*رشا الأمير
ليس من قبيل الصدفة أن الاسم الرسمي للجائزة، «الجائزة العالمية للرواية العربية»، أقلُّ حظًّا في التداول بين الناس من اسم التحبّب الذي تعرف به في أوساط جمهورها العربي: «جائزة البوكر»، نسبة إلى الشريك البريطاني «مؤسسة جائزة بوكر»، وليس من قبيل الصدفة أيضا أن اليد المبسوطة البيضاء لأبوظبي من خلال «هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة في الإمارات العربية المتحدة» أشهر بكثير من «معهد الحوار الاستراتيجي» البريطاني الذي ينسب لنفسه، في أدبيّاته، الفضل في هندسة هذه الجائزة.
وإذا كانت الجائزة تنتهي يوم المهرجان بإكليل غار على رأس روائي وبوسام على صدر رواية فلا شك أن الجائزة قد أعادت شيئًا من الاعتبار إلى مهنة النشر، سواء تحت عنوان البحث عن نصوصٍ أهلٍ للمشاركة في السباق – إن لم يكن طمعًا بالجائزة الكبرى فطمعًا بالحلول في مرتبة من مراتب التصفيات المتتالية – أو تحت عنوان، من الصعوبة بمكان تطبيقه، ألا وهو الدفاع عن الملكية الفكرية من شر قرصان هنا أو قرصان ناشر هناك، أو تحت عنوان الدفع بالعلاقة التعاقدية بين الناشر والمؤلف والدور الغربيّة إلى مرتبة أعلى من النضوج ومن الشفافيّة تحسّبا لفوز يرتّب مبيعات ويفتح آفاق ترجمات وهكذا.
على نهاية عامها السابع يمكن القول، بلا تردد، إن رهان المراهنين على إنشاء جائزة للرواية العربية، يحظى بشيء من الإعجاب والغيرة وبكثيرٍ من الصخب، قد نجح – أقلَّه بين أصحاب حرفة الأدب من كتّاب – بدّلوا ألقابهم فانتقلوا بيسر من الشعر إلى النثر – وناشرين – أفردوا مساحة لهذا النوع – وقراء – خُطفوا إلى عالم لم يكن ببالهم أن يحضر في يوميّاتهم القرائيّة الضئيلة أصلا بهذه الكثافة بعد أن نجحت صنّاجات الدعاية وأبواقها في الترويج لما يختاره على نيّتهم حكّام الجائزة – وهم جدد عامًا تلو العام ولا يلتزمون دومًا بمعاهدة التحفّظ، فيسردون بعد حين، لمن قد يهمّه الأمر ما دار في الكواليس.
ولكن، على نهاية السبع السمان هذه، لا مهرب من السؤال عن السبع المقبلات: هل يأكلن ما تحقّق خلال السبع السمان فتنتهي قصة الجائزة المثيرة نهاية «عربية» حزينة، أم تمضي الجائزة قدمًا في إرساء بيئة ثقافية حاضنة لها، وذات تأثير لا يقف عند عتبات النادي شبه المقفل لأصحاب حرفة الأدب؟
واقع الحال أن شرعية السؤال لا تتأتّى من التشكيك بحسن نوايا القائمين على إدارة الجائزة والقائمات وهم حاليًا في لحظة سؤال مصيري لم يظهر إلى العلن بعد – بصرف النظر عمّا قد يكون لدى البعض من ملاحظات على هذه النوايا – وإنما تتأتّى، في عداد أمور أخرى، من مدى اقتناع مَنْ بيدِهِم الأمرُ من خارج دائرة حرفة الأدب بأن هذه الجائزة أسست لعدد من السابقات في مجال الممارسة الأدبية في العالم العربي – كتابة، نشرًا، منافسة، قراءة – تستأهل ألا يُفَرّط بها، ولو أن ما كلّلته بغارها من أدب، على امتداد السنوات الماضية، لم يستحقَّ دومًا ما أسيل على جنباته من دمع وحبر ولعابٍ، وما وتّره من أعصابٍ، وما استدعاه في أنصاف الليالي من مكالمات هاتفية عابرة للقارات.
ولعل أولى «أمراض العروبة» التي يخشى أن تأكل «البوكر العربية» ما يلوح في الأفق من مبارزة بين دول تملك أن ترعى مبادرات ثقافيّة- أدبيّة من هذا القبيل، ومن هذا العيار.
بطبيعة الحال، لا ما يقال، في المبدأ العام، بأن تتناسل الجوائز، وبأن يتحول الغار إلى النبات العطري المفضل لدى أصحاب حرفة الأدب في العالم العربي، غير أنّ اتخاذ «الأدب»، بالمعنى العام للكلمة، ملعبًا للمبارزة السياسية، ومزادًا لأفاعل التفضيل، لن يؤدّيَ، على الأرجح، إلى مزيد من ازدهار الثقافة والحريات في العالم العربي بل إلى مزيد من الفساد ومن الزبائنيّة.
«البوكر العربية»، على تواضعها المالي قياسًا بما تستعد لمواجهته من تحديات على هيئة جوائز مضادة في الطليعة منها كتارا القطرية، لها فضل السبق والريادة في إرساء نموذج «الجائزة» غير أن هذا الفضل لا يضمن لها إلا الذكر الحسن. أما البقاء في سدة «النموذج» فيحتاج إلى ما يتجاوز توزيع الغار والدريهمات على المستحقّين أحيانًا وعلى غير المستحقّين أحيانًا أخرى.. فَحَي على الخيال!
* هنا بعض الاقتراحات:
* تأسيس هيئة أخلاقيّة واستشاريّة عليا من الروائيين والروائيات المكرّسين ممن بُجّلوا ونالوا ما يستحقّونه من غار يجري سؤالهم عند الحاجة وتكريمهم ودعمهم ماديًّا ومعنويًّا فهم صورتنا ومفخرتنا أمام العالم القارئ ومن غير المستحب أن تخوض كتبهم في سباقات مضنية إلا إذا شاءوا ذلك. كتب هذه الفئة تحضر السباق «من خارج المسابقة» وبدعمين صريحين وكريمين: إعلامي ومادي (فمن المعيب استبعاد من لا يحتاجون إلى شهادات، علمًا أن ما كلّ ما يكتبه المعملقون جدير بالقراءة).
* تأسيس نادٍ خاصٍّ يضمّ قدامى الجائزة ؛ كلّ من نالها أو اختير على قائمتها القصيرة. لا مانع من أن تتعاون الهيئة الأخلاقيّة مع هيئة قدامى الجائزة.
* تسليط الضوء على نجوميّة المحرّر. فكثيرة هي الكتب التي وصلت إلى التصفيات ولم تستوف أدنى شروط التحرير. فهل دعمت لجان الحكم المتتالية الإنتاج الركيك بهدف التمثيل بجثّة اللغة العربيّة ؟ (اقرأوا ما كتبه إمام من أئمّة العربيّة أحمد بيضون على صفحته الفيسبوكيّة يوم أعلن رئيس لجنة الحكم عن اسم فائز العام).
* طرحت الجائزة نفسها جسرًا بين الشرق والغرب وروّجت ما استطاعت للأدب العربي في الأسواق الغربيّة – بريطانيا وفرنسا تحديدًا – هل من سبيل كي يجتهد المجتهدون ويرمّم – أدبًا على الأقل ما تشلّع بين العواصم والدساكر العربيّة؟
* موقع جائزة الرواية العربيّة الإلكتروني يحتاج إلى مدقّقين ومحرّرين ومروّجين؛ لم لا يصار إلى تدريب حفنة من الشباب كي يصبح الموقع نشرة مهمّة يرجع إليها المهتمّون والمهتمّات بالأدب العربي؟
* اختارت جائزة الرواية العربيّة الرواية نوعًا أدبيًّا. لماذا لا تسارع جوائز الشعر – وبعضها ثري ومتمكّن – وتتعاون معها مستفيدة من حنكتها ودربتها في شؤون الدعاية والترويج؟
* أخيرًا: المزايدة بأفاعل التفضيل – أغنى جائزة وأكثرها ارتباطًا بالدعاية وبالغرب – سيحيلنا إلى شطر لم يخرج من رواية بل من ديوانٍ نقّحه صاحبه أحمد المتنبّي وعثمان ابن جنّي اللغوي الماهر جواره، ويقول: «يا أمّة ضحكت من إلخ إلخ».
* روائيّة لبنانية، وصاحبة دار النشر «الجديد»./ الشرق الأوسط