كتاب يلقي الضوء على انكساراتنا ووعينا للنضج



مراجعة : سناء أبو شرار *

إنكسار وتفتح…

Broken Open
Elizabeth Lesser 2005-


مؤلفة هذا الكتاب مُحاضرة في جامعة فرانسيسكو وفي كلية برنارد ، كبيرة مستشاري مؤسسة أوميغا وأحد مؤسسيها وهي مؤسسة معروفة دولياً ومتخصصة في علاج الصحة العامة للانسان نفسيا وعقلياً وروحياً .
تكمن أهمية الكتاب في وصفها الدقيق للشعور الانساني وخبرتها العميقة بما يعتري النفس البشرية من انكسارات أو انتصارات. إنه كتاب لجميع الجنسيات وجميع العروق لأنها تتحدث بلسان انسانيتها وليس جنسيتها ، وهو كتاب له قيمة لأنه يُعلي من قيمة الألم في حياة البشر وأن هذا الألم قد يكون ميلادا جديدا لحياة أفضل ، في كتابها لا ترفض الألم ، ولا تلوم القدرة الإلهية بل تتقبل القدر وتحترمه ، وتمنح رؤية وبصيرة لكل معاناة بأن تكون طريق نحو النور.
تقول في بداية الكتاب الذي يقع على 302 صفحة:
” كم هو غريب أن طبيعة الحياة تتغير ، بينما طبيعة البشر ترفض التغيير. وكم هو ساخر أن الأوقات الصعبة التي نخشاها والتي قد تدمرنا هي التي تجعلنا نتفتح وندرك ماالذي كان يجب أن نكون عليه . نعرف جميعاً اشخاصا اصابتهم الأمراض أو الإفلاس وقبل أن تصيبهم هذه الأحداث لم يعرفوا ذواتهم حقاً أو ماذا يريدون ، في أكثر لحظات انكسارهم عرفوا معنى التواضع والتفتح وفيما بعد جمعوا القطع المتناثرة من ذواتهم واكتشفوا شغفا جديدا للحياة وآخرين انغلقوا على الألم ولم يعرفوا ميلاداً جديداً”.
ثم تقول عن اخطاء الانسان:
“اذا كانت الأخطاء تزودنا بفرص افضل وبتطور أكبر ، فلماذا نحاول دائما أن نبدو بكامل الثقة وكأننا لا نخطىء طوال الوقت؟ في النهاية ، من حولنا يعاني من شخص غير سعيد ومتجهم يحاول عمل شيء جيد أكثر مما يعانون ممن هم ببساطة سعداء مع ذواتهم ، انهم اولئك الأشخاص بانسانيتهم البسيطة الذين لا يرفضون الانكسار والمعاناة ويتقبلونها كجزء من الحياة، أولئك هم الذين يستطيعون نقل الجبال ، وأصحاب الديانات العظيمة كانوا من هؤلاء البشر”.
تشير لمقولة أحد الحكماء :” الحكمة الوحيدة الحقيقية تعيش بعيداً عن البشر، تعيش في عمق الوحدة ولا يمكن الوصول لها إلا عبر المعاناة”.
في مقابلة لها لصديق مشهور اصابه الشلل ، قال لها بهدوء وهو يجلس على كرسيه المتحرك:
” فقط عبر المعاناة يتم كسر الكبر الكامن في الذات البشرية ، وحين يُكسر هذا الكبر ترى هذه الذات حقيقتها ، ولكن الروح ترى هذا الانكسار فرصة عظيمة للتعلم ، حين تكون الروح آمنة فمن ماذا سوف تخاف؟ إن الحب والإيمان أقوى من أي تغيير، أقوى من الشيخوخة وأقوى من الموت. الكبر ، إنه مثل هذا الكرسي المتحرك ، استعمليه ، ولكن لا تعتقدي بأنه أنت…لا تأخذي نفسك بصورة شخصية جداً ..لا تكوني فخورة اكثر مما ينبغي لأن كل شيء ممكن أن يتغير..”
” الاستماع للروح هو أن تتوقف عن الصراع مع الحياة ، أن تتوقف عن الصراع حين يتكسر ما حولك ، حين يمرض الانسان ، حين يخونه من يحب وحين يُساء له أو يُساء فهمه ، الاستماع للروح هو أن حالة من الهدوء وأن نرى انفسنا بوضوح وأن نستسلم لعدم الراحة وعدم الثقة ، وحينها يتحرر الانسان من عبء رغبته بالسيطرة على كل ما حوله ، أحياناً من الحكمة أن تتناثر الأشياء من حولك كي ترى ما هو حقيقي وما هو مزيف …لذا الانكسار فقط يقودنا نحو الحقيقة.”
خلال الكتاب تستعرض تجارب صعبة لأشخاص تعرفهم معرفة شخصية وكيف تتحول المعاناة لبناء متكامل حياة جديدة . ثم تُفرد صفحات مطوله حول التأمل سواء بالمفهوم الغربي أو وفقا للثقافة الآسيوية . وفي نهاية الكتاب تتحدث عن الصلاة:
” اذا كنت تريد أن تصلي إذاً فلا تقلق ، وإذا كنت ستقلق إذاً لا تكلف نفسك عناء الصلاة . أن تصلي هو أن تترك اعتقادك بأنك تسيطر على حياتك . الصلاة تمنحنا طريق خارج دائرة الذنب ولوم الذات لأنك تتوجه لمن يسامح ويغفر”.
قراءة هذا الكتاب تشبه رحلة طويلة في خبايا وأعماق الذات البشرية ، بهزيمتها وانتصارها، بتطورها أو بتراجعها ، بإرادتها أو انحسارها ، بتفتحها أو انغلاقها . رسالة الكتاب العميقة هي أن الحياة لا يُفترض بها أن تكون طريق زهور ولكنها طريق متغير متقلب ، والفكر الانساني الناضج فقط يستطيع أن يدرك أن الحكمة في هذه الحياة ليست بالرفاهية بل بالتكيف مع الظروف والنهوض بعد كل كبوة.
ومن ناحية أخرى فإن الكتاب يُبرز وجه آخر للحياة الغربية، حيث يُعتقد في البلاد العربية أن الحياة في الغرب حياة سعادة ورفاهية؛ بينما هي حياة مثل غيرها بها الألم والمرض والوحدة وكذلك الإنسحاب من الحياة عبر الإنتحار. قد تبدو بعض البلاد أجمل من بعض، وقد تبدو بعض الحيوات أفضل من بعض، ولكن هناك حقيقة واحدة وهي الحقيقة الإيمانية بأن كل ما بهذا الوجود مؤقت وأنه لا باقي سوى الله تعالى، وهذه الحقيقة هي راحة دنيوية وأبدية كذلك؛ وذلك بعدم التشبث بما فقدنا بهذه الحياة، وأن نحيا فقط لأجل الحياة.

– روائية من الأردن

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *