انتظار الموت شعراً


أحمد الفاضل



في الخامسة من مساء الـ11 من تموز (يوليو) 1905، توفي الإمام محمد عبده في الإسكندرية بعد معاناة مع السرطان عن 57 عاماً، ودفن في القاهرة بعد أن شيعته قلوب ملايين إلى قبره، حينها وقف ستة من الخطباء والأدباء يرثونه ويعددون مناقبه، وهم بحسب ترتيبهم في الوقوف: الشيخ أحمد أبوخطوة ورئيس ديوان الخديوي حسن عاصم بك والشيخ حسن عبدالرازق باشا الكبير والد شيخ الأزهر مصطفى عبدالرازق والكاتب الأديب قاسم أمين والقاضي حفني ناصف والشاعر حافظ إبراهيم.

لم يكن أحد منهم يعلم أن هذا الترتيب في الأدوار سيكون له حكاية لن يعرفها إلا آخر اثنين وقفا على قبره، وهما حفني ناصف وحافظ إبراهيم.

كان حفني ناصف أول من فطن إلى أن أولهم تأبيناً أولهم وفاة، فالشيخ أحمد أبوخطوة توفي بعد أشهر من وفاة محمد عبده عام 1906، ثم لحقه ثانياً حسن باشا عاصم فتوفي في الـ10 من تشرين الثاني (نوفمبر) 1907، ثم حان أجل الثالث الشيخ حسن عبدالرازق، ثم عرجت المنية رابعاً على قاسم أمين 21 – 4 – 1908، حدث هذا كله في ثلاثة أعوام، ولم يبق من الستة إلا خامسهم حفني ناصف، وسادسهم حافظ إبراهيم، وهنا هاب حفني ناصف لعبة الأدوار، وأيقن أن الدور حتماً واصله، فكتب إلى حافظ إبراهيم أبياتاً، جاء فيها:

أتذكر إذ كنا على القبر ستة/ نعدد آثار الإمام ونندب/ وقفنا بترتيب وقد دبّ بيننا/ ممات على وفق الرثاء مرتب/ أبوخطوة ولّى وقفّاه عاصم/ وجاء لعبدالرازق الموت يطلب/ فلبّى وغابت بعده شمس قاسم/ وعما قليل شمس محياي تغرب/ فلا تخش هلكاً ما حييت فإن أمت/ فما أنت إلا خائف تترقب/ فخاطر وقع تحت الترام ولا تخف/ ونم تحت بيت الوقف وهو مخرب/ وخض لجج الهيجاء أعزل آمناً/ فإن المنايا عنك تنأى وتهرب. فأجابه حافظ إبراهيم في قصيدته التي ألقاها في حفلة تكريم حفني ناصف عام 1912 إذ يقول: أخشى عليك المنايا/ حتى كأنك مني/ إذا شكوت صداعاً/ أطلت تسهيد جفني/ وإن عراك هزال/ هيأت لحدي وقطني/ وإن دعوت لحي/ يوماً فإياك أعني/ عمري بعمرك رهن/ وعش أعش ألف قرن.

وشاءت إرادة الله تعالى أن تستمر فصول هذه القصة العجيبة إلى نهايتها، وتوفي حفني يوم 25 شباط (فبراير) 1919، أي بترتيبه نفسه في الوقوف لحظه رثاء الشيخ محمد عبده، وإن تأخر كثيراً عن سابقيه. وهنا قال حافظ: آذنت شمس حياتي بمغيب/ ودنا المنهل يا نفس فطيبي/ قد مضى حفني وهذا يومنا/ يتدانى فاستثيبي وأنيبي/ وارقبيه كل يوم إنما/ نحن في قبضة علام الغيوب/ اذكري الموت لدى النوم ولا/ تغفلي ذكرانه عند الهبوب. وفيها يقول: قد وقفنا ستة نبكي على/ عالم المشرق في يوم عصيب/ وقف الخمسة قبلي فمضوا/ هكذا قبلي وإني عن قريب/ وردوا الحوض تباعاً فقضوا/ باتفاق في مناياهم عجيب/ أنا مذ بان وولى عهدهم/ حاضر اللوعة موصول النحيب/ هدأت نيران حزني هدأة/ وانطوى حفني فعادت للشبوب.

توفي حافظ إبراهيم عام 1932، في الخامسة من صباح الخميس، وترك لنا خمساً من آثاره الأدبية والأبيات التي كتبها في بادئ الأمر لحفني ناصف (خمسة) ولو جمع أرقام تاريخ وفاة الإمام محمد عبده 1905 لتبصر أكثر بتاريخ وفاته


* الحياة 

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *