*الكاتب الليبي الراحل خالد شلابي
( ثقافات )
سارق الليل
الليل (يتهدل) – يخيم – و الظلام يرف – الأنجم و السماء تزدان – تغرد – تفرح و تطرب … و كأنها في لية عرس – كل شيء يوحي بالفرح رغم العتمة كان النور هافتاً جداً و النسيم رائعاً و كأنه كان يجلس معها – مع الليل … مع السحر سرق كل شيء حتى كلماته – و ملابسه الرثة البالية و لون عينيه نهب كل شيء – اللعنة – الحزن … الغباء – ساد السكون – اللهب … الضوء الأخضر – يزدري كل الأوان .
خيم الظلام – إزدانت السماء بمصابيح خافته … الضوء زغردت و فرحت – و كأنها في بداية مراسم حفل زفاف لا نهاية له تراقصت الأنجم و السحر الذي يخلب الألباب – و النسيم العليل – كان يراقبها … ها هي فرحانة … سرق كل شيء – سرق الحب – سرق الكراهية – سرق الحقد – سرق نفسه من محصلة نفسه – ذابت أنجم اليوم – تهدل العرق لفطرة الحياة – كل شيء كان مهيناً – أخرس – لا يدري في أي ركن هو – محطم القلب – و العرق –لا لون له – باهت – أقرع يخمر بخطواته المجنونة الوئيدة المتأنية دائماً إلى الأمام يظن نفسه أنه يملك ضفائر ملونة لزهرة برية .
غزوك مر
بين آلاف الوجوه – حين تسهرين – تذوب الشمس – رائعة أتت مقلتاك – أتصفحك على وجه البحر – منتظراً الياقوت – أه من عينيك – لونهما كلون البحر – كلون السماء إنعطفنا – حال القمر – أتغزل فيك – تطربني همساتك – صفحة بيضاء ، لا للعناق – حين تبحرين في حلمي مع وصية جدتك – رانية – لا للهمس – لا للبوح – لا لكل ما يتعلق بالحب – أجدك حاضرة – تبكين على لوح مغبر – أصفر – أصفر كان لون للشعر – بياض يديك – تلهفك – نطقك بإسمي – عجوز أنا – عجول أنا – لم أكتفي بابتسامتك – تلعنني الوحدة – بدونك تعريت – يا زبالة تخترق أوداجي – حين أغفو يكون الحلم – ما أجمل أيامنا – تنهداتنا – أو يكون الحب قبلة – ماذا أقول – بعد ذهاب الوهج – هل الحقيقة لها طعم الجوز – مغبرة أنت و قاحل أنا – لا – لم يلتئم الصديد – لإنك متزوجة – تريدين كحل الليل – يبتسمون أطفالك للوردة – خضي أنا – يوم تكتبين إسمي في بتراء المدينة أغفو لإنهض – أستقبلك – وجد – وجد – خشوع – خشوع – و تحلمين و أحلم باليوم الذي نلتقي فيه ايان يوم القيامة – أحبك .
***
كل شيء لك
غادر المكان رافعاً رأسه بعفونة الزمن – غير ملقي و لو بنظرة أخيرة إلى ما خلفه وراءه من الهشيم الضائع وسعادة كان يتمسك بها – تطلع إلى فوق ، طالعه الغروب ، يسأله عن اللقاء . حدق في أخر نجمة راوغته … لا بد أن يصل لها .
ترك أوراقه و ركض مسرعاً خلف الغيوم
بحثت عنه … لم تجده – عثرت على رسالة بين أوراقه – قرأت فيها … تحية جميلة لك ، لن تعثري على بعد قراءتك رسالتي هذه تجدين كل الأوراق الرسمية الخاصة بي ، كل ما أملكه تجدينه مسجلاً بإسمك ، خذي كل شيء حتى قلبي سلمته لك بقي لي شيء واحد – ألا و هو حريتي وداعاً .
اسقط في يدها – رضخت للأمر الواقع – استسلمت حتى تلد الصورة صورة أخرى هاجت في أعماق الوجدان القاسي و المرير ، تذكرت كل الصور التي هو فيها ، كيف يخفي هذا الوجه ، لم تحلم انه على مثل ما تراه الأن .
هل هو سعيد بهذا أم أنه شقي ؟ … فلماذا يبتعد عني طوال هذا الوقت يا له من مسكين … لا بد أن يفيق من غيبوبته – ربما لم أكن له منذ البداية – ربما كنت فتاة عابرة في حياته حتى لو كنت حبيبته – فلماذا يختفي و يترك لي كل شيء . استرجعت ذاكراتها …
ليس بطلاً كما يظن – إنه جبان – لم يستطيع الاستسلام لي ففضل النجاة و الهرب ، انطلقت منها ضحكة مجلجلة و مضت في طريقها تواكب رحلة الغد – أحبت أن تراه – متى ؟ … و أحب هو أن يراها … تحت ضوء الشمس بجانب العتبة .
اهتزت الأرض – لأنها لم تحتمل لقاءهما – باعدت ما بينهما – و صار كل واحد منهما يسأل .
هل رأيته ؟ .. هل رأيتها؟؟
البرك القذرة جفت رغم تهاطل المطر – و اصطادت العصافير بعضها – اختفت سحابة كانت تغطي آخر نجمة – وانطلق الرهبان لينظفوا القلوب الميتة .
***
نزق حواء
في ظل هذه الشجرة الوحيدة التي أسعفها الحظ لكي تبقى مزهوة بنفسها بعد مضي قرن من الزمان – تشابكت الخيوط – جرت معها نسائم عذرية من الشمال – مضت تلوح عن إبتداء يوم غير عادي بالنسبة لها …
لقد رأته ليلة البارحة جاء إليها مبتسماً – يحملق في جسدها أشاحت له بوجهها … طبع لها قبلة في الهواء … ظلت طوال هذا اليوم – وضعت رأسها بين يديها – لما تتحمل كل هذا العذاب ؟ في أول يوم أبتسم لها – خفق جناح قلبها البريء أنا ذاك – لا أحد يحبها لذاتها – يحبونها لجمالها فقط ينتظرون منها أن تعطيهم رشفة من عصير أبيض يتركون لها أين ذالك الفتى ؟
كان الزمن كله يعوي
ترى كيف حاله ؟ هل مازال معجباً بي أم أنه قد نسيني ؟
آه لقد ولي زمن الحب – ماتت الصهباء في آخرى كأس لها تمنت لو مزقت ثيابها – بقيت عارية لا يسترها شيء حين كان يحبها كان كل شيء مكشوفاً له حتى وهي ترتدي أثقل الملابس – كشف روحها فلم يبق للجسد مكاناً .
لمن أشكو – لربي – أم لحبيبي – أم لأناس – بلغت بهم الجرأة – أن يبتلعوا صوتي – صوتي – هل كان جميلاً حين يسمعه – لست أدري .
لماذا أتى لزيارتي – هل ليزيد من عذابي – لماذا يطرق بابي مرة أخرى ؟
يريدني أن أضمه – لن يرتقي جسدي سلما – فلست أنا بطلت قصته – بل هذه الشجرة الملعونة – إقتلعوا هذه الشجرة .
بكت – ثم بكت وتعالى بكاؤها – همست لقلبها قائلة الحب يأتي منك أنت – فمن تكون أنت يا قلبي – هل أنت أنا ؟
أم أنا أنت ؟ هل أطاوعك ؟ أم أطاوع نفسي ؟ إنني مشتتة… فلتقتلعوا أنفسنا من ظهيرة الحياة
لكن هذه الشجرة ماتت منذ زمن – نعم فهي ليست هذه الشجرة
صدقوني – أنا إنسانة عادية – لها ثمار و أزهار و اغصان – و براعم يجب أن تقطفوا ثماري كل صباح .
هامت على وجهها – أطل يبحث عنها – يناديها و هي تجري هاربة – لقد أنصت لحديثها – وفهمت هي أنه جاء ليقتلع الشجرة و يقطف الثمار …