بين هتلر والطريق المحفوف بالخيانة



*لطفية الدليمي

بل أن يبلّغ العالم الكيميائي “أوتو هاهن” العالمة “ليزا مايتنـر” بضرورة مغادرة المانيا لأنها شخصية غير مرغوب فيها من قبل المعهد والنظام النازي ، كان قد طلب من مدير المعهد “هورلاين” مساعدتها, فكان الرد : كيف ؟؟ لايمكن أن نتستر عليها ولو فعلنا وبقيت هنا سيقوم النظام بإعدامنا جميعا ،إذهب واطلب منها الرحيل بسرعة ، صمت هاهن وذهب ليبلغها بالقرار، فصرخ أحد العلماء المقربين منهما : أتلقون بها خارجا ؟؟ أما هي وبرغم الخطر المحدق بها فقد كانت مصممة على إعطاء درس “إشعاع الثوريوم” لطلابها في الغد ،لكن مدير المعهد أصر على طردها قبل حلول الغد وعندما انتشرت الأنباء عن قرب اعتقالها سارع علماء الفيزياء الأوروبيون الذي يقدرون منجزاتها الى دعوتها لمؤتمرات كمبرر لمغادرة المانيا ،ورفض النازيون السماح لها بالخروج ، ولكنها لم تعدم وجود ضمائر حية لدى علماء من خارج ألمانيا لمساعدتها على الهروب ، فذهب اثنان من العلماء الهولنديين هما ديرك كوستر وأدريان فوكرالى برلين واستطاعا تهريبها معهما في القطار الى هولندا وكانت مرتعبة من اكتشاف النازيين لهربها حتى أنها في لحظة هلع أرادت العودة لمنزلها ، لكن الصديقين اقنعاها بخطورة ماينتظرها في برلين ،وكم كان توقيت هروبها مناسبا إذ أبلغ عنها “كورت هيسه” عالم الكيمياء الذي كان عميلا للنظام النازي. 

وكمثل معظم المطاردين الفارين من أنظمة القمع ، فقدت مايتـنر كل شيء :بيتها وعملها وكتبها وراتبها وتقاعدها ولغتها وأصيبت بإحباط مريع فقد طردت من عملها وهي على وشك التوصل الى اكتشاف علمي كبير سيغير التاريخ الانساني ،ورغم الألم والفقدان ساندها شغفها بالفيزياء وأمدها بالقوة الروحية فواصلت بحوثها منفردة وبدأت تزود “أوتو هاهن” بنتائج تجاربها عبر الرسائل على نحو متواصل وكأنها كانت تحدس خذلانه لها كتبت ترجوه بلطفها المعهود “عزيزي أوتو بعد صداقتنا وعملنا معا طوال ثلاثين عاما على مشاريعنا المشتركة أرجو أن تطلعني قدر الإمكان على ما يجري عندك وما تبلغه من نتائج ” وكان يرسل لها نتائج بحوثه فعلا ويعتمد على ما ترسله له من معلومات عن نتائج كشوفاتها المتقدمة في العناصر المشعة ولم تتوقف لحظة عن الأمل في اكتشاف ما ترجو اكتشافه ببحوثها . وفي هذه الفترة الحرجة من حياتها دعاها زميل من علماء السويد لقضاء عطلة عيد الميلاد عندهم وتدبر لها عملا في معهد علمي سويدي فغادرت الى السويد ولحقها من برلين ابن اختها العالم الفيزيائي “اوتو روبرت فريش” الذي ساعدها في التوصل لنتائج جديدة فيما يخص موضوعة “تفتيت الذرة” وقاما هي و فريش بنشر اكتشافهما الذي اطلقا عليه ” الانشطار النووي”
أنجز هاهن بحثه اعتمادا على آخر نتائج ليزا وادعى أنه تعرض لضغوط من النظام النازي لحذف اسم زميلته التي قاسمته البحوث على مدى ثلاثين عاما لأنهم اعتبروها غير موالية لهتلر، فتقدم ببحثه الى جائزة نوبل وزعم أنه من اكتشف الانشطار النووي، ونال الجائزة سنة 1944ولم يُشِر إلى اسمها في خطاب تكريمه بل صرح للصحافة بأنه وحده مكتشف الانشطار النووي وأما ليزا فهي مساعدته القديمة حسب ، فكتبت له بعد خيانته العلمية رسالة تنضح بالمرارة ” أرجو ان تتذكر صداقة اربعين عاما وأنت تقرأ رسالتي وتفهمني، كيف سيكون شعورك عندما توصف بأنك مساعدي القديم ؟ لقد سلبت تاريخي العلمي الذي بنيته خلال ثلاثين عاما فهل ترى ذلك عدلا ؟”
________
*روائية ومترجمة من العراق / من سلسلة مقالات “بزوغ الصوت الأنثوي”/ المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *