فساد الملح


*خليل قنديل

قبل أعوام بسيطة وحينما توفي أحد الشعراء الأردنيين فاحت رائحة السرقات الأدبية التي تعرض لها هذا الشاعر، والغريب أن الأمر برمته نسب إلى موافقة الشاعر ذاته الذي كان ينعم بموهبة شعرية دسمة لم تكُ تتناسب مع حالة الفقر المدقع الذي عاشه هذا الشاعر، ما جعله في النهاية أن يكمم روحه وهو يعلن عن رغبته في بيع نتاجاته الشعرية وبأسعار زهيدة، والمشكلة أن المشترين كان معظمهم من علية القوم عربياً، ومن ناحية أخرى كانوا قد قطعوا شوطاً في مكانتهم الإبداعية القائمة على السرقة وشراء المواهب، بحيث لا يمكن الطعن بنتاجاتهم الأدبية!

ولأننا نعيش في عصر السرعة، كما يروجون، فقد نام الموضوع تحت سماكة الغمز واللمز، وسجلت جرائم هؤلاء اللصوص ضد مجهول!
لكن ما كشفت عنه بعض مواقع الإنترنت أخيراً يكشف فداحة أن يخرج مثل هذا الموضوع إلى العلنيَة الموجعة عن طريق بعض الإعلانات التي تسوّق لها بعض المواقع في خدمة اللصوص في ترويج النصوص عن طريق البيع والشراء، وإعلان الأسعار الاحتكارية لأي نوع من الشعر أو المواهب!
وفي تفاصيل بعض الإعلانات نقرأ ما يلي: كتابة جميع القصائد بقلم شاعر واحد وأسلوب واحد ومسار واحد أو شاعرين حسب الرغبة، وكتابة القصائد على قوافي سلسة ورائعة ونادرة أحياناً. والتنويع في عدد أبيات القصائد، حيث تراوح بين خمسة أبيات و30 بيتاً، وحسب الرغبة، التنويع في أغراض القصائد مثلاً!
إن الذهاب العميق في تفاصيل مثل هذا الإعلان يقوم على تزوير المواهب بامتياز، فهناك في التفاصيل المذهب الاحتكاري، والتوقيع على التنازل عن الحقوق لدى الدوائر القانونية الرسمية، بحيث يتحول الموضوع برمته في النهاية إلى ما يشبه التنازل عن عقار!
وكما يُلزم العقد البائع فإنه يُلزم المشتري أيضاً في مراعاة السرية والتكتم، وإلا فإن الخسائر كبيرة وعديدة على المستويين الشخصي والاعتباري.
إن مراجعة تاريخية بسيطة لهذا المسلك عربياً تقودنا إلى القصيدة «اليتيمة» التي ظلت بلا مرجع، لأن صاحبها كتبها وغاب في الموت، وظلت تلك القصيدة تحمل اسم القصيدة اليتيمة إلى أيامنا هذه، لكن أن تصل «الحرفنة» في السرقة والسطو على المواهب الأدبية إلى مثل هذا الدرك فإن هذا يشير إلى أن الفساد «الجيفي» قد بدأ يتغلغل في المعقم الأساسي لحياتنا وهو «الملح» كي يُفسده!
والحقيقة أننا بتنا بحاجة إلى مجهرية خاصة للكشف عن هؤلاء اللصوص الذين احتكروا بعض المواهب بنقودهم وبتواقيع لا تخلو من نزيف الدم الإبداعي الذي لابد أن يعود إلى المؤلف الأساس صاحب النص ومولده، الذي لا يمكن التستر على قواه الإبداعية بحجة التناص أو التلاص إن شئتم!
_____
*الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *