وصايا الجد


عبد الوهاب الملوح*

( ثقافات )

لم تعد في حاجة للصحو قالت وقتها سيدة في الأربعين تحجز الأنهار في لفتتها قالت وغابت يتَّكئ الضوء على كتفها يا أيها المحجوز يمشي وحده في حجرة الموتي يعدُّ جثث الوهم التي خلَّفها قدامه الموت و يمشي موقدا لوعته حفلة صمت , يُمسك الآن يد الحيطان تزداد علوا وهي تبكي يُمسك الآن قلب الحجر الباكي كثوب من حرير الألم الذي لم يقله سقراط ..ذاك الشارع المغلق مفتوح على البحر كما لو أنه بحر بلا اسماك أو غرقى كما لو انه أرض بلا غاباتِ أو أحلام حطابين أو مرعى كما لو انه حب بلا عشاق ولا فاكهة قشرها فيل ا لغياب ..
كان يكفي أن يعُدَّ الجثث الباقيه من عمره واحدة واحدة يُحصي دموع النهارات وينقِّي من دم الخيبات تلك الضحكات العاليه …
كان يكفي سلة مملوءة بالصدف العاطفي , لشكسبير حق العودة الآن ليرثي غيمة حجرها الوهم طيورا في المنافي ….
قال جدي لك في مملكة النسيان من صابة الحب ظلال الازرق المعجون باللَّذَّة عند شرفات أول ا لماء وقال أورثتك الماء وأسرار دمي يا ولدي فامض بعيدا كالحصى يكتب غيابة هذا الصمت , كالأشجار تمشي وحدها مضمومة في حلمها كامرأة محلولة الشعر تسمي الليل شيئا من لغوها , عريها , صورتها في آخر ما كتبه أولئك الضالون في صورتها ..
أوقد أصوات خطاه , ارتدى ضحكته ثم استدار راقصا كالخيول تعدو في الأعالي قال يا ابني لا ملك لي أورثك العشق وحصالة روحي ..
لك فيها آهات صبري المدلل , 
لك فيها غيمة حجرها الحلم طيورا في المنافي , 
لك فيها قصعة للآمل المنسي فينا ,
كل ما في الآمر إن الرجل الواقف عند الحائط الازرق المهجور نسى كل شيء دون أن ينسى وصايا ال جد أو ينسى خطى سيدة في الاربعين مشت قدامه نحو الشبابيك في عزلته .
قال يا ابني خذ هتاف الماء فيما يتبقى من شرود العشب قبل مواعيد الخريف , خذ حواشي الشجن البري وتسلق سنديان الضوء في مرآة الظل وهات الشعر فردوس متاهات الفرح ..
*شاعر من تونس

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *