موسى حوامدة*
اشتهر أو عرف عدد من الكتاب والشعراء والنقاد والفنانين التشكيليين، والروائيين وغيرهم ممن “يمارسون” الكتابة أو الرسم وحتى الموسيقى، رغم أنهم غير موهوبين على الإطلاق، ولكن دأبهم وإصرارهم على تقليد غيرهم من الموهوبين، جعلهم يعمدون إلى أسلوب التقليد الحرفي، ولكن المبهم، والغامض، في كل ما يفعلون، فهم يلجأون إلى التغطية والتورية، لكي يخفوا النص الأصلي الذي بنوا عليه نتاجهم الجديد، معتمدين على عدم قدرة القارئ على معرفة المصدر الأصلي الذي نقلوا عنه، أو قلَّدوه، وقد لا يكون التقليد وفق معايير فنية معينة، بل مجرد تبديل للكلمات، ومن السهل أن يخرج (شعرٌ) أي شعر وفق هذه الكلمات المرصوصة بصور لم تكن تخطر على بال الناقل، وقد يفاجأ هو بتركيب لم يكن يسعى إليه أو يدركه من قبل، وربما يبدل كلمة كلمة حتى يصل الى شكل مقبول.
عديمو الموهبة هؤلاء ينقسمون إلى نوعين؛ نوع ذكي مطلع وقارئ، لديه مخزون معرفي كبير، يستطيع من خلاله أن يموه على تقليده، وصنعته، وإذا دققت النظر في نصوصه أو نتاجه الإبداعي، فستحس أنك تقرأ لآخرين وليس له، رغم جمالية ديباجاته، لكنك تشعر أن هناك أصواتا كثيرة داخل نصوصه، لكنه احترف هذا الأسلوب اللا أخلاقي ولكن “الخلاق”، حتى بات انتقاده أو الحديث السلبي عن نتاجه، يعتبر جريمة، بل إن التعبير عن عدم الإعجاب بتجربته يعتبر صادما للرأي العام، قليل من هؤلاء من فرض نفسه، واستطاع أن يصنع اسما، وأهم ما يميز نصوص مثل هذه النوعية، أنك لن تجد فيها موقفا مفاجئا، أو مبتكراً، أو فكرة طازجة، أو معارضة لقيمة ما، أو نقضا لأسطورة معروفة، فهم يكرسون المُكرس، ويعيدون إنتاج المُنتَج، لأن تركيزهم يكون على التمويه، ولا يعنيهم الأدب والنزاهة أو الإيمان بأن الموهبة الحقيقية، تدفع النص للتحليق من تلقاء ناره، والاصطلاء بلهب أتونه الداخلي، لأن جلَّ ما يعني هؤلاء المزيفين، الذين طردهم أفلاطون من مدينته، أن يراكموا انجازاً، يؤكد قدرتهم على الكتابة، كي يقولوا للناس إننا أصيلون، ولسنا مزيفين، رغم أنهم لا يدركون ماهية الكتابة، التي تنطلق من الثقة بالنفس وتحاول تغيير العالم القائم أو إعادة كتابته.
أما النوع الثاني فهم قليلو المعرفة، عديمو الموهبة، وناقصو الثقافة، وهؤلاء من السهل كشفهم لمن أراد، وما عليك سوى أن تطلب من الشاعر أو الروائي أو القاص صاحب المجموعات الكثيرة، أن يكتب خبرا أو تقريرا صحفيا، او قطعة نثرية فلا يعرف، بل تمتلئ كتابته بالأخطاء والركاكة، فكيف استطاع ان يكتب نصا إبداعيا بلا أخطاء نحوية أو إملائية بينما يتهجَّى اسمه لو أراد أن يكتب سطرا عن حياته.
في الرسم والفن التشكيلي، ترى لوحة فنية جميلة ومدهشة، ولكنك تحس أن الريشة التي رسمتها ليست للفنان الذي تراه أمامك وتعرفه، فهو لا يعرف الدادائية من التكعيبية، ولكن سبحان الله كيف أتقن مزج الألوان ورسم اللوحات، حتى قدم هذا العمل، من أي لوحة نقل الألوان ومن أي فنان موهوب سرق التقنية والطريقة، وكيف استطاع ان يخفي صنعته، فراجت أعماله وجلس يتصرف كفنان كبير بينما لا يعرف من الفن وعنه إلا بعض الأسماء التي سمعها من هنا وهناك.
وعلى صعيد النقد، يكدس أحدهم عشرات الكتب النقدية، وحين تمسك بالكتاب لتقرأه، لا تجد شيئا جديدا، كل ما هو موجود عبارة عن نقل وتراكيب واقتباسات وتمويهات، وفي كل كتاب يقدمه لا تجد منهجاً نقدياً يشمل عمله، بل تراكم وثرثرة وتكراراً ليس إلا، بينما الناقد الحقيقي لا يترك سوى آثار قليلة، ولكنها مؤثرة، والشواهد والأسماء كثيرة، فكيف قيض لهذا (الناقد)، أن ينجز كل هذه الكتب ومتى قرأ حتى أنجزها، إن كتابة مؤلف نقدي واحد تحتاج إلى سنوات طوال، ولو قسمنا إصدارات بعض النقاد على أعمارهم لوجدنا أن عدد كتبهم فاق سنوات حياتهم.
ما قلناه سابقا ينطبق على الموسيقى والفنون، والرواية والقصة القصيرة والمسرح والسينما والمقالة والكتابة بشكل عام، ومن النادر أن ينتبه حتى القارئ الحصيف، إلى مثل هذه الطرق في السطو، ولكن لا تنطلي هذه الألاعيب للأبد، وما علينا سوى ان نخضع النتاج المراد التحقق منه للكشف والسبر والمقارنة، فكل عمل تكثر فيه النقولات والتقليد باطل، وكل عمل يذكر بآخرين مشكوك فيه، وكل كتابة تم ترتيبها دون رابط، أو ثيمة معينة ليس لصاحبه، وكل نص لا يمثل روح صاحبه ليس من صنع يديه. وهنا علينا أن نأخذ شكوكنا بجدية تجاه العمل الفني، والنصوص التي نقرأ وألا نضع الشك جانباً إطلاقاً.
وكل كاتب لا تتشابه طريقة كتابته من العمل الإبداعي إلى الحوار، إلى كتابة رقم هاتفه مع بعضها البعض فهو زائف.
لننظر حولنا ونكتشف كم بيننا من عديمي الموهبة، والذين أوهمونا بجدارة تجاربهم، وساعدهم بعض النقاد غير الموهوبين والذين لا يملكون حرفة نقدية ولا قيمة معرفية فامتدحوهم. وما أسهل التواطؤ بين عديمي الموهبة، بل هناك من يعمل على ترويج غير الحقيقي، والكتابة عنه، وتقديمه، لأنه ينطلق من نفس العقلية، عقلية الكذب والغش والتزوير.
بيننا كثيرون لا يملكون موهبة، وما أسهل كشفهم!
( الدستور )
* شاعر من الضفتين ومدير تحرير الدستور الثقافي