«موعظة عن سقوط روما».. صوت التاريخ والحاضر


*إسكندر حبش

حين ذهبت جائزة غونكور إليه، العام 2012، لم يكن كثيرون يتوقعون فوز جيروم فيراري (مواليد عام 1968 في باريس) بالجائزة عن روايته «موعظة عن سقوط روما»، إذ كانت تشير كل التوقعات إلى أن أكبر الجوائز الأدبية في فرنسا ستكون من نصيب باتريك دوفيل وروايته «طاعون وكوليرا». بيد أن «حظ» دوفيل «السيئ» كان في أنه قبل أيام من إعلان غونكور، حاز «جائزة فيمينا» ما جعل حظوظه معدومة في «غونكور»، إذ كما نعرف المنافسة الشديدة والصراع بين الجائزتين اللتين تتنافسان على الإعلان عن أفضل رواية قبل الأخرى، وحين اشتد الصراع بينهما، تمّ الاتفاق قبل سنوات، على أن تمنح غونكور جائزتها قبل فيمينا في سنة، وفي السنة اللاحقة، تنقلب الآية، حيث تمنح فيمينا قبل غونكور. من هنا يمكن القول إن حظ دوفيل السيئ، جعل فيمينا تلك السنة تتقدم على غونكور، وإن كان هذا لا يعني في النهاية أن رواية جيروم فيراري لا تستحق أن يتمّ الالتفات إليها.

«موعظة عن سقوط روما» تصدر اليوم بالعربية عن «شركة المطبوعات المصورة»، نقلها إلى العربية شاكر نوري، وهي الرواية السادسة لهذا الكاتب الذي يعمل أستاذا لمادة الفلسفة في «الليسيه الفرنسية» بأبو ظبي، بعد أن مارس هذه المهنة لسنوات في الجزائر وفي أجاكسيو (جزيرة كورسيكا). ونجد في المقدمة الخاصة التي كتبها للطبعة العربية بعض الشذرات حول هذه المهنة وعن علاقته بالعالم العربي وبخاصة بجزيرة كورسيكا.
وفي كورسيكا تدور أحداث روايته التي تستوحي فكرتها من الموعظة التي ألقاها سان أوغوستان العام 410، لكن لا نعود إلى الماضي الزمني، إلا عبر الخطاب الثقافي، بينما تدور الأحداث في مقهى صغير حيث يستعيد طالبان في الفلسفة هذا الخطاب. طالبان مثاليان يتواجهان مع الواقع المرعب الذي نعيشه في زمننا الراهن. وللهرب من هذا الزمن، يأتي الخطاب الأدبي الذي ينسج عن بعض الأقاصيص المحلية الكورسيكية لينطلق منها كي يصل إلى أساطير العالم، وكأن الأسطورة، محاولة لا للرجوع إلى الزمن الغابر، بل لكي تتواجه مع العصر الذي يفقد كل بوصلة.
ما يقوم به هذان الطالبان إعادة الحياة إلى البار الذي كانا يترددان إليه عبر القيام ببعض النشاطات ما لفت نظر الناس الذين أصبحوا يترددون إلى الحانة ليشاركوا في هذه «الاجتماعات» التي أبعدتهم عن واقعه القاسي والأليم. من هنا تبدو الرواية وكأنها مكتوبة «بأصوات عديدة»: صوت التاريخ وأصوات الحاضر. خيار بالتأكيد ليتمكن الكاتب من إقامة هذه المقارنة التي يتأمل فيها حول انحدار الغرب وقيمه في العصر الحالي، وما انحدار روما في التاريخ، إلا بكونها المرآة التي تنعكس على العصر الراهن.
لكن وبالرغم من هذا التفكير الفلسفي إن جاز التعبير، لا تبدو الرواية «مملة»، بمعنى أن الكاتب يعرف كيف يتخلص من الثقل الفكري، عبر جملته الروائية المشغولة التي تتيح له احتمالات شتى في التأويل.
________
*السفير

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *