الروائي الأردني زياد محافظة: الكتابة ليست أكثر من محاولة للتشبث بالحياة


حاورته : عزيزة علي

 قال الروائي الأردني زياد أحمد محافظة، إن “نزلاء العتمة”، هم كل من يعيقون تقدمنا ويسلبون إرادة الحياة من داخلنا، وهم ناشرو الموت والفزع، وأعداء الحرية والإنسانية، يسعون إلى تكبيل الإنسان وقمعه، فكل من يعيش على أوهام مثل هذه، ومن يمارسها علينا بصلف، هو في صفهم.
وأضاف محافظة الذي يقيم في أبو ظبي في حوار أجرته معه “الغد” عبر الإنترنت حول روايته “نزلاء العتمة”، أن الرواية تتصدى للعديد من الأسئلة، وقد أحيل السؤال إلى القارئ، ليفتش بدوره عن نزلاء العتمة ويؤشر إليهم، مشيرا الى أن القارئ يمتلك الوعي بحيث يستطيع أن يشتق لنفسه رواية من داخل الرواية، وينفذ لما بين السطور ليشيد لنفسه عالماً خاصاً به.
وبين محافظة أن ردة فعل القارئ على هذه الرواية هو “الحذر”، وهو الانطباع العام الذي رصدته لدى قراء الرواية حتى الآن، مبينا أن المساحة المربكة التي تخوض فيها الرواية، والتي لم يسبق -على حد إطلاعي- أن عولجت بهذا الشكل في عمل روائي، فهي تمتد على مساحة شاسعة بين عالمي “الموت والحياة”، وتقدم قراءة تغوص بتأن في تحليل جدوى التأويلات الميتافيزيقية، التي تظل تؤجل الخلاص إلى عالم ما ورائي، وهي بذلك تنسج عوالم متداخلة تكاد غرائبيتها تكون مألوفة إلى درجة الواقعية، وواقعيتها إلى درجة الفنتازيا.
ويرى محافظة أن الكتابة ليست أكثر من محاولة للتشبث بالحياة، فهي تمنعه من الهرولة نحو المجهول، أو الوقوع في فخاخ الخوف التي تنتشر من حولنا في كل اتجاه، لافتا إلى أنه على قناعة بأن الروايات لا تكتب بغرض التصالح مع أحد، وأن العمل الأدبي والروائي على وجه التحديد، سيجد من يتلقفه باهتمام، وبنفس الوقت من يتناوله بحذر وقلق، ورغم أن الرواية صدرت منذ أشهر قليلة فقط، إلى أن أصداءها ملفتة، وما يزال أمامها الوقت الكافي لتصل لقراء كثر، متمنيا أن تحظى بقراءات نقدية جادة، تضيء كثيراً من الجوانب الفلسفية والنفسية والإنسانية العميقة التي ارتكزت عليها.
وتحدث محافظة عن الأجواء التي كتب بها العمل والوقت الذي استغرقه في كتباتها، مبينا أنه رغم حالة الاكتئاب والسوداوية والضيق التي تتحدث عنها الرواية إلا أنه كتبها بـ”استمتاع”، ويعتبرها اختبارا أول في لذة الانتقال بين عالم الحياة والموت أكثر من مرة.
وقال “أرهقني هذا النص وشخوصه وقصصهم وهمومهم وهواجسهم، والمشهدية التي تأخذ القارئ رغما عنه لأجواء لم يعتدها من قبل، وتدفعه ليبني لنفسه شرفة بصرية يطل من خلالها على كل مشهد من مشاهد الرواية”، و”رغم القلق الذي ساورني طيلة أحداث الرواية، والوقت الطويل الذي أخذته الرواية لإنجازها، إلا أنني كنت متصالحا معها ومع شخوصها، الذين عبر كل واحد منهم عما يجول بخاطره بحرية تامة دون قمع أو تخويف”.
وحول المكان وهو “المقبرة”، ودلالته عنده قال محافظة: “عندما يصبح الموت، بمثل هذه العبثية والمجانية والرخص، تغدو المقبرة صورة مصغرة للحياة برمتها، وإن كانت معظم الأعمال الروائية أو حتى القصص التي سمعناها من جداتنا، ونعيد اليوم روايتها لأبنائنا، تتخلى عن شخوصها لحظة موتهم.. وتتركهم لمصيرهم المجهول، تمضي هذه الرواية بهم لعالم جديد قلما عبره أحد”.
وبين محافظة أن رمزية المقبرة وحضورها تفوق تلك البقعة الجغرافية الكئيبة التي ندس فيها موتانا بحزن، ونستدير عائدين لحياتنا اليومية، لتمثل في حالة من حالاتها، الحياة بكل صخبها وجنونها، وتمثل أيضاً تطلعات الإنسان ورغباته في أن يمضي برفقة أحلامه لعالم أكثر جمالاً وروعة، موضحا أن فكرة المقبرة وحضورها بهذه الكثافة، أتاحت لكثير من القراء القدرة على توليد الدلالات، وفك الرموز، والمضي بالنص لمسافة أبعد مما هو متوقع.
وحول الفرق بين النشر والطباعة داخل الأردن وخارجه بين محافظة الذي نشر في بيروت والأردن أن تجربته النشر داخل وخارج المملكة كانت “ناجحة وموفقة”، ولكن الفرق يكون في التغطية الإعلامية التي يحظى بها العمل أثناء وبعد صدوره، وفي تناول الصحافة الثقافية والوسط الثقافي له، مبينا أن الكتاب في العالم العربي يعاني من أزمة حقيقية، هي امتداد طبيعي لأزمات خانقة تعيش بيننا وتتكاثر يوماً إثر يوم، والمشكلة ليس مكان طباعة الكتاب أو توزيعه، بل فقدان وانعدام، تلك اللحظة المدهشة التي تمد فيها اليد لتتناول كتاباً لتقرأه.
ولفت محافظة إلى أن عملية النشر، تعزز القناعة بأن على المثقفين ودور النشر وروابط واتحادات الكتاب أن تتخلى عن كسلها، وأن تعمل بصورة عقلانية ومنظمة ومبرمجة، لتحريك هذا الوسط الراكد والخامل، إذ لا يكفي أن نصدر كتابا ونضعه على الرف، لا بد من إطلاق مبادرات حقيقية خلاقة، لحث الناس ودفعهم على القراءة، وإشراكهم في إنتاج ثقافة أصيلة ومعرفة حقيقية، وإيصال الكتاب إليهم في بيوتهم ومدارسهم ومصانعهم ومزارعهم وفي أماكن أخرى قد لا تخطر لهم على بال.
وعن العمل الأقرب له من أعماله: “بالأمس.. كنت هناك”، “يوم خذلتني الفراشات”، “أبي لا يجيد حراسة القصور”، و”نزلاء العتمة”، قال إن رواية “يوم خذلتني الفراشات”، “عبرت بصورة عميقة عن رؤيتي وقراءتي للمشهد السياسي العربي على المديين القصير والمتوسط”، ولعل هذا ما منح الرواية متنفساً حقيقياً، وأوصلها لشريحة واسعة من القراء والنقاد والمهتمين.
وتحدث محافظة حول هاجسه بالحرية في أعماله قال: “الحرية ليس حلماً، إنما هي رهان حقيقي على الحياة، وملاذ الأخير لنا كأفراد وشعوب، وهذا أمر يجب ألاّ يساورنا شك فيه”، مبينا أن من يظن أن للديكتاتورية وجه واحد هو السياسي أو العسكري يخطئ. فالقمع والكبت والفساد والتسلط الذي نعيشه اليوم، يكشف عن ذاته بوضوح، ويقدم نفسه بأشكال وصور لا حصر لها؛ السياسي والعسكري والديني والتراثي والثقافي والاجتماعي. فنحن بصراحة تامة، مكبلون من كل الجهات، وإزاء هذه الأسوار التي ترتفع في وجوهنا يوماً بعد يوم، أظن أن أقل شيء يمكن للواحد منا أن يفعله، هو أن يبقي هاجس الحرية حياً في داخله، وأن يغذيه قدر استطاعته.

– الغد

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *