إزالة الشاعر!


*

الشاعر الباكستاني “حِمن بابا” ويلقّب بعندليب “بيشاور” من مواليد القرن السابع عشر. مؤلف أشعار صوفية تحتفل بالغناء والموسيقى، والرقص ، وكل وسائل الحياة وغنائياتها وجمالاتها في العشق والوجد الصوفيين، تدلّهاً شفوياً وحسياً بمرأة الواقع، الأنثى المحولة إلى تركيب صوفي ـ مادي.

هذا الشاعر به ضريح في مكان ما من بيشاور، أصبح موضعاً أخضر من فرط نمو الربيع حوله. وقبراص لا تجف زهور النساء العاشقات والمقبلات على العشق عنه والرجال يزورونه كصديق لقلوبهم ، ومرتفعات جمالهم …
إنه ضريح بوذا إسلامي مختلط بين الدين والدنيا، بين الانضباط الإلهي وفوضى الحواس تقّرباً إلى الذات الإلهية. وكان يعتقد أن للسماء أبواباً لا تفتحها الابتهالات وحدها ولا الصلوات وحدها … بل الأغنية والقصيدة والموسيقى والخشوع أمام جمال الدنيا.
بعد ثلاثة قرون … تقام إلى جوار الضريح مدرسة دينية لنشر الأصول الإسلامية! وفي خبرة الخبراء… ذلك يعني التزمت والتعصب بوصفها نتائج معرفية لحقيقة الحقائق ومن بينها: أن كل ما ليس هنا …عدونا !! وطبعاً لم ينتبه الكثير من البشر، والعديد من البلدان، إلى أن هذه المدارس ومثيلاتها، منذ زمن بعيد، كانت المفْرَخَةَ، مضمونة النتائج، للإرهاب الفكري المتحول، بسهولة، إلى إرهاب مسلح. ( تجربة طالبان والقاعدة ) بعيداً عن الإسلام الرحيم .
هذه المدرسة لم تقبل أن يكون أحد جيرانها ممن تزوره النساء والصبايا، ويضعن على قبره زهوراً، ويتبرك بصوته القديم الآتي من 300 سنة، حنوناً ودافئا… رجال من مختلف الأعمار ومختلف العمائم والصلوات… فبدأ الهجوم المتواصل على الزوار بالعنف متعدد الأشكال، وصولاً إلى الهراوات. وعندما لم يُجْدِ هذا كله قررت المدرسة وتلامذتها أن يزيلوا القبر كله، وأن يهدموا المكان كله.
هكذا مات مرة أخرى شاعر اسمه عبد الرحمن البيشاوري والذي – لفرط لطفه ورقته – سمّوه : “رحمن بابا”!
فيما يحدث ذلك كان الرجل من أفغانستان يقتل زوجته الشاعرة لأنها احتضنت ديوان شعر الشاعر الأفغاني … والشعر ـ كما قال الزوج ـ مذكّر ولا يجوز أن تعانقه امرأة، في عملية زنا مجازية!
_________
*جريدة عُمان

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *