علي العامري – دبي*
أطلق المشرف العام على مشروع «كتاب في جريدة»، الشاعر شوقي عبدالأمير، نداءً ثقافياً إلى المدن العربية، لإنقاذ المشروع المعرفي، بعدما استمر 16 عاماً، لكن منذ عامين توقف مؤقتاً، باحثاً عن منقذ. وكان المشروع الذي انطلق برعاية منظمة «اليونسكو» التابعة للأمم المتحدة، حقق إنجازات كبيرة على صعيد تعميم الكتاب والوصول إلى البيوت العربية، انطلاقاً من مبدأ «الثقافة للجميع». وصدرت من «كتاب في جريدة» نصف مليار نسخة لـ160 كتاباً خلال 16 عاماً متواصلة.
المشرف العام للمشروع أكد في حوار لـ«الإمارات اليوم» أن المشروع لايزال ينتظر مبادرة من مدينة عربية لدعمه، من أجل أن يواصل مهمته السامية في تعزيز المعرفة عربياً، وتعزيز المحتوى العربي على الإنترنت، خصوصاً أن المشروع يصدر شهرياً نسختين، ورقية وإلكترونية. وقال إن «المشروع بانتظار مبادرة من راعٍ جديد له، يتكفل بتوفير مقر ورواتب لخمسة موظفين فقط»، متسائلاً «هل هذا كثير على أمة تنشد المستقبل، وتحلم بغد أجمل؟».
عبد الأمير قال خلال زيارته الإمارت «نحن محكومون بالتواصل والاستمرار بهذا المشروع الثقافي والحضاري والجامع للعرب على امتداد الخارطة العربية، لما يمثله من أهمية في تعزيز المعرفة ونشرها»، مؤكداً أن «الثقافة جوهر الهوية العربية، والعنصر الأكثر فاعلية في مكوناتها».
وأضاف أن «المشروع لن يموت، طالما هناك منقذ ينتشله من الصمت المؤقت»، موضحاً أن «كتاب في جريدة» توقف مؤقتاً منذ عامين، نتيجة لتوقف الدعم من الجهة الراعية الأخيرة، إثر أزمة اقتصادية تمر بها. وأضاف شوقي عبدالأمير «أنا في الإمارات منذ شهر لبحث إطلاق المشروع مجدداً، وعلى استعداد تام للتنسيق للمرحلة الجديدة من المشروع الثقافي والحضاري الكبير الذي استحق من (اليونسكو) التي ترعاه جائزة أكبر مشروع ثقافي عربي مشترك، عام 2005».
في الحوار، تحدث حائز جائزة ماكس جاكوب الشعرية، عن الهوية العربية والثقافة، والنقد الأدبي، وظاهرة النجومية الحقيقية والزائفة. وأكد أهمية الحوار الثقافي مع الآخر، ومشروعات الترجمة العربية. كما تطرق عبدالأمير لصداقته مع الشاعر محمود درويش. وعن مشروعاته الإبداعية الجديدة، قال إنه خلال زياراته للقصباء في الشارقة، كتب قصائد سيصدرها في مجموعة شعرية جديدة بعنوان «قصائد القصباء».
التقيت الشاعر شوقي عبدالأمير في المرة الأولى في مقهى «كاريبو» في القصباء في الشارقة، برفقة الكاتب نواف يونس، إذ اعتدت صباح القصباء مع أصدقاء في المقهى، قبل الانطلاق إلى العمل في دبي. كانت المرة الأولى التي التقي بها الشاعر العراقي الذي يقيم في باريس منذ أربعة عقود. وهو مؤسس المشروع الثقافي العربي «كتاب في جريدة» في عام 1997، بالتعاون مع «اليونسكو» و21 صحيفة عربية.
في اللقاء الأول، تحدثنا في شؤون الحال العربية التي تزداد تشرذماً ظلامياً وطائفياً في مناطق عدة في خارطة الوطن العربي. وفي المرة الثانية التقيت عبدالأمير في مقهى «جيرارد» في القصباء، مع نواف يونس الذي يعمل مدير تحرير مجلة «دبي الثقافية»، وتحدثنا عن مشروع «كتاب في جريدة» والصمت الذي طاله منذ عامين. واقترحت إجراء حوار صحافي حول الشعر والمشروع. ومن القصباء إلى فندق «جي دبليو ماريوت» في دبي انتقلنا، وكان حديثنا تحت القبة الكبيرة للفندق، على أنغام لعازفة البيانو.
البداية
كان لدي دفتر بورق غير مسطر، ويحمل شعار هيئة دبي للثقافة والفنون، وكان هذا الدفتر مفتاح الحوار، حين سألني شوقي عبدالأمير عن الدفتر، وقال «الدفاتر والأقلام والورق الجميل عناصر ملهمة لي، إذ أصاب بنشوة بدائية حين أتلمس الورق»، مشيراً إلى شغفه بالأقلام والورق، وأن لديه مجموعة خاصة من الأقلام المعبأة بالحبر والذكريات، فلكل قلم حكاية. وأوضح أن لديه مجموعة من المقتنيات الكتابية، من بينها قلم الجائزة الأولى في مهرجان الشعر الذي نظمته كلية الآداب في بغداد عام 1970. وتذكر أبياتاً من قصيدته العمودية الفائزة، التي تتضمن 60 بيتاً، قال فيها:
«إني نسجتُ من الحروف صوارياً/ وأتيت بحرك ظامئاً يا دارُ
كلية الآداب ويحك حلوتي/ فقلوبنا في معصميك سوارُ
والعاشقون يضيق في ترميمهم/ بين الضفاف الحن والقيثارُ
فإذا استبد الحب، فالدنيا هوى/ وعلى الهوى تتهتك الأستارُ».
وأشار عبدالأمير إلى أن لديه ديواناً من القصائد العمودية، لكنه لم يسع إلى نشره، انطلاقاً من موقفه الحداثي والتجديدي.
ظمأ ووهم إلكتروني
حول الهوية العربية والظمأ إلى مشروعات ثقافية كبرى، وما تواجهه الثقافة من تهميش، على الرغم من كونها رافعة الهوية، قال الشاعر شوقي عبدالأمير «في حياتنا العربية، ثمة انزلاق دائم نحو السياسي والاقتصادي على حساب الثقافي الذي يمثل جوهر الهوية والعنصر الأكثر فاعلية في مكوناتها، فالهوية لغة ودين وأرض، وهي عناصر ثقافية، لكن الثقافة بحكم طبيعتها التأملية وعلاقتها بالفكر والإبداع يجري سحبها إلى الهامش»، موضحاً أن الفعل السياسي لايزال يقود الحياة العربية «وما يحدث الآن يعد مبالغة في عزل الثقافة عن دورها الأساسي في بناء الأمة ومواجهة التحديات»، مضيفاً أن «اللغة تتفكك، والتواصل الثقافي بين المنتج والمتفاعل يكاد ينقطع، والثقافة تتهدم جسورها، ويحدث ابتذال في نقل المعرفة، يتمثل في هيمنة المرئي والمسموع، عبر تسطيح واضح».
سألت صاحب «كتاب الرقائم السبع» عن تمايز الإنترنت عن التلفزيون والإذاعة، فقال إن «متصفح الإنترنت يمكنه التعامل بعمق مع الثقافة، خصوصاً أن الشبكة تتيح له الاختيار والتحكم، لكن الإنترنت أصبحت مطية سهلة، جعلت كثيرين يظنون أنهم شعراء أو روائيون بين ليلة وضحاها». وعلّق، ساخراً، «إذا كان العرب انتجوا 10 معلقات لشعراء عظماء، فإنهم اليوم يشهدون ولادة 100 ألف معلقة إلكترونية»، وهو بذلك يسخر من هؤلاء «الموهومين الإلكترونيين» الذين «يمتطون» الإنترنت، متوهمين بأنهم «فرسان الكلمة» من دون أن يكونوا موهوبين.
نصف مليار نسخة
سألت عبدالأمير عن الصمت الذي طال المشروع الثقافي والحضاري «كتاب في جريدة» منذ عامين. رد بقوله إن «المشروع جمع الخارطة العربية كلها، وهو الوحيد الذي تمكن من الوصول إلى الريف والبادية والمدينة»، موضحاً أن «كتاب في جريدة» مشروع جامع للعرب، وتمكن من نشر عدد من أمهات الكتب العربية القديمة والحديثة، في الشعر والقصة والرواية والفكر والتاريخ، مرفقاً به رسومات لفنانين من مختلف الدول العربية.
وقال مؤلف «حديث النهر» إن «المشروع تمكن من الوصول إلى كل العرب، إذ كان يوزع مجاناً مع 21 صحيفة، لمدة 16 عاماً، وبمعدل ثلاثة ملايين نسخة للإصدار الواحد».
واصلت سؤالي «لكن، ما الذي حدث، حتى صمت الكتاب؟»، فأجاب بمرارة «المشروع لم يمت، ولن يموت طالما هناك منقذ ينتشله من الصمت المؤقت»، مضيفاً أن «مشروع (كتاب في جريدة) توقف مؤقتاً منذ عامين، نتيجة لتوقف الدعم من الجهة الراعية الأخيرة، إثر أزمة اقتصادية ألمت بها، لكنني بقيت أحاول كسر الصمت، مدفوعاً برغبة ملايين القراء وعشرات الصحف العربية الكبرى الذين يطالبون باستمرار المشروع».
ومثلما أطلق المسرحي الراحل سعدالله ونّوس مقولته «إننا محكومون بالأمل»، أكد عبدالأمير «نحن محكمون بالتواصل، والاستمرار بانطلاقة جديدة. ولا يمكن القبول بتوقف المشروع الذي صدرت منه نصف مليار نسخة لـ160 كتاباً خلال 16 عاماً متواصلة». وأفاد بأن الانطلاقة الجديدة ترافقها عملية تقييم لتطوير التجربة، مثمناً استضافة بيروت المشروع على مدى 16 عاماً.
نداء
وجه الشاعر شوقي عبدالأمير نداء إلى العرب، لحمل راية مشروع «كتاب في جريدة». وقال «أوجه نداءً ثقافياً لينتقل المشروع إلى مدينة عربية تحمله إلى آفاق جديدة»، مضيفاً «أنا في الإمارات منذ شهر لبحث إطلاقه مجدداً، وأنا على استعداد تام للتنسيق من أجل إطلاق المرحلة الجديدة من المشروع الثقافي والحضاري الكبير الذي استحق من (اليونسكو) التي ترعاه جائزة أكبر مشروع ثقافي عربي مشترك، عام 2005». وقال إن «المشروع لا يحتاج الكثير، لكنه يحتاج مدينة مبادرة لدعمه، ويتمثل الدعم في توفير مقر والتكفل برواتب الهيئة التنفيذية التي أترأسها، والتي تضم خمسة موظفين فقط»، متسائلاً «هل هذا كثير على العرب، من أجل مشروع ثقافي وحضاري فريد، ينقل المعرفة وقيم الجمال إلى كل بيت عربي، عبر ثلاثة ملايين نسخة ورقية توزع مع صحف كبرى، علاوة على قراءة الكتب عبر الموقع الإلكتروني للمشروع الذي يسهم في تعزيز المحتوى العربي على الإنترنت؟». وأكد أن رؤية «كتاب في جريدة»، بنسختيه الورقية والإلكترونية، تقوم على مبدأ «المعرفة للجميع»، إذ يتيح وصول الثقافة إلى البيوت، مبيناً أن «عبقرية الفكرة تتمثل في جعل الصحف المتداولة حاملة للكتب والفن التشكيلي، إذ يشترك مؤلف وفنان تشكيلي في كل إصدار، وبالتالي يسهم المشروع في تعميم المعرفة وتعزيز الثقافة البصرية في الوقت نفسه».
رعاية (اليونسكو)
قال شوقي عبدالأمير، الفائز بجائزة ماكس جاكوب العالمي للشعر، بعد نشر مختاراته الشعرية «مسلة أنائيل» باللغة الفرنسية عن دار «مركور دو فرانس» في باريس، إن «المشروع مفتوح على آفاق جديدة»، مشيراً إلى أن الراعي الجديد للمشروع سيجمع المعنيين بالمشروع من أدباء وأكاديميين ومختصين وممثلي الصحف المشاركة، في المؤتمر التأسيسي للانطلاقة الجديدة، تحت رعاية «اليونسكو»، للوصول إلى أفكار جديدة بالاستفادة من التجربة التي امتدت 16 عاماً.
وحول آفاق الترجمة لكتب المشروع، أوضح أن الفكرة ليست مستحيلة، لكنها منوطة بالاتفاق مع صحف أجنبية. لكنه أضاف حول اتفاقيات التوأمة «قمنا بتوأمة مع المشروع الإسباني الأول في اليونسكو (الكتاب الدوري)، الذي نشر للروائي نجيب محفوظ باللغة الإسبانية، بينما نشرنا للشاعر البيروفي سيزار باييخو باللغة العربية».
العلاقة مع أدباء
الشاعر عبدالأمير الحائز درجة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة السوربون عام 1974، يعيش في باريس منذ 40 عاماً، عايش خلال هذه العقود الحركة الثقافية الفرنسية، أسهم فيها وتفاعل معها، ولديه علاقات صداقة مع كثير من أدبائها وفنانيها، وهو عضو اتحاد الكتاب الفرنسيين، وهو العربي الوحيد في هيئة تحرير مجلة الشعر الفرنسية «بويزي» (شعر).
قال عن علاقته بالثقافة الفرنسية «علاقتي باللغة الفرنسية عضوية، لكنني اكتشفت عظمة اللغة العربية عندما تعرفت إلى الفرنسية»، مضيفاً «العرب الذين يعيشون اللغة العربية لا يعرفون أبعادها، إذ يجب أن تخرج من اللغة لترى أطرافها». وأشار إلى أن اللغة العربية ذات طبيعة فعلية، بينما اللغة الفرنسية اسمية «من الفعل تستطيع اشتقاق ما شئت من الأسماء والصفات. وأكدت إحصاءات علم اللغة أن نسبة صيغة الفعل في لغتنا العربية تصل إلى 35% منها، وهذا لم يحدث في أي لغة أخرى». وأفاد بأن «الزمن والقدرة على الإيجاز من خصائص الفعل، وهذا أحد أسرار العبقرية اللغوية لدينا». وقال «اللغة العربية أمُّنا، بينما اللغة الفرنسية بنت الفرنسيين».
الحوار مع الآخر
أكد الشاعر شوقي عبدالأمير أن الترجمة جسر بين الثقافات، مضيفاً «لا ننكر أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت حركة ترجمة للأدب العربي إلى لغات أخرى»، مشيداً بدور الإمارات من خلال مشروع «كلمة» في أبوظبي، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، إضافة إلى مشروعات في بيروت ومصر والمغرب تسهم في نقل الأدب العربي إلى الآخر.
لكن صاحب المجموعة الشعرية «مقاطع مطوّقة»، نبّه إلى خلل في التواصل مع الآخر، وقال إن «الخلل يتمثل في طبيعة خطابنا، ويعد الخطاب الحقيقي مفتاحاً للتواصل، ولكي ننجح في ذلك لابد من تقديم نص رفيع المستوى، ولابد من مواكبة نقدية له، علاوة على أهمية التوزيع». وأضاف «هناك نصوص تعتبر مؤثرة في الوطن العربي، لكنها لا تعني الغربيين، فمثلاً (ثلاثية) نجيب محفوظ نص عظيم للقراء العرب، لكنه ليس كذلك في الغرب، إذ يصف الفرنسيون نجيب محفوظ بأنه (إميل زولا الصغير)، ولا يلتفتون إلى نتاجه». وأكد أن «تقييمنا لآدابنا ليس متطابقاً مع السُّلّم المعرفي والنقدي في العالم، وإذا لم نعِ ذلك فسنبقى نحوم في دوائر ضيقة، لذلك علينا أن نجرؤ على طرح السؤال النقدي حول النص الذي يخاطب الآخر».
من «قصائد القصباء»
قصيدة كتبها شوقي عبدالأمير في قصباء الشارقة، ضمن مجموعة سينشرها بعنوان «قصائد القصباء».
هو
«إلى سارة»
هو يعرفُ
أنّ الأصعبَ أن يقول
لا أن يدمى.
لم يتدرب
على حكمةٍ أو سيف
واكتفى بالألم والجمال.
المرأة؛
أجل؛ عندما يستطيع
أن يُخاتلَ الموت.
الحب؛
هو الوحيدُ الذي جعل
من راحتهِ إناء مملوءً
بالماء.
المدنُ؛
حجراتُهُ التي ينامُ فيها
عندما يتعبُ من
السفر داخلَهُ.
الموسيقى؛
عندما يعترفُ جسدُهُ بهزيمتهِ
أمام روحه.
البحرُ؛
كرسيُّهُ للاعتراف
داخل كاتدرائية الكون.
اللوحةُ؛
عندما يريد أن يستحمَّ
بحالات وألوان ما قبل التكوين.
المعرفة؛
حبلٌ مشدودٌ بينهُ وبين العدم
يتدلى منه على الدوام
رياضتُهُ المفضّلة.
الشعر؛
تمرينٌ في الإبحار لاكتشاف
أرخبيل اللاعودة.
الأصدقاء؛
أنهارٌ مهددةٌ باستمرار
بالفيضان أو الجفاف.
الأبناء؛
دماؤهُ الاخرى
التي لا تجري في عروقه.
العراق؛
جرحهُ الذي ينزف
ذهباً.
الآخرون؛
الصفحاتُ التي يقرأ كلّ يوم
ثم ينسى.
الراحلون؛
منْ ثَلَمَهُ.. ومضى
هو
شوقي عبدالامير.
النقد الثقافي
قال شوقي عبدالأمير، عن حال النقد الأدبي العربي، وظاهرة المجاملة «في الأدب العربي عمالقة في الشعر والنثر، لكن هناك أقزام في النقد والفكر»، مشيراً إلى افتقار النقد إلى عملية التفكيك والبناء. وأفاد بأن «العقلية العربية لاتزال استلهامية وانبعاثية وشفاهية، غير قادرة على البناء الفكري الفلسفي»، مضيفاً «لا يوجد فيلسوف عربي، ولدينا مفكرون لم يرتقوا درج الفلسفة». وأردف «النقد الذي يملأ الصحف والكتب هو مجاملات محكومة بحسابات شخصية»، مشدداً على أن «العمل الثقافي العربي يحتاج إلى انتفاضة جمالية وفكرية من داخله، تقودنا إلى البحث والاستقصاء وليس الإقصاء، خصوصاً أن النقد في أساسه فكر، وليس توزيع أوسمة أو شتائم وتهم».
النجومية الأدبية
حول حقيقة أو زيف ما يسمى «النجومية الأدبية»، قال صاحب «يوميات شعر في المنفى» إن «النجومية الحقيقية تؤكد وجودها، عبر المنجز الجمالي والفكري، وهي موجودة في أدبنا، لكنها نادرة». وأضاف «تعاني الساحة ظاهرة نجوم غير حقيقيين، نجوميتهم مؤقتة، وبمثابة عيدان ثقاب سرعان ما تنطفئ، والتاريخ لن يرحمهم، لأن النجم مرتبط بسيرورة التاريخ، وليس بالعلاقات والنفوذ». وأكمل «عندما يوجد نقد حقيقي، يولد نجم حقيقي». وأردف «إذا كان هناك شاعر أو ناثر يكتب بقصد النجومية، فإنه لن يكون نجماً». وشبّه ولادة نجوم الأدب بولادة النجوم من انفجارات كونية، مضيفاً «المرصاد النقدي هو من يكتشف النجم الأدبي الحقيقي، وليست شاشة التلفزيون والمجاملات».
تجربة شعرية
شوقي عبدالأمير شاعر له تجربة طويلة في الكتابة والترجمة والفكر، وصدرت له 15 مجموعة شعرية، منها «أنا والعكس صحيح» في بيروت، العام الجاري، و«مشاهدات لامرئية» في بغداد العام الماضي. تنقل من بغداد إلى الجزائر وبيروت وباريس، ويتميز بسرعة التأقلم مع المدن الجديدة والثقافات المتعددة. يرى الغربة في النفس، وليست في الأمكنة، إذ يتأمل الجمال لدى الآخر، ويحاور الأمكنة بالقصائد، ويتجاوز الحواجز إلى أفق إنساني، في حياته وشعره ورؤيته للوجود. كما يرى أن «الموت معين الشعر، إذ لولا عشق الشاعر للحياة، لما كتب القصائد»، مشيراً إلى بيت لأبي الطيب المتنبي حول فلسفة الموت، قال فيه «إذا ما تأملت الزمانَ وصرفَه/ تيقّنت أن الموت ضربٌ من القتلِ».
درويش والمرحلة الباريسية
قال الشاعر شوقي عبدالأمير عن صداقته مع الشاعر محمود درويش، أثناء إقامته الباريسية «بدأت علاقتي بدرويش عندما انتقل إلى باريس، ليقيم في شقة في (باريس 16) قريباً من السفارتين المصرية واليمنية»، مضيفاً أن «العلاقة مع درويش تطورت لتغدو صداقة عميقة يومية».
وحول شخصية درويش التي عرفها، قال «كان محمود درويش قلقاً في كل شيء، كأن القلق تجسد في شخصه، لدرجة أنه قال لي يوماً ما إن هناك شطراً للمتنبي يوازي كل شعره، وقد فوجئت بذلك، وسألته عن شطر البيت، فقال لي (على قلقٍ كأن الريح تحتي)».
وأضاف عبدالأمير «من يعرف درويش ويفكر في حياته وأسئلته، يدرك عميقاً أن المتنبي قال في هذا الشطر، ما لم يقله درويش في نفسه».
وذكر أنه في أحد الأيام، طلب منه درويش جولة بالسيارة في باريس، وخلالها تساءل درويش «هل يمكن أن يموت أحد في مثل هذا اليوم الجميل»، وبعد ذلك كتب درويش «أفي مثل هذا اليوم يموت أحد؟».
درويش الذي توفي في التاسع من أغسطس 2008، منحته فرنسا وسام الاستحقاق الوطني عام 1993، كما أطلق اسم الشاعر محمود درويش على ساحة باريسية عام 2010.
وعن المرحلة الباريسية، قال محمود درويش «كانت باريس عبارة عن محطة أكثر منها إقامة أو سكناً، لا أعرف، لكنني أعرف أنه في باريس تمت ولادتي الشعرية الحقيقية، وإذا أردت أن أميّز شعري، فأنا أتمسك كثيراً بشعري الذي كتبته في باريس في مرحلة الثمانينات وما بعدها، هناك أتيحت لي فرصة التأمل والنظر إلى الوطن والعالم والأشياء من خلال مسافة، هي مسافة ضوء، فأنت عندما ترى من بُعد، ترى أفضل، وترى المشهد في شموليته، علاوة على أن باريس جمالياً تحرّضك على الشعر والإبداع، كل ما فيها جميل، حتى مناخها جميل».
وفي باريس كتب في وصف يوم جميل «أفي مثل هذا اليوم يموت أحد؟». وأضاف «مدينة باريس أيضاً هي مدينة الكتّاب المنفيين الآتين من كل أنحاء العالم، تجد العالم كله ملخصاً في هذه المدينة، وكانت لي صداقات مع كتّاب أجانب كثيرين، وأتاحت باريس لي فرصة التفرّغ أكثر للقراءة والكتابة، ولا أعرف فعلاً إن كانت باريس هي التي أصابتني أم أن مرحلة نضج ما تمت في باريس، أم أنه تطابق العنصرين بعضهما مع بعض؟”.