*علا الشيخ
من الصعب وصف الحالة الثقافية السينمائية في دولة مثل المغرب، الرائدة في استقطاب أشهر المخرجين العالميين لتصوير أفلامهم في مناطق مخصصة لهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى طبيعة الأفلام السينمائية المصنوعة في ذلك البلد؛ سواء قصيرة أو طويلة، وثائقية أو درامية، فعادة ما تفوز بجوائز عالمية، إضافة إلى احتفاء القنوات المغربية بشكل عام بالسينما، ليس من خلال تغطية المهرجانات العديدة التي تحتفي بـ«الفن السابع» فحسب، بل بتخصيص وقت لعرض أفلام تعرض عادة في المهرجانات الدولية وتنقلها إلى الشاشة الصغيرة لشعب يحب السينما، وهذا ليس مبالغاً فيه، والدليل أنك عندما تذهب إلى منطقة «تيسة» التي تبعد عن مدينة فاس 40 دقيقة تقريباً، وتعد من المناطق البسيطة في خدماتها، تجدها هي الأخرى تحتفي بالسينما من خلال مهرجان سنوي للأفلام القصيرة، والاحتفاء هنا ليس في التنظيم الذي من الممكن الاتفاق معه أو الاختلاف، بل بعدد الأشخاص الذين يأتون من هذه المنطقة لمشاهدة أفلام مغربية وآسيوية.
وفي الدورة السابعة لمهرجان تيسة للأفلام القصيرة، التي اختتمت أخيراً، وفاز فيها الفيلم الفلسطيني «مبنى الأمة» بالجائزة الأولى، والفيلم الإيراني «المدينة التي رقدت» بالجائزة الثانية، وقدمت إدارة المهرجان شهادة تقدير للفيلم الفلسطيني «كوندمليد»، يعيش المرء أجواء سينمائية، على الرغم من بساطة طرق العرض، التي اعتمدت على «بروجكترات» لعرض الأفلام في الهواء الطلق. وشاركت أفلام عدة في المهرجان الذي احتفى بالطفولة أيضاً، وقدم أعمالاً موجهة للصغار.
لجنة تحكيم وجوائز
وفق لجنة تحكيم مهرجان تيسة التي شاركت فيها الناقدة السينمائية المصرية ماجدة موريس، والمخرج والمنتج الفلسطيني المقيم في الإمارات عوني اللبابيدي، والمخرج المصري ياسين جبريل، والمخرجة التونسية منى سلطاني، والإعلامية أسماء فرادي، والناقد السينمائي المغربي عزالدين الوافي، نال الفيلم الفلسطيني «مبنى الأمة» للمخرجة الفلسطينية – الدنماركية، لاريسا صنصور، أعلى الأصوات، وحصد الجائزة الأولى.
ويتحدث الفيلم الفائز عن حلم العودة الذي اختصر في رموز مثل «الحطة» الفلسطينية، وشجرة الزيتون، والمفتاح، لكن المخرجة أرادت تصوير هذا الشكل من خلال محطة سفر، وبأدوات فنتازية، كما يحضر الصوت الذي ينادي على الرحلات، فيسمع المشاهد نداء «رام الله في الطابق الثالث، القدس الطابق الرابع، بيت لحم في الطابق الخامس». يرتدي المسافرون الرداء نفسه، الوجوه متجهمة، وكل الحكاية تؤديها فتاة، جامدة الملامح، باستثناء بعض نظرات تختصر الحكاية، تصل الفتاة إلى المحطة، وتمشي ببطء مع حقيبتها لتقف أمام المصعد، تدخل وتجد أشخاصاً يرتدون رداءها نفسه، يسلمون على بعضهم بصمت، المصعد لا توجد فيه أرقام، بل أسماء المدن الفلسطينية التاريخية، كل راكب يختار المدينة التي يريدها، ليكتشف المشاهد، أن الطوابق عبارة عن مبنى ضخم أشبه بناطحة سحاب، تؤوي الشعب الفلسطيني كله، وما عليه إلا أن ينظر من النافذة ليشاهد وطنه. المبنى سجن كبير في وسط الوطن الحلم، والتمسك بالثقافة الفلسطينية حاضر ولو من خلال طبق «ملوخية»، وحياة الفلسطيني اللاجئ التي تختصر بالرموز، موجودة في علب بالمطبخ، حسب رؤية المخرجة صنصور التي صنعت فيلمها بتقنية عالية، وبفكرة جديدة تدخل إلى شكل صناعة السينما الفلسطينية.
إسقاط سياسي
الجائزة الثانية في مهرجان تيسة كانت من نصيب الإيراني «المدينة التي رقدت» للمخرج باباك غايم الذي أراد في فيلمه، ومدته 14 دقيقة، أن يوصل مشاعر الشخص إذا قررت الدولة أو النظام وضعه في مصاف المعارضين ربما. الفيلم لم يكن مباشراً، اختزل القصة في زوجين عادا من سهرة في بيت صديق، يصلان إلى منزلهما ليفاجآ بعدم قدرتهما على فتح الباب، يحاول الزوج أن يخلعه فيفاجأ بوجود امرأة تطل عليهما من النافذة، تسألهما عن سبب محاولتهما دخول المنزل، يشعر الزوجان بالصدمة، يحاولان إقناعها أن هذا المنزل لهما دون فائدة، فيقررا استدعاء الشرطة، التي تختار بشكل عشوائي أحد الجيران، وتسأله عن صاحب المنزل، فيؤكد الجار أن المنزل للسيدة التي تجلس فيه، وينكر معرفته بالزوجين، يصاب الزوجان بهستيريا، خصوصاً بعد أن قررت الشرطة سحبهما إلى السجن. يطلب الزوج من الشرطي أن يسمح له بإيصال ابنته النائمة في السيارة إلى المنزل الذي كانا يسهران فيه، فيوافق على طلبه، وبهذا يكون قد خالف رغبة مديره في الأمن، ويتحمل المسؤولية في آخر الفيلم.
يصل الزوجان إلى بيت صديقهما الذي ينكرهما هو الآخر، يتضح سبب النكران من كل شخص يعرفهما، تفاصيل صغيرة في الفيلم تؤكد أن أصعب شيء قد يعانيه الشخص هو الإهمال، ومحاولة الجميع إيقاف خطواته نحو ما يريد، ففي ليلة واحدة فقط أصبح الزوجان مغضوباً عليهما، وكل من يقترب منهما سيوضع في دائرتهما، حتى الشرطي الذي وافق على اصطحابهما إلى منزل صديقهما اصبح مغضوباً عليه هو الآخر، إذ انتهى الفيلم معه وهو يحاول أن يتصل بالقسم الذي يعمل فيه، وكان الجواب «ليس لدينا هذا الاسم، ولا نعرف من أنت».
شهادة تقدير
أما بالنسبة للفيلم الفلسطيني «كوندمليد» الذي حصل على شهادة التقدير ضمن جوائز المهرجان، فعنوانه مثير، وفي الآن ذاته قد يكون مرفوضاً اجتماعياً، لكن الحكاية تتحدى كل الأعراف والتقاليد، إذا ما كانت حول حرب 22 يوماً في الاجتياح «الإسرائيلي» الأخير على مدينة غزة، فقد اختصر الفيلم ببساطة واقع غزة من خلال قصة زوجين، كل ما يريدانه هو إتمام علاقة الحب بينهما، الفيلم صامت باستثناء صوت بكاء طفلهما مع طلقات النار والصواريخ وصوت سيارات الإسعاف.
يبدأ الفيلم مع طفل يحبو بين عدد كبير من البالونات، وكان حفل عيد ميلاده قد تم في هذا المنزل، لينتقل المشهد إلى رجل يقف أمام مرآة، وملامح القهر بادية عليه، وامرأة تخطو بخطى ثقيلة على الرغم من رشاقتها، لا تبدي سوى حزن هي الأخرى، تحاول تغطيته من خلال حمل طفلها وهزّه لينام.
تتكرر المشاهد في محاولات يائسة بين الزوجين في أن يقتربا أكثر، وبعد كل فشل يرى المشاهد بالوناً زاد في غرفة المعيشة، أو فوق سرير الطفل عندما يبكي خوفاً من صوت الطائرات المحلقة فوق سماء بيته، في إسقاط على أبسط الحقوق التي يحاول المكان سلبها من شعب مازال يعيش الحصار. بعد مضي 22 يوماً، وعقب انتهاء الاجتياح، يخرج الزوج إلى الشرفة وقد خلت المدينة من أي صوت لموت جديد، يرفع نظره إلى السماء ليراها مغطاة بكمية كبيرة من البالونات، وينتهي الفيلم.
طريقة تناول موضوع الحرب بالنسبة للأخوين عرب وطرزان كانت غريبة ومفاجئة، إذ اختارا أن يتناولا المعاناة من خلال أبسط الرغبات في ظل حياة مليئة بالمغريات يعيشها كل من هو خارج غزة، فاجآ الجميع وأعجب بهما معظم النقاد، ليعترفا بأن الصورة التي يجب أن تصل إلى العالم يجب أن تحكي قصصاً لم تتناولها نشرات الأخبار، لذلك كان الفيلم قائماً على الإسقاط على وضع عام ومعاناة يومية من خلال قصة تحدث في كل منزل بشكل طبيعي إلا في منازل غزة. التمثيل كان معبراً صامتاً، يكتفي بحركة العيون التي لا تتلاقى، وطفل أضاف صخباً على حالة المنزل الساكنة، وبكاء مع كل قذيفة. باختصار يعتبر هذا الفيلم القصير ومدته 14 دقيقة نقلة في طريقة تناول القضية الفلسطينية، تتلاءم مع مجتمع غربي أكثر من عربي ليحاول الفهم ولو لمرة واحدة.
______
*الإمارات اليوم