*سجا العبدلي
تحدث الدكتور مراد في حديثه لمجلة “المجلة” أن ” اعتبار انقراض الصحف المطبوعة كحتمية، أمر من الصعب الجزم به حاليًّا، فالجديد لا يلغي كل ما سبقه، ولكن يعتمد عليه، سيتقلص اللجوء إلى الصحافة المطبوعة نظرًا لاستخدام الأدوات الرقمية، بالأخص للأجيال الصاعدة التي من خلال استخدامها للشاشات لا تتعود على المطبوع، وإنما تستخدم القراءة الرقمية”.
وأكد مراد أنه لا يحمي الصحافة إلا الصحافة، فهي “ككل مؤسسة عليها أن تتأقلم مع التغيرات في العالم الرقمي، وأن تتكيف مع الواقع والحاضر”.
إلى تفاصيل الحوار
في البداية هل لك أن تخبرنا عن معنى مصطلح “الإنسانيّات الرقمية”؟
أولاً أود القول: إن هناك ترابطًا بين المعلوماتية التي تظهر دومًا كشيء له فعّالية مُحدّدة من جهة، وعلوم الإنسانيات الميّالة إلى المراقبة والتنظير. واستطرادًا، يبدو علم «الإنسانيات الرقمية» (Digital Humanitics) في الوسط، كأنَّه يجمع بين هذين الاتجاهين، ضمن ما يمكن تسميته بـ«الفكر المعلوماتي». في معظم الأحيان، يتناسب هذا الفكر مع المنهج التجريبي في بعض العلوم الإنسانية، الذي يستنبط مفاهيمه بالاستناد إلى الحالات التي يراقبها. ولا شكَّ تميل العلوم الدقيقة إلى الأخذ بالمنهج التجريبي. في المقابل، ربما يفرض عصر المعلوماتية تعميم هذا المنهج على كافة العلوم الإنسانية أيضًا، وتستطيع أدوات المعلوماتية هنا مساندة الميل التجريببي في العلوم الإنسانية. الإنسانيات الرقمية مجال بحثي وأكاديمي يأتي على تقاطع ما بين الحوسبة المعلوماتية والعلوم الإنسانية والاجتماعية والفنون. ومن هنا من الممكن القول إن الحديث عن الإنسانيات الرقمية كمفهوم علمي –بنظري- هو دعوة إلى التجديد في العلوم الإنسانية؛ لأنه من الصعب على هذه العلوم أن تبقى كما هي؛ نظرًا للتغيرات في التعامل مع النصوص التي باتت في مجملها رقمية.
فمثلاّ التاريخ لن يتغير، ولكن مقاربات علم التاريخ ستتغير؛ لأن المؤرخ يتعامل مع النصوص، وبما أنها أصبحت رقمية، فعليه استخدام أدوات للبحث والتنقيب عنها ومعالجتها. وأكثر ما يتجلى في الإنسانيات الرقمية التي أصبحت ثابتة من ناحية المفاهيم والمصطلحات هي اختصاص الألسنية المعلوماتية، فعلوم اللغة هي أكثر العلوم التي تأثرت حتى الآن بالمعلوماتية، ولهذا نشهد حاليًّا تخصصات في الألسنية المعلوماتية، والمعالجة الآلية للغات أو كما نسميها في بعض البلدان العربية حوسبة اللغة.
إن «الإنسانيات الرقمية» تغيب عن الدول غير المتقدّمة، وتقتصر فيها على استعمال وسائل الاتصال الرقمية، والأدوات المعلوماتية في البحوث والجامعات، وهذا غير كافٍ؛ لأنَّ «الإنسانيات الرقمية» تتطلب تحديدًا لاستراتيجيات البحث العلمي نفسه، والقيام بدراسات وافية حول تداخل تخصصات العلوم الإنسانية، فيما بينها من جهة، وفيما بينها وبين التكنولوجيا الرقمية من جهة أخرى؛ وذلك لتوظيف هذه التكنولوجيا، حيث يجب توظيفها تجنبًا لإهدار الوقت والجهد.
في كتابك ” الإنسانيات الرقمية” لِمَ اعتبرت أنه يجب العمل على تبسيط النص العلمي؟ ولمن يجب تبسيط هذا النص؟
لقد دخل في عالمنا أدوات ومصطلحات كثيرة صعبة الفهم من مثل ADN أو Cellular وغيرها، هذه المصطلحات قد تكون مبهمة لكثير من الناس، لذلك إن فهم هذه العلوم من الناس كافة يساعد على التطوير في العلوم، فكيف ندعو إلى تطوير هذه العلوم ما دام النص العلمي عصيًا على الفهم، مما يؤدي إلى الخوف عند الكثيرين من مقاربته، لذا علينا أن نقوم بتبسيطه لكي لا تبقى هذه النصوص حكرًا على فئة قليلة من المختصين والباحثين.
فالتطور في العلوم يحصل عندما يصبح الهم العلمي همًّا حياتيًّا جماعيًّا، بالأخص في القرن 21 الذي أصبح قرن الرقميات بامتياز. إذاً يجب تبسيط هذه الدراسات مثل الأبحاث الجينية وظاهرة الاحتباس الحراري…الخ لكي يستطيع الناس مقاربة هذه المسائل الشائكة المرتبطة بحياتهم اليومية، فالكل له حق في المعرفة، وهذا من أسس المواطنة والديمقراطية، إذا ما أردنا أن نبني أناسًا فاعلين في المجتمعات، وليس فقط مستخدمين ومستهلكين سلبيين.
وعلى هامش السؤال أضيف نحن في العالم العربي نعاني بشكل عام من عدم وجود نقد علمي للنصوص العلمية عندما أتحدث عن النقد العلمي، يعني ذلك استخدام علوم اللغة (اللسانيات) في خدمة النقد، وهذا الاستخدام يعني تحديد آليات نستطيع من خلالها الحكم على النصوص. أما إذا ما وجد نقاد في مجالات الأدب فإن هناك غياباً تاماً للنقد في النصوص العلمية، ومن البديهي طرح السؤال : إلى متى سيبقى العرب غير منتجين للمعرفة العلمية، وبالتالي للنصوص العلمية؟
من خلال ما ورد في هذا الكتاب، ماذا قصدت بمصطلح “إنترنت الأشياء”؟
إنترنت الأشياء، أي عندما تصبح جميع الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية وفي المنازل مشبوكة فيما بينها، أي أن نصل إلى مرحلة ما أسميه “الرقمنة الشاملة”.
الجميع يعرف أنه باستطاعتنا اليوم مراقبة المنزل وما يدور به من خلال الإنترنت، وسوف يكون باستطاعتنا أيضاً الاتصال بالميكرويف وتشغيله لمده نصف ساعة من الخارج. مثلاً الثلاجات الحديثة الذكية عندما تنتهي بعض أنواع الأطعمة فيها تقوم بإخبارنا عن المنتج الذي انتهى.
مع التسارع الهائل في التقدم التكنولوجي والتطور الذي شهده العالم في الفترة الأخيرة، برأيك ما أثر هذا الأمر على مدى تواصل الأشخاص الحقيقي مع بعضهم البعض؟ وهل سنتحول يومًا إلى كائنات منساقة ومحكومة لهذه التكنولوجيا؟
أود التوضيح أولاً أن الإنترنت وجدت للتواصل، فهي أداة تواصل بامتياز، وتؤدي خدمات كبيرة في عالم تبادل المعلومات، إلا أن عدم التأهيل على الاستخدام يؤدي إلى ترك آثار من المحتمل أن يعتبرها البعض سلبية. وهنا أريد أن أوضح أننا الآن في مرحلة انتقالية بين ثقافتين، ثقافة المطبوع والتلفاز والراديو التي لها أساليب معينة لممارستها في الحياة اليومية (فمجموع العائلة تشاهد التلفاز أو تتابع برامج معينة)، وثقافة الحاسوب الذي هو ممارسة فردية، ومع وجود البرامج التي تسمح باستخدام شبكات التواصل وتبادل المعلومات الشخصية وغير الشخصية، الأمر الذي أدّى إلى خلق مجموعات بدأت تشكل ما يشبه المجموعات الافتراضية. ولكنني كمراقب أتعامل مع ما هو موجود ولا أصدر أحكاماً عليه إن سلباً أو إيجاباً؛ لأن هذه الأدوات قيد الاستخدام، ولا يمكن الاستغناء عنها حتى من منتقديها، ولكن بالوقت نفسه يجب التأهيل على الثقافة الرقمية، فإن سوء استخدام أي أداة قد يؤدي إلى نتائج سلبية أو إيجابية، هذا إذا ما تحدثنا عن الرقميات كأدوات، وإذا ما اعتبرنا بأن الرقميات هي حتمية تؤثر في تغيير أساليب الحياة، لأنها هي المسبب لهذا التغير الحتمي في تمثيل المعرفة، وبالتالي ستؤدي إلى تغير في التصورات الذهنية للفرد. ولكن هل الإنسان منساق أو محكوم لهذه التكنلوجيا، نعم إنه في جميع مراحل حياته محكوم لأدوات.. تكنولوجية كانت أم لا.
تقول بأن “تقنيات الذكاء الاصطناعي تغزو الصحافة”.. ما تفسير هذا الأمر على أرض الواقع؟
الذكاء الاصطناعي هو كيفية خلق برامج تحاكي الذكاء البشري، أي إنشاء برامج معلوماتية تقوم بمجموعة من العمليات تعتبر ذكية، أي تتطلب مهارات ذهنية مثل الترجمة الآلية أو التفتيش عن المعلومات، أو إنشاء وكتابة النصوص آلياً. تقوم بعض المؤسسات في العالم ببناء برامج تولد نصوصاً انطلاقاً من بيانات كالجداول أو الصور أو الرسوم البيانية، وعلى سبيل المثال في بعض الدول تغطي الصحافة جزءًا قليلاً من مباريات كرة القدم (فرق الدرجة الأولى) ولكن لا تغطي باقي الفرق من الدرجات الأخرى، لهذا تم اللجوء إلى إنشاء برامج معلوماتية تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وعلى الجداول والبيانات لكي تقوم بالتغطية. فاستنادًا إلى تجارب عمليّة، يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعي في توفير طُرُق مُؤَتْمَتة لصنع النصوص، على مجالات في الصحافة الإلكترونية محدّدة كالرياضة والأسواق المالية.
ويعمل كثيرون على توظيف الذكاء الاصطناعي في إنجاز الأخبار بسرعة قياسية هائلة، تغطي على الأقل الأخبار التي لا تحمل أهمية كبيرة! أما من ناحية المنهج، فهناك عمومًا أكثر من طريقة لتوظيف هذه التقنيّات في الصحافة، لعل أهمها ذلك الذي يعتمد على استقصاء الجمل وجمعها، استنادًا إلى كتابات سابقة لصحافيين في المواضيع عينها. ويعمل الكومبيوتر على هذه الكتابات فيعالجها. ويعيد استخدامها في صنع نصوص جديدة. وترتكز هذه الطريقة في توليد النصوص، إلى قواعد معرفيّة تحتوي مجموعة من المعلومات التفصيلية المتّصلة بالموضوع المطروح. وتُحصّل تلك المعلومات من بيانات عن خبرات سابقة، إضافة إلى معارف عن تفاصيل النصوص. وبعدها توظّف هذه الخبرات في مجموعة متنوّعة من الأساليب المستخدمة في صوغ النصوص، ما يؤدي إلى صنع نصوص جديدة بصورة آليّة. وثمة نهج آخر في صوغ النصوص يعتمد على أسلوب التعلّم apprentissage. هكذا يجري البحث آليًّا عن نصوص متشابهة تتناول الموضوع المطلوب، ثم تستخدم في إنتاج نصوص جديدة.
هل ستنقرض الصحف الورقية مستقبلاً؟
اعتبار انقراض الصحف المطبوعة كحتمية، أمر من الصعب الجزم به حاليًّا، فالجديد لا يلغي كل ما سبقه، ولكن يعتمد عليه، سيتقلص اللجوء إلى الصحافة المطبوعة نظرًا لاستخدام الأدوات الرقمية، بالأخص للأجيال الصاعدة التي من خلال استخدامها للشاشات لا تتعود على المطبوع، وإنما تستخدم القراءة الرقمية.
بالنسبة للقراءة الرقمية فهي مختلفة عن المطبوع وهي قراءة انتقائية متقطعة تختلف عن القراءة الخطية المتواصلة. ومن الطبيعي أن يُحفز الدماغ أكثر بالقراءة الإلكترونية. لأن استخدام الشاشة والحاسوب يتطلب مهارات أكثر من المهارات المطلوبة لقراءة المطبوع ولكن هذا ليس هو السبب الذي يؤدي إلى اضمحلال اللجوء إلى الصحافة المطبوعة، المشكلة برأيي لها بعد اقتصادي مرتبط أيضًا بالثقافة الرقمية وباقتصاد المعرفة.
إذا ما بحثنا في مستقبل الصحافة والبحث العلمي أين سيكونان في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع؟
لا يحمي الصحافة إلا الصحافة، فهي ككل مؤسسة عليها أن تتأقلم مع التغيرات في العالم الرقمي، وأن تتكيف مع الواقع والحاضر. ويفترض بالصحافة، أن تأخذ الأخبار الآتية من كل حدب وصوب وتصيغها بأساليبها التحريرية، كما على الصحافة أن تتأقلم مع التغيرات لناحية التأهيل العلمي في كلية الصحافة من خلال تعديل البرامج الأكاديمية، ولكي تتوافق مع التطور التكنولوجي، فالتدريب الإعلامي بشكله الكلاسيكي له تاريخ وماض عريق، ولكن بالاستناد إلى ما سبق ذكره علينا التوجه إلى صحافة حديثة. فالكتابة الصحفية انتقلت من السردية (الوحيدة الوسيط) إلى السردية (المتعددة الوسائط)، ولهذا بدأت تعتمد وسائل أكثر حداثة كتقنيات الصوت والصورة وغيرها. حاليًا نجد في الصحافة المكتوبة طلبًا على موظفين من ذوي هذه المنجزات لذلك إن تداخل الاختصاصات في برامج التعليم الإعلامي، أصبحت ضرورة، ومنها معرفة المعلوماتية وعلوم الإحصاء وبرمجيات التواصل والاقتصاد، كل هذه الأمور أصبحت ضرورية، وعليها أن تتكامل مع الثقافة الكلاسيكية لتدريس الصحافة. واستطرادًا، يتوجّب على الجامعات فتح مسارات لتبادل الاختصاصات، والتشارك في دراسات تجمع مجالات علمية مرتبطة بأُسس التطوّر في الإعلام المعاصر، مثل التجارة، وتقنيات المعلوماتية المتّصلة بالمواد المرئية- المسموعة؛ لأنَّ هذا التشارك يدفع إلى تطوير تدريس الصحافة أكاديميًّا.
زيادة على ذلك، من المفترض ألا يبقى التعليم تلقينياً، وألا ينحصر بالأسلوب المباشر، في الوقت الذي أصبحت المصادر متحرّكة. ويفترض بأساتذة الإعلام أن يتمتعوا بمهارات من نوع آخر مثل القدرة على نسج علاقات أكاديمية وبحثية وتدريبية. وكذلك يجدر التفكير جدّيًا في إنشاء نظريات إعلامية حديثة تتماشى مع المتغيرات؛ لأنّ النصوص النظرية الموجودة أصبحت قديمة ولا تؤدي إلى تأهيل إعلاميين عصريين.
ثمة من يتوجس أن سلطة الصحافيين باتت محكومة ولكن مع وقف التنفيذ، ويأتي هذا الخوف من الشعور بأن سلطة الإعلاميين قد ضعفت في ظل هذا التمدد والترحال والتواصل. إذاً للصحافة دور مهم إذا أعادت اختراع هذه المهنة من جديد، واستطاعت الارتقاء إلى ما يسمى الصحافة المعززة وصحافة المعطيات.
هل نجحت المدارس والجامعات العربية في مواكبة هذا التطور والتسارع الكبير في التقدم التكنولوجي ؟
حتى من الصعب الإجابة على هذا السؤال بنعم أو لا؛ فكثير من الجامعات والمدارس العربية أدخلت التكنولوجيا في برامجها بالأخص كليات وجامعات العلوم الصحية. وهذا يعتبر تحصيل حاصل؛ نظراً لارتباط هذه المواد بالحساب وبالمعلوماتية حسب اعتقاد البعض، المشكلة في الجامعات العربية تكمن في كيفية تدريس التقنيات في كليات العلوم الإنسانية، فهي حتى الآن مقتصرة على تدريس التقنيات على هامش البرامج الفعلية دون إدخالها في صلب العملية الأكاديمية، فمن هنا تكمن الصعوبة عند طلاب العلوم الإنسانية في معرفة التقنيات بشكلها الفعلي كعلم وليس كأدوات للطباعة. كما أن الكثير من القائمين على التدريس بالعلوم الإنسانية نظرًا لعدم معرفتهم بالتكنولوجيا، لا يُشجع كثيرًا إدخال التقنيات ضمن المواد الأساسية، وتكمن المشكلة أيضًا بأن من يدرّس المواد التكنولوجية في العلوم الإنسانية إما مستخدم عادي أوكلنا إليه تعليم الطلاب على الطباعة، أو مهندس بكفاءات عالية لا يستطيع توجيه مهاراته المعلوماتية نحو العلوم الإنسانية، لأن تدريس المعلوماتية لطلاب العلوم الإنسانية غير تدريسها لطلاب العلوم.
مستقبلاً من سيشبه الآخر الإنسان أم الآلة؟
ويبقى الإنسان إنسانًا، ولكن التطور سيبقى مواكبًا لمسيرته في هذه الحياة، فلا تستطيع الآلة أن تلغيه وهو في سعي دائم نحو إنتاج أدواته (أي الآلة)، والتي بات، في عصرنا، لا يستطيع العيش من دونها. أما التجارب التي أصبح البعض منها فعليًا فتتمثل في غرس دوائر إلكترونية في الجسم لإنجاز وظائف تنهض بها أعضاؤه الطبيعية. شخصيًّا أجد أنه من الطبيعي اللجوء إلى الرقميات لمساعدة الإنسان في الحالات الضرورية (بالنسبة للإطراف مثلاً وبعض العلاجات المتعلقة بالقلب والإنجاب إلخ..)، ولكن الخوف يأتي عندما يبدأ الإنسان باستخدام هذه التقنيات لكي يتخطى قدراته الفعلية، ومن فترة قريبة يروج لما يسمى “السيبورغ” (cyborg)بوصفه نموذجًا عن مسار العلاقة بين الإنسان المعاصر والآلات الذكية، وهو يتعلق بجزء منه بإمكانية غرس رقائق في جسم الإنسان يتحكم بها ذهنيًّا.
وتأتي كلمة “سايبورغ” من مزج كلمتي «سايبر» (Cyber) التي تشير إلى أشياء تتحكّم بنفسها بصورة مؤتمتة، وبمعنى الاعتماد على المعلوماتية الرقمية، وكلمة «أورغانزيم» (Organism)، التي تشير إلى المكوّن البيولوجي الحيّ، وهي الجسد البشري في هذه الحال. وما زال تعريف المصطلح صعبًا، خصوصًا لجهة تحديد مدى قرب هذا «الكائن» («سايبورغ») من الإنسان، مقارنة بقربه من الروبوت، وهو الإنسان الآلي تعريفًا.
وغالبًا ما يستخدم مصطلح «ترانس هيومانيزم» (Transhumanism) بمعنى «عبور الإنساني» أو «ما بعد الإنساني»، في وصف مسار هذه التطورات التقنية وآلياتها وتداعياتها. ويشير مصطلح «ترانس هيومانيزم» إلى حركة فكرية علمية، تدعم استخدام العلوم والتكنولوجيا؛ لتعزيز قدرة الإنسان الفكرية والجسدية، وتحسين ما يمكن تحسينه، (وكذلك إلغاء ما يفضّل التخلّص منه على غرار الشوائب الخلقية وربما السلوكية أيضًا)، عن طريق استخدام تقنيات المعلوماتية والاتصالات. ويتكاثر أتباع هذه النظرية باستمرار، بغض النظر عن المسائل الأخلاقية والتحديات الثقافية والفلسفية التي تثيرها هذه الحركة، خصوصًا لجهة التبدّلات المحتملة في كينونة الإنسان.
وهناك نقاش حول القضايا الأخلاقية التي ترافق هذه التحوّلات، فماذا عن الشفرات التي زُرِعت في رجلَي العدّاء “أورسكار بيستوريوس”؛ فجعلته أحد أسرع العدّائين (ترى ما علاقة هذه الرقاقات المزروعة في الطرفين السفليين، بالجريمة التي صدرت عن دماغ هذا العدّاء عندما قتل حبيبته أخيرًا؟). وهناك من يفكر باستنساخ الفكر، بمعنى زرع رقاقات بيونيقية في الدماغ تتأقلم مع بنيته العضوية والعصبية، وترصد الروابط بين الأعصاب، وطريقة عملها أثناء حياته، ما يُمكّنها من «نسخ» وظائف دماغه كافة، ثم (ولِمَ لا؟) استنساخ ما يختزن الدماغ من أفكار في مرحلة لاحقة.
______
*صحفية عراقية مقيمة في لبنان