غرّيد الشيخ تقتحم ساحة اللغة وتصدر «المعجم» بـ 6 أجزاء


حاورها : خليل برهومي *

قاموس عربي – عربي شامل يضم المصطلحات العلمية وقواعد الصرف والنحو


عمل ثقافي وفكري رائد قامت به الباحثة الأديبة غريد الشيخ محمد مع فريق عملها باصدار «المعجم» وهو قاموس عربي – عربي جامع يقع في ستة مجلدات، تقع في حوالى 4600 صفحة.
وهذا المعجم يتميز عن غيره من المعاجم والقواميس التي صدرت قبله بميزتين هامتين، الأولى هي تغطيته لأكبر عدد من المصطلحات العلمية والتي لم نكن نراها في القواميس والمعاجم والموسوعات السابقة، فقد وفرت الباحثة غريدالشيخ وهي المتخصصة في اللغة وتحقيق المخطوطات الكثير الكثير من العناء الذي كان يكابده الطلاب والباحثون على حد سواء في البحث عن معنى مصطلح أجنبي سواء كان مصطلحاً سياسياً أو اقتصادياً أو علمياً، أو أدبياً أو غير ذلك من المصطلحات الحديثة التي بتنا نتحدث بها ونتداولها بشكل يومي.
والميزة الثانية التي يتميز بها هذا المعجم الشامل الكامل هي احتواؤه على مادة نحوية وصرفية، إذ يستطيع الطالب أو الباحث أن يطلع على قواعد اللغة العربية وأحكام اعراب الحروف مع الأمثلة والشواهد.
ونظراً لأهمية هذا الحدث على الصعيد الثقافي والفكري والحضاري، فقدكان لـ «اللــــــواء الثقافي» هذا اللقاء مع صاحبة «المعجم»، رغم انشغالاتها الكثيرة، حيث دار على الشكل الآتي:

* هل لك في إعطائنا فكرة موجزة عن حياتك العلمية والعملية؟


– اختصاصي هو في اللغة العربية وآدابها، وقد كانت رسالة الماجستير في تحقيق المخطوطات، وكان لي الحظ أن حصلت على مخطوط (اعتلال القلوب للخرائطي توفي سنة327 هجرية)، وقد فتح لي هذا العمل الكثير من الآفاق فجعلني أتعلق بالتحقيق وكل ما يخصه من تعمّق في اللغة العربية وفنونها.

وأثناء عملي في كتاب (اعتلال القلوب) وجدت أن الأشعار الواردة في الكتب المُشابهة وهي كتب العشق مليئة بالأخطاء وغير محققة، فقمت بجمع الأشعار الواردة في أربعة عشر كتابًا وحققتها ونسبتها إلى قائليها حسب رواية الكتب، مع ذكر أسماء الكتب وأرقام الصفحات.
أما بالنسبة إلى العمل فإنني والحمد لله عملت في هذا المجال، أي مع الكتاب، طوال عمري، فأعتبر نفسي محظوظة أنني درست اللغة العربية وآدابها وعملت في المجال نفسه الذي لا أتقن العمل بغيره. 
  

* متى وكيف راودتك فكرة إعداد معجم لغوي يكمل ثغرات المعاجم السابقة، وما الصعوبات التي واجهتك؟


– أثناء عملي الطويل في التحقيق وجدت أن المعاجم العربية القديمة ما عادت تسدّ حاجة العصر الحديث، فهي صعبة الاستخدام بالنسبة إلى القارئ العادي، أما المعاجم الحديثة، فقد تخلَّت عن الكثير من الألفاظ العربية بحجة أنها بائدة أو أنها لا تُستخدم في أيامنا هذه، وكأن أصحابها تناسوا وجود آلاف المخطوطات العربية ودواوين الشعراء والنص القرآني المُنزل الذي يرغب قارئوه في فهمه… فأين يذهبون؟؟ لا بد لهم من الرجوع إلى المعاجم القديمة التي صار من الصعب اقتناؤها في البيوت.
من هنا تراءت لي فكرة العمل على معجم يحافظ على متن اللغة العربية كلّه، ويناسب العصر الحديث، ويُفطي ايضًا الألفاظ المستخدمة في أيامنا هذه.
* إعداد المعاجم فن صعب وصناعة معقدة تحتاج إلى تضافر الجهود، وربما تنوء عنها المجامع اللغوية. كيف استطعت وحدك القيام بهذه المهمة شبه المستحيلة؟
– في الحقيقة لم أكن وحدي، بل كان معي فريق عمل كبير آمن بهذه الفكرة وعمل على مدى عشر سنوات متواصلة، ولكن ككل عمل لا بدّ لكي ينجح ويبصر النور من قائد يسير بجدّ واجتهاد ويُشرف على تفاصيل هذا العمل مهما كانت صغيرة. وأنا سعيدة أنني استطعت تحمّل أعباء هذا العمل حتى ولد منذ عامين.

* ما المصادر والمراجع الأساسية التي استقيت منها في إعداد معجمك الضخم؟

– اعتمدنا في معجمنا هذا على لسان العرب وتاج العروس والقاموس المحيط لاستخراج متن اللغة العربية، واعتمدنا المعاجم الفلسفية والفقهية والقانونية، وكتب قواعد اللغة العربية. وكذلك استعنّا بفريق عمل للترجمة من اللغة الأجنبية لترجمة المصطلحات الحديثة.. أما بالنسبة للمعلومات العلمية فقد استعنا بالمختصين.
معجم املاء وإعراب

* ما الجديد الذي أضافه معجمك إلى اللغة العربية وإلى المعاجم اللغوية العربية التي سبقته؟

– الجديد الذي قدَّمه أنه حافظ على الكلمات الواردة في المعاجم الكبيرة التي ذكرتها، ورتبها بطريقة جديدة تناسب العصر، وحذف الاستطرادات التي كان المعجميون القدامى يقعون فيها، إذن قمنا بتهذيب المادة اللغوية وجعلها أكثر سلاسة وبساطة. وقد أضفنا إلى هذا المعجم معجم إعراب، فصار بإمكان الطالب أو المدرّس أن يرجع إلى المعجم ليعرب أية كلمة تصادفه، وكذلك أضفنا معلومات عن الإملاء العربي. 
المعجم والمصطلحات الحديثة 

* إلى أي مقدار يحتوي معجمك على مصطلحات علمية متفرقة تواكب تطور التكنولوجيا في شتى المجالات؟

– حاولنا أن نغطي الكثير من المصطلحات المستخدمة في يومنا هذا، كالتكنولوجيا والديمقراطية والديكتاتورية….. وغيرها. وقمنا بإضافة تعريفات علمية لظواهر حديثة أو قديمة، فعرفنا على سبيل المثال: الماء، الأوزون، الاحتباس الحراري……

* على أي ترتيب اعتمدت في تصنيف ألفاظ معجمك، الترتيب الصوتي الذي ابتكره الخليل في معجم العين، أم الترتيب الذي يعتمد على القافية كما في لسان العرب، أم الترتيب الألفبائي، أم إنّه ينبغي على الباحث في معجمك أن يعيد الكلمات الى جذرها، أم يبحث عنها كما هي؟

– اعتمدنا الترتيب حسب نطق الكلمة وإملائها، مع التجريد من أل التعريف، يكفي أن تعرف الحرف الأول ثم الثاني ثم الثالث… لتجدها بين شبيهاتها.

* تمتاز المعاجم القديمة بكثرة الأمثلة والشواهد اللغوية من القرآن الكريم والحديث النبوي وأبيات الشعر لكنها تفتقر إلى التنظيم والمنهج الثابت في عرض مشتقات الألفاظ، وتقديم المعاني اللغوية على المجازية والاصطلاحية في حين تتّصف المعاجم الحديثة بالاختصار والسهولة، فكيف استطاع معجمك الجمع بين الميزتين؟

– ما قمنا به هو ذكر جذر الكلمة، ثم معانيها المختلفة حسب السياق، ثم إذا كانت الكلمة فعلاً ثلاثيًّا ذكرنا مضارعه ومصدره، وإذا كانت اسمًا ذكرنا الجمع. هذا وقد استشهدنا بالشواهد القرآنية، وذكرنا الكثير من المجازات لأن العرب تميزوا باستخدام الكثير من الألفاظ مجازًا.

* يتّهم البعض لغتنا الجميلة بعجزها عن استيعاب مفردات الحضارة الحديثة في عصر التكنولوجيا وثورة المعلومات والاتصالات، فما ردّك على هذا الاتهام؟

– لغة كل شعب هي هويته، ومَن يتخلى عن لغته فهو يقبل بالتالي أن يتخلى عن كيانه ووجوده. اللغة العربية لغة جميلة وقد اتّسعت في يوم من الأيام للعلوم المختلفة- هذا يوم كانت دولة العرب قوية- ليس العيب في اللغة العربية إنما العيب والتقصير في أبنائها الذين يتمسحون بالغرب ولغته ويتناسون لغتهم الأم. اللغة العربية باقية ومحفوظة، المهم أن نؤمن بها ونستخدمها الاستخدام الصحيح ولا ندّعي أننا حريصون على التقدم والتحضر باستخدام بضعة ألفاظ أجنبية لا ولن تجعلنا أفضل أو أقوى. 

* كونك خبيرة في فن صناعة المعاجم، ومتعمقة في تصاريف العربية ومشتقاتها، ما هو المنهج الذي ينبغي اعتماده في تعريب الألفاظ الأعجمية، لمواكبة التطوّر، دون الخروج عن أسس العربية الصوتية والصرفية؟

– اللغات كلها وعلى مدى التاريخ أخذت من بعضها، ففي القرآن الكريم مئات من الألفاظ الفارسية وغيرها، وفيما بعد أخذ الغرب من اللغة العربية الكثير من الألفاظ ولا سيما العلمية منها. من هنا لا بدّ أن نقتنع أننا وفي عصر التكنولوجيا وعصر السرعة لا يمكننا أن نقف وننتظر مجامع اللغة العربية لتعرّب لنا عدداً من الألفاظ لن يستطيع أن يسابق الزمن فيُستخدّم. لماذا لا نأخذ المصطلحات ذات الأصل الأجنبي ونستخدمها كما هي!!! هل تنتظر أنت كإعلامي مجامع اللغة العربية لتعرّب لك كلمة الديمقراطية؟ وهل استخدمت يوماً كلمة (الشابكة) وهي الانترنت؟؟؟؟ 
* كيف تتوقعين مستقبل اللغة العربية في ظل التحديات التي تواجهها اليوم؟
– في الحقيقة، التحديات لا تواجه اللغة العربية إنما تواجه الإنسان العربيّ في هويّته ووجوده وكيانه.. وأنا أجزم أننا سنواجه كل التحديات لو عملنا على الحفاظ على لغتنا العربية التي تربط جميع أبنائها.

المعجم ورقي والكتروني 

* هل ثمّة مؤلفات جديدة أو مصنّفات لغوية تنوين إغناء مكتبتنا العربية بها؟

– في الحقيقة أننا قمنا بعمل كبير هو أننا حوّلنا هذا المعجم اللغوي غلى معجم الكتروني، فكان الأول، أي أول معجم الكتروني عربي على أجهزة ال ipad و iphone وقد أبصر النور منذ بضعة أيام، وهو يحتوي حوالي ثمانين ألف كلمة، وطبعاً هذا المشروع لا يتوقف هنا فنحن نعمل على إضافة آلاف الكلمات والمصطلحات إلى هذا المعجم كل ثلاثة أشهر، أي يستطيع من يحصل عليه أن يعمل له (تحديث) كل ثلاثة أشهر فتضاف كل الزيادات إلى معجمه. 
نحن نعمل ليل نهار كفريق عمل ليكون هذا المعجم موسوعة يستطيع كل عربي أن يستفيد بطريقة ما من المعلومات التي يحتاجها. ونأمل أن تبلغ عدد الكلمات حتى نهاية العام حوالي مائة ألف كلمة.

* اللواء

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *