مذكرات أخت سابقة: قدسية الجماعة ما بين الدعوي والسياسي


*عماد مهدي

في كتاب جديد يرصد دهاليز وكواليس جماعة الإخوان المسلمين وخصوصًا في الشق المتعلق بالأخوات داخل الجماعة ونظرة الجماعة لدورهن وأهميتهن ومكانتهن، يأتي كتاب «حكايتي مع الإخوان» ليسجل نموذجًا لأخت سابقة في الجماعة، ترى أنها تجربة فردية وفريدة فلربما تكون الأخت الأولى التي تنشق عن الجماعة وهو من الصعوبة بمكان حيث نشأتهم على مبدأ حظر إعمال العقل تارة تحت راية طاعة الله ورسوله، وتارة تحت راية طاعة ولاة الأمر، وتارة أخرى بالالتزام بالعهد وميثاق الجماعة.

غلب على كتاب «حكايتي مع الإخوان» أسلوب القصص والروايات، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء تأثر الكاتبة بخلفيتها الأدبية، فقد احتوى الكتاب على الكثير من القصص الفعلية التي تعبر عن واقع الأخوات داخل الجماعة، وهو ما استطاعت الكاتبة رصده بدقة من خلال ما تناولته في الفصول التسعة للكتاب بالوقوف على عدة محاور رئيسة هي:
الأخوات ضحية الأزمات
ترى الكاتبة أن الأخوات داخل الجماعة هن ضحية لأزمات حقيقية تتمثل في أسلوب تربية النشء من الجنسين حيث إن الخلل الظاهر في التعامل التربوي ينتج عنه مشكلات أسرية عند الزواج وعلى الرغم من ذلك تستمر الحياة الزوجية قائمة على مفهوم «التحمل» مخافة عصيان الله، علاوة على تكريس ظاهرة تعدد الزوجات داخل الجماعة واستخدام التكييف الديني لهذا الأمر عن طريق إعفاف المرأة المسلمة وزواج المروءة والضغط على المرأة الإخوانية لكي تقبل بهذا الأمر، وذلك من خلال رصدها لبعض الأفكار والسلوكيات المتعلقة بوضع المرأة داخل الجماعة.
وتطرقت الكاتبة إلى مفهوم الاختلاط بين الجنسين وتربية المراهق الإخواني، حيث أكدت على أنها تعتمد على التعفف وتجنب الاختلاط وغض البصر، غير أنها تكرس لاضطهاد المرأة منذ الصغر، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة حالات الطلاق المبكر في أوساط الجماعة، حيث إنه وبعد حرمان طويل للشاب يكتشف أن زوجته التي ترتدي النقاب أو الخمار قد لا تكون هي فتاة أحلامه، وأن الخبرات الجنسية التي يكتسبها شباب الإخوان تكون من كتاب “تحفة العروس” الذي أوصت الجماعة باستحياء بقراءته.
الدونية والاستغلال متعدد الجوانب
رأت الكاتبة ولمست عن قرب أوضاع المرأة داخل جماعة الإخوان المسلمين وكيف تم تهميشها باسم الدين مرة، ثم دفعها إلى العمل الاجتماعي والسياسي فجأة باسم الدين أيضا، وطريقة تفكيرهن واستغلال الجماعة لهن سواء كان استغلالا جنسيا أو سياسيا أو ماليا، فضلا عن النظرة السلبية لدور المرأة والمتمثلة في خدمة الرجل والعمل المنزلي وتربية الأولاد، وترى الكاتبة أن متعة الإخواني غاية سامية، لذلك تعمل الأخوات على إشباعها مدللة على ذلك بأن عادة ما تكون هدايا الأخوات إلى بعضهن البعض عبارة عن مستحضرات تجميل بسيطة لتزيين المرأة وتجهيزها لعش الزوجية.
وفي الإطار ذاته، تطرقت الكاتبة إلى رأي حسن البنا (التي كانت قد أعجبت في شبابها بمأثوراته التي تدعو إلى الانفتاح على الحياة) في المرأة المسلمة وحديثه عن مكانتها في الإسلام الذي رفع من شأنها ومن قيمتها وجعلها شريكة للرجل في الحقوق والواجبات واعتراف الإسلام بحقوقها المادية والشخصية والمدنية كاملة، إلا أنها رأت هذا الرأي قد ناقضه البنا نفسه حينما قصر عمل المرأة على الأعمال المنزلية فحسب، مع الجواز بالحصول على شذرات من العلوم التي رأى أنها لن تفيدها، حيث إن مكانها الطبيعي البيت وأن العلوم الأخرى لن تفيدها، بل طلب البنا من الرجل أن يقوم بحسن تأديبها وتعليمها القراءة والكتابة والحساب والدين والتاريخ وأخبار السلف الصالح وتدبير المنزل ورعاية الأطفال.
وقد تمركز انتقاد الكاتبة للأخت الإخوانية حول رضوخها للكيفية التي تفسر بها الجماعة الشرع دونما أدنى نقاش وإلى أي مدى تُختزل العلاقة الزوجية في مفهوم أحادي الجانب وهو طاعة المرأة للزوج دونما الوقوف على سلوكياته، وعلى الجانب الآخر لا يوجد اهتمام بتوجيه الرجل إلى تطبيق شرع الله في معاملة الزوجة القائم على تبادل الاحترام. وفي هذا الصدد ترى الكاتبة أن شعار الجماعة “الله غايتنا والرسول قدوتنا والجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا” شعار مطاط أفرغه الإخوان من مضمونه، فكيف يكون الموت أسمى الأماني في حين أن الإخوان غارقين في إشباع رغباتهم ونزواتهم الشخصية، وتغليف هذه الرغبات الشخصية بغلاف الدعوة الدينية وقدرة الجماعات الإسلامية على التلون ولي ذراع الشرع.
وترى الكاتبة أن الانتخابات هي خير دليل على قمة التناقض الذي ميّز فكر الجماعة تجاه المرأة، ففي أوقات الانتخابات تختفي مقولات «مكان المرأة الطبيعي هو البيت ورعاية الأطفال والتزين للزوج»، حيث تندرج الانتخابات في هذا التوقيت تحت راية الجهاد وإعلاء كلمة الله، ويكون للأخوات دور فاعل ومحوري في هذا الصدد، وترى الكاتبة أنه في هذا التوقيت يجري الحرص على استقطاب الفتيات في سن الانتخاب وإقناعهن بالتصويت للإخوان من خلال الترغيب ودغدغة المشاعر ومخاطبة الجانب الروحي خلال الدروس الدينية. وترصد الكاتبة ما حدث في انتخابات 2000 – 2005 كواقع عملي لما سبق ذكره حيث صدرت الأوامر بتعديل شكل الخمار المعتاد وتعدد ألوانه، علاوة على نزع زوجات بعض رموز الإخوان النقاب، فضلا عن الانفتاح على المتبرجات عملا على هدايتهن للحاجة إلى أصوات المناصرين والمحبين. مع العمل على نشر الأخوات في الجامعات ومساجدها من أجل التعارف على الطالبات وعمل استبيانات عن أماكن سكنهن وهوايتهن وأرقام هواتفهن، إضافة إلى دعوة الأخوات إلى المسيرات والوقفات بالهاتف ويكون حولهن كردونات من الرجال وارتداء الملابس المعتادة تحسبا لتعرضهن للتحرش. وفي هذا تقول الكاتبة: «أجزم أن الدور النسائي كان السبب الرئيس في نجاح حملتهم الانتخابية ووصولهم لأولى خطوات تكوين دولة تنتهج أفكار الإخوان المطاطة».
ولم تقتصر صور الاستغلال على هذا فحسب، بل أشارت الكاتبة إلى صورة أخرى من صور الاستغلال المادي للمرأة داخل الجماعة وذلك من خلال حثها على التبرع لإقامة فعاليات الجماعة وخلافه وكثيرًا ما تكون النساء أكثر كرمًا فيتبرعن بحليهن.
المحسوبية والطبقية والنمطية داخل الجماعة
تقول الكاتبة إن التفكير السائد والشائع عن المرأة في الجماعة منطلق من تهميشها وعدم إعطائها حقوقها في اختيار المرشد العام ومنعها من دخول مكتب إرشاد الجماعة رغم المحاولات الحثيثة التي بذلها «إبراهيم الزعفراني» لدخول المرأة مكتب الإرشاد، ويرتبط بذلك، وضع الأخوات داخل التنظيم الذي غالبا ما يكون مرتبطا بوضع الزوج أو الأب فيه، ففرص الصعود داخل صفوف الجماعة تبقى محصورة فقط في دائرة المحظوظين وأهل الثقة.
وتقول الكاتبة إنها لامست ذلك الأمر عند خضوعها مع أخوات أخريات لاختبارات الثقة والولاء والطاعة العمياء، وهو ما تسبب في حدوث شرخ في نفوسهن. لذا لكي تصل المرأة إلى منصب أو مكانة مهمة داخل التنظيم فعليها الزواج بقيادات الجماعة أو أبنائهم، حيث تمثل فرصة ذهبية تعمل على تذليل كافة الصعوبات علاوة على إتاحة الاختلاط بالدائرة العليا المغلقة، بما دفع إلى خلق حالة من التنافس في هذا الصدد، فضلا عما يتيسر لها من أن تتكفل الجماعة بنشر كتيباتها وإعطائها فرصة لإلقاء الدروس والمحاضرات في المساجد وغالبًا ما تتركز هذه الدروس عن الطاعة أو الخضوع خصوصًا طاعة الزوج.
وكشفت الكاتبة عن أن الجماعة قد تشربت فكرة التوريث من نظام مبارك، وهو ما عبرت عنه من خلال رصدها لمشكلات بعض الأخوات الحاصلات على مستوى تعليم عال ويعملن تحت أمرة أخريات حاصلات على مستوى متدن من التعليم. وهو ما دفعها إلى القول إن الطبقية متفشية داخل المجتمع الإخواني مما يجعله مجتمعًا عاجزًا عن التعامل مع التطور والإبداع، علاوة على النمطية التي وصلت إليها الأخوات من خلال تقسيمهن إلى ثلاثة أقسام: نساء القادة، زوجات المناضلين في السجون، ثم بنات العامة، وهن الجانب الأسوأ في الجماعة، فالنهج التربوي للجماعة ينتج نساء ذوات طابع نمطي من السهل تطويعه وإقناعه من خلال خطاب مغلف بنصرة الدين بزيجة ثانية وثالثة.
قدسية الإخوان
تؤكد الكاتبة في نهاية كتابها على إصرار الجماعة على إضفاء هالة من القدسية على التنظيم على اعتبار أنه مذهب من المذاهب يجري الرجوع والاستناد إليه، وهو ما ظهر في ربطها بين بطرس الرسول وبطاركة الإخوان، في عرضها لما رأته في الاحتفالات والاحتفاءات التي يجري زرع اسم الإمام حسن البنا فيها، حيث أكدت على اهتمام التابعين لبطرس برسائله وكتاباته إلى الحد الذي جعل منها أصل العقائد المسيحية، وهو ما عمل الإخوان على اتباعه بعد وفاة الإمام من خلال إرجاع كل شيء إلى «قال البنا ولم يقل»، فهي ترى أنهم يريدون صياغة المجتمع وفقا لرسائل البنا وكتبه. وتقول الكاتبة إنه كان للإخوان منهج تربوي دعوي هدفوا من خلاله للوصول إلى مجتمع راق ومتحضر، وأنه لم تكن السياسة والحكم من المراحل التي بدأت بها جماعة الإخوان ولا الدعوة المحمدية الإسلامية نفسها. وعلى العكس من ذلك فهي ترى أنهم الآن منشغلون عن احتياجات الفرد بالتعاطي مع السياسة في أشكالها المختلفة في غير وقتها.
وفي النهاية، حددت الكاتبة رؤيتها لمستقبل الإخوان في ضرورة العودة إلى الأساس الذي قامت من أجله وعليه الدعوة، وهو الانشغال بتربية الفرد وتلبية متطلبات المجتمع من مربين وموجهين يدفعون به إلى الأمام.
_______
*مجلة المجلة

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *