*سعيدة تاقي
( ثقافات )
أنصنَع التمثُّـلات أم تصنعنا؟
هل نرى ذواتِنا عبر أعيُـنِـنا العاقِلة، أم عبر التمثُّلات التي شكَّـلناها أو شكَّـلَتْنا؟
قد تحتاج الأسئلة إلى وقفة تأمل قبل الاسترسال.
الذات و الآخر و القيم و الحياة و الوجود و المجتمع و الدين و السياسة و الكون… كل تلك المَفْهومات نصوغ فهمها أو مَفهَماتها لكي نحيا، لكننا لا ندرك في العمق، كيف يتمّ ذلك البناء. هل نبنيه بحرية أم ننتج مَفهماتنا حولها بتأثير تمثُّلات نحمِلُها دون أن نعيها، لكنها تصوغ في الظل علاقاتنا بذواتنا الفــردية و المتعـــدِّدة و الجـماعية و الجمـعية و الوطنــية و الكونية، و من ثمَّ تصوغ هي بسبق فاعلية و وجود التصورَ الذي ندَّعيه، و نؤمن بامتلاكه حول كل تلك المفهومات.
لنسترسل في فعل التأمل قليلا الآن، فنقول: من نحن؟
سؤال آخر لا يترفّق بالحيرة التي التبستْ ببداية التأمّل، بل يراكِـب من جديد الانزعاجَ ذاته، و التعقيدَ نفسه.
قد لا يكون مجدياً التمييز بين كل تلك الذوات، التي احتضَـنها ضمير المتكلم الجمع، في هذا المَقام، و الحديثُ يعقد أوصالَ مقاربةٍ تخوض في علاقة التمثُّلات ببناء التصور حول الذات، أو علاقة التصور حول الذات ببناء التمثُّلات. لكن في نبش التفكير حول تلك “الذات/ النَّحْـن” حاجاتٍ، نقضيها بتركها جانباً تستفزُّ التأمل و تستدعي جُماع التبصُّر.
هي التمثُّلات التي صنعَـتْنا أو مازالت تصنَعنا، أو التي نصنَعها في ظل التزامنا السابق بما كنّا عليه في الثقافة المحلية و الوطنية المنغلقة على ذاتها الموسومة بانتماء مشروط نحو هوية مخصوصة، لم يعد قائماً بالفعل على نقاء يشدُّنا بالفعل إلى التقاليد المتوارثة و الثقافة السائدة و الأعراف المحلية أو الوطنية. ففي ظل الألفية الثالثة و ما سبقها من رياح القرية الكونية الصغيرة، في عرف العالم الإلكتروني الرقمي المفتوح و الأسواق الاستهلاكية الغازية على صعيد كل القيم، وفي ظل الثقافة الافتراضية التي بشّرت منذ سنوات بموت الواقع الحقيقي، لم تعد تلك “النحن” المتواطَأ على تجاوزُ تحديدها بكثير من الحذر، تُحيل على ذاتِ الحدودِ المعروفة أو المعهودة، بل غـدَتْ بدورها تصوراً يقْـبَل تمثُّـلات عديدة، ليست بالضرورة متصالحة مع الأصل الثابت و ليست متوائمة بالضرورة كذلك مع الأفرع التي امتدتْ لها مع أجيال جديدة نشأت و تنشأ في رَحِم هذا العالَم، الذي ينزعُ إلى إعادة تقييمِ واقِعه و افتراضه و مستقبله بمنطق البورصة الاستخباراتية.
نحن نتغيَّر. و هذا أمرٌ طبيعي، تقتضيه سُنَن الحياة و الوجود. لكن أن تتغيَّر “النحن” داخل بورصة القيم الاستخباراتية، التي تمدُّ شبكاتها العنكبوتية لتمتلك كل الأرصدة داخل أبناكها الخاصة لحسابات خاصة، فلا تُـدرك تلك “النحن” من يتحكّم في تسييرها أو إدارة رأسمالها الرمزي، فذلك أمر مصطنَع تفـوَّقتِ “القرية الصغيرة” في تزيين حدائقه بكل الورود المسمومة.. و تظل التمثُّـلات حول الذات في عُـرْف قِـيَـم البورصة الاستخباراتية، أسهماً لا تدرك الذاتُ نفسَها، قيمتها الحقيقية أو رصيدها الافتراضي.
أنصنَع التمثُّـلات أم تصنَـعُـنا؟
لندَعِ “النَّحنُ” تفكِّـر، قبل أن تُصادِر البورصة الاستخباراتية حقَّ الاختلاف، من عُمق موت الواقع على حواشي العالَم الافتراضي.
______
*شاعرة وكاتبة من المغرب