محمد الغزي: الثورة التونسية لم تدفع الأدب إلى الأمام


عثمان حسن *


قال الشاعر والناقد التونسي محمد الغزي “إن الفن مثل الحياة، لا يتجلى في هيئة واحدة مرتين، فكل تجل يأتي في شكل جديد” .
جاء ذلك خلال محاضرة بعنوان “الأدب التونسي ما بعد الثورة” مساء أمس الأول في قاعة أحمد راشد ثاني في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات ضمن نشاطات نادي القصة، وأدار الندوة وقدم المحاضر الكاتب إسلام أبو شكير .
استعرض الغزي نماذج روائية وشعرية عدة اختلف تعاطيها مع الثورة، ولكن، غلب على معظمها العودة إلى الأدب الملتزم .
وصف الغزي هذه العودة التي جاءت في سياق تحمس الكتّاب واستئناسهم بالأشكال الجاهزة للتعبير عن احتفائهم بالثورة وتمجيدهم لرموزها، غير أن القليل من هؤلاء من حاول أن يحوّل حدث الثورة إلى سؤال فني وإلى هاجس جمالي .
أغلبية القصائد التي كتبت عقب الثورة كما يؤكد الغزي كانت انفلاتاً تلقائياً للمشاعر، وتعبيراً مباشراً عن حماسة طارئة، وقد نسي الشعراء في غمرة الحدث والحماسة أن الشعر ليس الانفعال وإنما هو تحويل الانفعال إلى شكل، وطريقة قول مخصوصة، أي إلى كتابة على غير مثال سابق .
فالشاعر المنصف الوهايبي في مجموعته “تمرين على كتابة يوم الجمعة 14 يناير 2011 وقصائد أخرى”، جنح إلى شعر هامس متأمل، يكتب الثورة استعارياً ورمزياً، وأوضح الغزي أننا نخطئ السبيل إلى شعر الوهايبي إذا اقتصرنا على تدبر الصور والأقنعة والرموز متفرقة، كما فعل بعض النقاد، فهذه العناصر ذات الشحنة المجازية ليست إلا خيوطاً في نسيج معقد، لهذا وجب تأملها داخل النص أي في سياق تفاعلها مع بقية العناصر الشعرية الأخرى مثل الإيقاع والمعجم والدلالات .
وحلل الغزي نص الوهايبي بوصفه ينطوي على بنية سردية تتداخل في حيزها لغتان: لغة تسترجع وتستذكر ولغة أخرى تروي وتخبر، اللغة الأولى، هي لغة الحلم والذاكرة، والثانية هي لغة الحكي والوقائع التي تتوالى وتتعاقب .
في إطار الأعمال الروائية، التي ترصد الأسباب العميقة للثورة جاء الغزي على “أبناء السحاب” لمحمد جابلي التي تعتبر نعياً حزيناً لمجتمع يتهاوى ويتفكك، فقد منظومته الأخلاقية التقليدية من غير أن يتمكن من تأسيس منظومة أخلاقية جديدة .
في نموذج آخر من الروايات التي جنحت هي الأخرى للاحتفاء بالثورة والعودة إلى الماضي ذكر الغزي “برج الرومي وأبواب الموت” لسمير ساسي التي صورت بحس درامي، ما عاناه المعتقلون السياسيون من تنكيل واضطهاد، وصورت الرواية بواقعية مفرطة أصناف التعذيب في المعتقلات إبان فترة النظام السابق .
وحلل الغزي البنية الفنية للرواية التي تمزج بين المذكرات واليوميات والوثيقة، وختم بالقول “هذه النماذج الأدبية اتخذت من الثورة محوراً لها، ولم تتمكن من رفد الأدب التونسي بطاقات رمزية واستعارية جديدة، بل اكتفت باستعادة أساليب سردية قديمة” 
– الخليج – الشارقة

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *