الكاريكاتير.. وتبقى الابتسامة مع هذا!


*عادل العامل

إضافة لتناوله النقدي اللاذع للأوضاع أو الشخصيات أو السلوكات التي لا يجدها رسام الكاريكاتير سليمةً أو متلائمة مع واقع الحال، فإن الكاريكاتير عمل فني له أبعاده الإيجابية على حياة الناس على المستوى النفسي، و الفكري، و الثقافي. و كلما وقع الرسم على الجرح كما يقال أو تعمّقت فكرته، و كان موضوعه أو ضربته مفهومةً إلى حدٍ ما، و خطوطه أنيقة متناسقة، ازداد انجذاب الناظر إليه و تعلَّق بمتابعة أعمال صاحبه، و ترك الرسم بالتالي تأثيره المفيد. 

و هكذا كانت حالي، في الأقل، مع رسوم الفنانين الراحلين الفلسطيني ناجي العلي، و العراقي مؤيد نعمة، و كذلك الحال مع رسوم السوري علي فرزات، و الليبي محمد الزواوي، و الرسام المصري مصطفى حسين الذي يتابع عمله الكاريكاتيري في صحيفة أخبار اليوم في القاهرة، على سبيل المثال. و ذلك لا يعني التقليل من إبداعية آخرين كاللبّاد، و بهجوري ( مصر )، والعجيلي العبيدي ( ليبيا )، و فيصل لعيبي، و عبد الرحيم ياسر، و بسام فرج ( العراق )، على سبيل المثال أيضاً! 
و إذا كانت الصحافة مهنة المتاعب، كما توصف في العادة، فإن الكاريكاتير مهنة البلاوي، أو أمها، أحياناً، بالنسبة للصحيفة أو المجلة، و للرسام ، و للمستهدَف بالرسم، جميعاً. بل وقد تتسع دائرة البلاء لتشمل أطرافاً أخرى كالمسؤول عن المطبوع الإعلامي، و الجمهور الغاضب قطيعياً في أغلب الأحوال، و بعض الميليشيات و الأحزاب، و أحياناً الدولة ذاتها، كما حصل لناجي العلي الذي اغتالته إحدى منظمات ” تحرير ” فلسطين عام 1987 في لندن؛ و رسام الكاريكاتير أحمد الربيعي في صحيفة ( الصباح الجديد ) العراقية؛ و الدانمارك و بعض البلدان العربية والإسلامية التي اشتبكت إعلامياً بسبب رسوم كاريكاتير راح ضحيةً لها ميدانياً عدد من الناس؛ وفرنسا و اليابان اللتين تأزمت العلاقة بينهما نوعاً ما قبل أشهر بسبب رسوم تسخر من استضافة اليابان لدورة ألعاب عالمية مستقبلاً بينما ما تزال تعاني من آثار الانصهارات الثلاثية في موقع فوكوشبما النووي عام 2011 ، و تسرب إشعاعات مهلكة، و هرب آلاف اليابانيين من المنطقة؛ و رسام الكاريكاتور الجزائري جمال غانم الذي تعرَّض للاعتداء من طرف جماعة مجهولة أيضاً لم يُعرف من يحركها، ويواجه غانم فوق هذا عقوبة السجن لمدة 18 شهرا بعد أن كان قد وضع تحت الرقابة القضائية، بتهمة خيانة الأمانة وإهانة رئيس الجمهورية، بسبب رسم في أرشيف لم يُنشر و لم يتضمن أي توقيع، ولا حتى ذكر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالاسم. و هذا يشبه ما حصل لي هنا مع مدير عام سابق لمؤسسة ثقافية رسمية ناصبني العداء و منع العاملين ” المثقفين ” معه من نشر أي شيءٍ لي، فقط لأني انتقدتُ، بالكلمات في حالتي، ظاهرة ثقافية من دون أن أذكر اسمه و لا اسم المؤسسة التي كان مديراً لها، أيضاً! 
و بالرغم من هذا كله، يبقى للكاريكاتير دوره الرقابي الشعبي المؤثر الذي يترصّد المفاسد، والانحرافات عن السلوك السليم، كالعدوان، والتعالي، والغطرسة، والاتكالية و الخمول، والسلبية، والنرجسية، والنفاق، والإرهاب، والانتهازية، والرشوة، على الصعيد الاجتماعي، والسياسي، والثقافي، والجماعي، و الفردي. و لذلك لا يستريح للكاريكاتير كل مَن أصيب بشيءٍ من ذلك أو عُرف به، و لو كان لديه شيء من عقل أو حكمة لاستراح له، و أثنى عليه، لما فيه من تنبيه له على خطأ أو عيبٍ لا يخلو منه مخلوق على وجه الأرض. و تبقى الابتسامة التي يستحضرها الكاريكاتير سيدة الموقف، حتى و إن كانت ابتسامةً .. صفراء!
_____
*المدى

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *