ميسلون هادي:الكتابة عن المرأة أصعب من الكتابة عن الرجل


*حنان عقيل

ميسلون هادي أحد الأصوات الروائية العراقية المميزة، كتبت العديد من الأعمال الروائية والقصصية، فضلا عن كتابتها في مجال أدب الطفل والترجمة، وتُرجم عدد من قصصها إلى العديد من اللغات، ترشحت روايتها “شاي العروس” للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد عام 2011. “العرب” التقت بميسلون هادي لتتحدث إليها عن مسيرتها الإبداعية وعن المشهد الثقافي العراقي وعن فوز العراق بالبوكر. فكان الحوار التالي.

تتحدث ميسلون هادي عن أحدث تجاربها الروائية، فتقول: «رواية “أجمل حكاية في العالم”، تنتمي إلى الميتافكشن، بمعنى أنها رواية داخل رواية. والشخصية الرئيسية في الرواية تحمل اسما غريبا هو “دافع فكري”، ودافع فكري هو راوي الحكاية، الذي يلتقي في حافلة سياحية بمسافر آخر يجلس إلى جواره، ومن خلاله سيستمع إلى قصة ضياعه على الحدود العراقية بعد حرب الخليج الثانية، فتتحوّل الرحلة إلى ما يشبه ورشة كتابة متواصلة».
وتضيف هادي قولها: «كان الروائي “دافع فكري” قد شارك في هذه الرحلة من أجل الحصول على فترة راحة من الكتابة وأوجاعها. فإذا به يجد نفسه متورطا فيها رغما عنه، كما سيجد نفسه يكتب بطريقة تهكمية عن شخصيته داخل الرواية، وعن باقي شخصياتها الست، وهي فيصل الفيلسوف وياسين القجغجي وناصر المغني وفردريك المسيحي ومأمون الشاعر وحسن المؤدب، فيرسم لهذه الشخصيات مصائر ومسارات تبدو واقعية، ولكنها تجنح نحو نهايات افتراضية تسفه هذا الواقع المليء بالمرارة، فالرواية ساخرة في متابعتها لأحداث العراق الساخنة”.
نسبية الحقيقة
وعن سبب جنوحها إلى السخرية من الواقع السياسي في أعمالها خاصة في الآونة الأخيرة، تقول هادي: «لقد وجدت في هذا التهكم خروجا من مأزق غياب الحقيقة، أو نسبيتها، واختلافها من شخص لآخر. فكيف لي أن أقترب منها بجدية دون أن أن أتهكم عليها لكي لا أنحاز إلى فكرة قد تكون خاطئة.
فالمرأة المحجبة مثلا قد تنظر إليّ على أنني إنسانة مختلفة من عالم آخر. وأنا أيضا قد أنظر إلى امرأة ترتدي فستانا بدون أكمام على أنها امرأة مختلفة من عالم آخر، فهل من حق واحدة منا أن تحكم بالسوء على الأخرى؟، بالإضافة إلى ذلك فإن الخروج بنتيجة حاسمة حول هذا أو سواه ليس ممكنا أو عادلا، وهو متغيّر ومتحوّل باستمرار.
بمثل هذه الطريقة الجدلية قد يفكر الكاتب، ومن هذا الصراع ترتدي الكتابة ألف وجه ووجها، فلا تكون خادمة للأيديولوجيا ولن تكون، ومن هنا تأتي صعوبة أن يكون الكاتب منتميا لأيديولوجيا معينة، تجعله يدافع عن سياسات وأفكار معينة، فيفقد حياده وتجرّده، ويرتكب جناية بحق أهمّ قيمة من قيم الحياة والكتابة، ألا وهي التنزه عن الكراهية والتعصّب الأعمى».
عالمية الرواية
وعن رأيها في وصول عدد من الروايات العراقية إلى القائمة القصيرة للبوكر هذا العام، وفوز العراقي أحمد السعداوي بالجائزة عن روايته “فرانكشتاين في بغداد” تقول هادي: «هذا اعتراف وتقييم مهمّ للرواية العراقية التي شهدت ما يشبه الثورة في ما بعد عام 2003؛ فعدد الروايات الصادرة في العراق منذ العام 2003 وحتى الآن يقترب من أربعمئة رواية.
وقد يكون هذا الرقم مذهلا من حيث الكمّ، ولكني، كمتابعة، أعتبره جيدا كمّا ونوعا وحافلا بإنجازات كبيرة نالت تقييمات نقدية عدّة في السنوات العشر الأخيرة، أذكر منها على سبيل المثال أعمال عالية ممدوح وسنان أنطون وإنعام كجه جي وأحمد السعداوي وعلي بدر وعبد الخالق الركابي بالإضافة إلى الروايات التي فازت بتقييمات أخرى».
وتتابع هادي قولها: «يمكن القول إن الرواية في العراق استطاعت بهذا التراكم أن تجتاز حاجز المحلية، وأن تتدرّب على العالمية، وتقدّم تفاعلاتها مع الحدث العراقي بوجهات نظر مختلفة. وطبعا هذه التفاعلات لن تكون بعيدة عن ذبذبات المحيط المغناطيسي للكاتب، ولكنها أصبحت بعيدة كل البعد عن الأدلجة والانغلاق».
الكتابة عن المرأة
وتشير هادي إلى صعوبة الكتابة عن المرأة، فبالرغم من كونها امرأة إلا أنها تجد الكتابة عن المرأة أصعب من الكتابة عن الرجل، لأن المرأة لا تستطيع أن تعبّر عن أفكارها أو أفكار شخصياتها النسائية بحرية، فضلا عن كون المرأة عربية فهي صعوبة مضافة ومضاعفة، وقد يصعب الجمع بين الاثنين دون مناورات وتضحيات جمّة، من بينها أن تتواضع المرأة على حساب ذكائها وعقلها، وأن تقدّم قدراتها بطريقة ماكرة بحيث لا تستفز المجتمع ممثلا بالرجل، وذلك من أجل أن تفوز بهدفها الأسمى دون أن يعاديها أحد.
تقول: «لهذا كله فإني ككاتبة أجد نفسي معنية بهذه المرأة التي بخس المجتمع ذكاءها وحكمتها، فلم أكن أتصوّر من قبل أني سأركز على المرأة في كتاباتي، ولكني وجدتها تشغل مساحة كبيرة مع الأسف.. أقول “مع الأسف” لأني أجد نفسي ككاتبة معنية بكل شيء، من الطفل إلى الكهل ومن الشجرة والحجارة وحتى العنكبوت، ولكني امرأة في نهاية المطاف، وأنظر إلى العالم من خلال هويتي كامرأة، ولهذا وجدت نفسي أطرح همومها الجوهرية من خلال جدلها مع الواقع المضطرب، وليس من خلال مناجاتها لذاتها المنكسرة».
ثيمات محظورة
ترى ميسلون هادي أن هناك الكثير من التابوهات أو المحظورات التي تربينا عليها، والتي تجد الكاتبة صعوبة في الخوض فيها بطريقة صريحة، فتحاول الالتفاف عليها بطريقة ما، ثم تقديمها بشكل موارب. وفي كل الأحوال، وسواء بالنسبة إلى الكاتب أو الكاتبة، فإن تقديم مثل هذه الثيمات بشكل مباشر، أو تحت حزمة ضوء ساطع، قد يجعلها تقطع الخيط الرفيع بين الفن والفجاجة، فيكون من السهل وقوعها في فخ الجرأة الفجة المفتعلة المقصودة للإثارة أو للفت الانتباه أو المخالفة.
تقول ميسلون هادي: «عندما يوجد الموضوع الكبير ستكون أدواته أذكى من السقوط في هذا الفخ، فتبقى حدود جرأته داخل حدود الإطار الأخلاقي والموضوعي لمسار الشخصيات، بل داخل حدود الإطار الفني والجمالي للإبداع، وهذا النوع من الأعمال هو الذي يستحق أن يوصف بالجرأة».
الكتابة للطفل
وعن متطلبات الكتابة للطفل أوضحت هادي أنه من الصعوبة بمكان أن يسرد كاتب ما حكاية موجهة للأطفال، دون أن يتمتع هو نفسه بحسّ الطفولة وروحها البريئة أو المشاكسة على حدّ سواء، وأن تنطوي كتاباته على جاذبية الأفكار التي تتضمنها تلك الحكاية، وعلى عناصر الكتابة الناجحة للأطفال، وأهمّها استعداد الكاتب الفطري لمخاطبة أهواء الطفل واهتماماته، وابتكار عناصر تشويق وجذب أخرى، ليتمّ تسريب الرسائل الحيوية من خلالها، كتلقائية الفكرة وعفوية اللغة، والتشويق ضروريّ لشدّ الانتباه المشتت للطفل إليه؛ وكذلك اختيار الشخصيات الطريفة التي تتميّز بخفة ظلها وظل كل ما يتعلق بها من شكليات كالأسماء والأمكنة والمقتنيات.
______
*العرب

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *