فصل من رواية.. بقايا الجندي الطائر


*سعدي عباس العبد

( ثقافات )

سيظل طيفه الذي ما انفك يلوح لنا على الدوام 
سيظل يتراءى لنا وهو يطلع من من الجدران ..يبزغ من نور النهار ومن جنح الليل ..يتدفق من اعماق الصمت والبرد ..يخرج من الحانات ، يجر وراءه سنواته المنهكة الضائعة ..يجر بقايا طفولته المترعه بالفاقه والحرمان بحبل طويل من الثمالة والدموع والغناء والقنوط ..
ينبثق من زحام السوق ..من نور الضحى ، محمولا على كف الشمس ..على كتف طفولة مفعمة برائحة الحسرة والشقاء ..طفولة مجدبة تتموج في سراب العطش والجوع ..طفولة ملطّخه بوحل العوز ..قضمت سنواتها الاولى انياب الفقر والحرمان ……
نلمح طيفه كما لو ما يزال ينكمش يلتم عند ظلال الجدران ..في اوج النهارات القائظة ..
امضينا انا وبوبي عقب رحيله الفاجع بامد مديد ،نتفقده باستمرار ..!! نخاله كما لو كان معنا ..نتخيّله معنا ! نراه على الدوام ، كأنه لم يغب لم يتلاشى في اعماق الظلام . لم ينطمر في رطوبة التراب ..لم يتوغل في الاعماق السفلى ..كأنه معنا دائما ..يغني دائما لم يمسك عن التدفق بالغناء والنواح … في غمرة ذوبانه في حرارة الغناء ..يتبدى طيفه في مخيلتي اكثر وضوحا ..اشد حضورا من اي وقت مضى ..اشد تجليا ..كما لو انه يسترد طفولته المستلبة..يسترد ذاكرتها الغضة الرافلة بطمأنينة البراءة الاولىيسترد ذاكرتها الغضة الرافلة بطمأنينة البراءة الاولى …في نبرته __ صاحبي المغنّي الذي مات __ كانت تتأخى الأشياء : الذكرى ، الليل والدموع ، الحرمان والنجوم والنهار ……!!! كلّها تلتم على فيضان مواّر يتدفق من نبع الغناء ..نبع من حنان مزدحم بالألفة والذكرى …….. يكتظ بروعة العذوبة المتفجرة من مجرى مفعم بالاشواق الحميمة ..ليصب في واحة طفولة قديمة ..طفولة حافية …ازدرد اوقاتها النادرة المتخمة بالدهشة الاولى . الحرمان الذي جاء مبكّرا يحمل راية الفقر في الريح خفاقة في فضاء الانكسار والحزن البكر ..كان مشدودا لتلك الايام البعيده بخيط من التوق والحنو ..في الحقيقة كان مشدودا لذكرى أمّه المضيئة وسط ذلك الظلام __ ظلام العوز والحرمن __ المشّعة كالنجوم وسط سواد الفقر ، كان مشدودا لأمّه التي غالبا ما يرد طيفها ، ذكرها في الغناء ..يحضر قوّيا حتى لكأنني المس ملامحها .
كأني اتحسس وجه الأمّ ..اتحسس ملامحها بيديّ ..ملامحها التي شكّلها الغناء صنعها في ذاكرتي ..فما زالت صورتها التي التي رسمتها اصابع الغناء ، ابتدعتها ، معرشة في مخيلّتي ..مطبوعة على جدران الخرابة الهشّة المتصدعة ..مطبوعة على جدار البرد والتسول والجوع والريح والشوارع ..مطبوعة بقوّة لا تضاهى على جدار ذاكرتي ..
لما يتصاعد ذلك الغناء الملتاع بنبرته الشجّيه ، مشحونا بمزيد من اللوعة . يبدو صاحبي وسط تلك اللحظات النابضة بالذكرى والشجن . كأنّه يطلب إلى أمّه ان تنهض من موتها او قبرها ..يطلب اليها ذلك في لحظات فاصلة لا مثيل لها … كان طيفها يحوم مرفرفا في ذاكرته ..يخفق في نبرته الشجية المحمولة على شراع من الذكرى وسط امواج من الوجع الصاخب ……. كأني أراه يلتم في حجرها ..يلثم خدودها الموردّة بالفقر والحرمان..يلثم خدودها بشفاه من الغناء ..يتحسس عبر غناءه وشجونه قلبها الرؤوم..يتحسس خلال شفتيه يدها ..يدها المدودة عبر ظلام القبر ! يلثم اصابعها بصوته ..يقبّلها باحزانه ..يلمسها بغناءه قبل ان تتوارى في الظلام ……… كان على الدوام يحلّق بصوته عند قبرها ..وعند طفولته الغافية على جرف أمومة تشّع حنانا قاسيا ! ملتاعا في انسياب الذكرى . في اجترار لحظاتها الغاربة الممعن في الغياب القاسي ..
فيما كنا انا وبوبي ، صديقنا الكلب الوديع ..ننصت بلوعة ونحن نتأخى … نتوحد في الفناء والزوال .. نتوحد في لحظات شديدة الحبّ والحميمية ..توحّد ينشر من حولنا رائحة ازهار فواحة غير منظورة ، كان يشيعها الغناء حولنا … الغناء الذي يالّف بي القلوب … بين قلبين اللذين ثلمهما العوز والفاقه ..
مازال قبر المغنّي مدفون وسط ظلوعي ..في قبو ذاكرتي ما زال يلوح عبرها .. ما زلت استرد طيفه ، استعيده باستمرار عبر مخيلّتي ..عبر ذاكرتي ..
في اول زيارة لنا انا وبوبي الكلب لمقبرة [ السكران ] هكذا كان اسم المقبرة القائمة عند ضواحي العاصمة بغداديلثم خدودها بشفاه من الغناء ..يتحسس عبر غناءه وشجونه قلبها الرؤوم..يتحسس خلال شفتيه يدها ..يدها المدودة عبر ظلام القبر ! يلثم اصابعها بصوته ..يقبّلها باحزانه ..يلمسها بغناءه قبل ان تتوارى في الظلام ……… كان على الدوام يحلّق بصوته عند قبرها ..وعند طفولته الغافية على جرف أمومة تشّع حنانا قاسيا ! ملتاعا في انسياب الذكرى . في اجترار لحظاتها الغاربة الممعن في الغياب القاسي ..
فيما كنا انا وبوبي ، صديقنا الكلب الوديع ..ننصت بلوعة ونحن نتأخى … نتوحد في الفناء والزوال .. نتوحد في لحظات شديدة الحبّ والحميمية ..توحّد ينشر من حولنا رائحة ازهار فواحة غير منظورة ، كان يشيعها الغناء حولنا … الغناء الذي يالّف بي القلوب … بين قلبين اللذين ثلمهما العوز والفاقه ..
مازال قبر المغنّي مدفون وسط ظلوعي ..في قبو ذاكرتي ما زال يلوح عبرها .. ما زلت استرد طيفه ، استعيده باستمرار عبر مخيلّتي ..عبر ذاكرتي ..
في اول زيارة لنا انا وبوبي الكلب لمقبرة [ السكران ] هكذا كان اسم المقبرة القائمة عند ضواحي العاصمة بغداد .السكران ..هكذا كان اسم المقبرة القائمة عند ضواحي العاصمة ..حيث وري التراب هناك ..في مثواه الاخير او في خيبته وفقره وتشرده وصعلكته… في خيبته الاخيرة التي ما بعدها خيبة ..خاتمة الخيبات …دفنته امانة العاصمة بحضوري ..دون ان يلازمني الكلب ..لأول مرة يتخلف بوبي عن مرافقتي ..ولكن في الزيارة التالي التي اعقبت الدفن..كان معي ، حاضرا بقوّة ..كان يقعى جوار حواف القبر ..يبحلق ذاهلا الى امتداد القبور المنثورة كعلب ترابية متجاورة في التحام حميم ..
كانت الوف القبور تحاصرنا في انتشارها الحزين . كأن موتاها يراقبوننا خلسة عبر شقوق معتمة غير منظورة … كان بوبي في حركة دائبة غير مستقرة … يتلوى في الفراغ ويندفع بخطمه نحو التراب ..يمرغ رأسه ..ثم يشرئب برأسه لأعلى رافعا أذنيه كأنه يومىء عبرهما لكلب في جوار .. ثم يفرش بدنه على الارض ممددا طرفيه الامامين … فبدا كأنه ينتظر اطلالة المغنّيفبدا كأنّه ينتظر اطلالة المغنّي … ينتظر بزوغ نجمه من سماء القاع ..من السماء السفلى ..من ترسبات الظلام ..من الاعماق السفلى المظلمة ..ينتظر خروجه من القبر ..رحم أمّنا الرؤوم ..كان بوبي وهو يتطلّع إلى القبور ..إلى تلك الامتدادت الترابية المحدودبة ..كأنّه يتشمّم رائحة صديقنا المشرّد القابع في الظلام ..في عزلة اثيرة غير متناهية ..كأنه يلمس رائحته تضوع من القبر .. يتحسسها بحاسته الكلبية النفاذّة … كأنّه يشم معطفه الاليف الرث الذي كان علامة الصعلوك المغنّي..تنبعث من القبر من الارجاء المترامية ….. فيما بدا قبر المغنّي الرث المخسوف ..
القبر المنكمش الملتم على حفنة من تراب شحيح ..يا إلهي لكم يشبه قبره ..كان فقيرا منبوذا معوزا متجمدا من الظلام والعزلة حتى في قبره ….كان القبر منحسرا لا يناسب جثة المغنّي الطويلة ..حشروه في الاعماق حشرا ..حتى في القبور تلاحقنا لعنة التمييز الطبقي …!! بدا القبر كأنه مخلوق مثلنا ..يتفرس ملامحنا ..يتملى بعينين من تراب ..كأنّه يرانا عبر الظلام …نهض بوبي ناضا عن جلده التراب وجعل يدور حول القبر ..دوران مغلق مكرر ، كأنه يشيّع المغنّي او يرثيه عبر ذلك الدوران الكلبي او اللغة الكلبية العصية على عقول البشر … كأنه يلقي عليه تحية الوداع الاخيرة عبر فاصل من الدوران الذي يشبه الرقص في المجتمعات البدائية ..الرقص المعبّر عن الفقدان واللاعودة ..كان رقص او دوران الكلب اقرب الى مراسيم تحتفي بالخلاص بالانعتاق من اغلال الجوع …………
ثم استدار ناحيتي ورمقني بعيون منطفئة وهو يدفع خطمه ، يتحسس حافة القبر ..يمسّه برفق ..كأنه يسترجع عبر خياله الكلبي طيف المغنّي ..رائحته ..بدا وهو يهش ذيله كأنه ينصت لذلك الغناء في ليالي البرد الغاربة ..ينصت كما لو ان الغناء يتدفق الآن من الاعماق السفلى …ثم استراح على قائمتيه الخلفيتين وانتصب بنصف جذعه ..واطلق عواء طويلا ضاعف من وحشة المكان .اطلق بوبي عواءا طويلا ، ضاعف من وحشة المكان ..وهو يتمّدد في الاتجاهات كلّها ….!! الاتجاهات المقفرة المنسفحة في امتدادات شاسعة …
في نهار اليوم ، اليوم ذاته ، استأجرت سيارة انا ولكلب بوبي لتقلنا إلى السوق ..
كان نهارا من تلك النهارات الكئيبة الباعثة على القنوط والشعور باللاجدوى …. كان الزحام في السوق فاترا … انا غاطس في حضن الكرسي المتحرك .. وكالعاده امد يدي في امتداد رخي تحت العيون ، عيون المارة ..امدها بصمت وانكسار ..بوبي واقف على مقربة من الكرسي ، في نهار يبعث على الضجر ، وتحت سماء كافرة في سكونها وحيادها ..
بدا الكلب في ذلك المشهد وهو يدنو من يدي الممدودة ، وهو يدفع خطمه لملامسة الكرسي ، بدا كأنّه جزء من يدي ، جزء حميم من خطواتي الضائعة ..جزء من التشكيلة التراجيدية التي رسمتّها يد العوز … جزء من البلاء الذي جسدته الطبيعة في اشد مشاهدها حزنا وانتهاكا ………. بدت يدي المبسوطة في الفراغ تحت انظار المارة المشّعة بالرثاء .. كأنها ممدودة منذ سنوات مديدة ، تستجدي المارة ..كأنها ممدودة منذ طفولتي ….. كأنها تقطع مدّيات مهولة من الزمان ، في امتدادها وفي انبساطها الشاحب .
تطوي مسافات مريعة من الفقر والحرمان والعطب والاستجداء … وعلى وجهي ترتسم تلك النظرة المشرّبة بنداء الحاجة والعوز المزمن ! العوز الكافر المشّع من بريق عينيّ الخافت … ومن قدميّ العاطلتين ..ومن ملامحي الشاحبة الناطقة بالفقر في اتعس تجلياته وخرابه …
كان نور النهار البارد المنسكب على وجهي يبرز بجلاء علامات الأنيميا الصفراء المطبوعة على سحنتي ..كنت ما ازال استجدي المارة .كنت ما ازال استجدي الماره عبر نداءات مكرّره تنبض بالجوع والانكسار ،…لما لاحت لعينيّ ……. كانت هي !!! …هي زوجتي …
يا للخوف …وكما لو إنّي غرقت في بركة من نور ساطع ..نور عرى كل ما هو كان مستورا ..
عرى ملامحي ..استطاعت ان تراني ..تراني مغمورا بنور النهار …ان ترى يدي في انبساطها الراعش ..في استجداءها .. في انكسارها المروع ..في خنوعها وسقوطها وذلّها.. في قبحها وبشاعتها ……. كان شعرها ذاته ، طويلا فاحما يتموج في ضوء النهار .
وقفت تبحلق بذات العينين اللتين كانتا تشّعان كراهية مخيفة ..كأني ارى بريقهما المشّع 
فيمرّ وجهها القديم كفكرة غامضة في ذهني … فسالت دمعتان كبيرتان حارتان ، في هطول وانسفاح مروعين تلاهما مجرى من الدموع في تعاقب شديد الانحدار …فغشيت عينيّ غيمة فاترة من ضباب …فرأيت عبر تلك الغيمة او غشاوة الضباب ابتسامة صغيرة باهتة ..ابتسامة كأنها لا ترُى ..تطوف على شفتيها الملمومتين فتزيد من وهج ملامحها المضيئة …بدت كأنها تراني عبر سنوات مجفّفة ، سنوات ما زالت تمسك بذاكرتها .. تتأجج في عينيها ..كانت هي كشعلة وهاجة من نور ، تطفو فوق الغيمة العالقة في جفوني ..هي يا للسماء …هي بذراعيها الطويلتين بقامتها الممشوقة الفارعة ..في خطواتها المستقيمة ..هي بطولها الماسك بالفضاء الراعش …….. شعرت في تلك اللحظة ان عاصفة من التعاسة والخذلان ..عاصفة من الخيبة سوف تطيح بي الى هاوية ..
فارتعدت كأني اتحرك وسط فراغ ملغوم ..ظلت يدي ممدودة ..راعشة كأنها جزء من تمثال . كأنها يد تمثال تجسد خلال انسيابها الرخو عبر الفراغ ، عمّق مجرى الهزيمة والنكوص والانتكاس ..كان قد بلغ بي الاضطراب اشده ..فملكت عليّ الدهشة حواسي …
كنت اشعر كأني ميت ..كان وجهي مدفون في وحل الانكسار ..كأنه مدفون منذ سنوات طوال …. انكسار راح يفتّت اوصالي الى ذرات ….. فاجدني انكمش واتضاءل ..اتحوّل إلى نقطة سوداء ..نقطة او لطخة سوداء …لطخة تلمسها عيناها .. مرقت دهشة نضحت بالصمت ..مرّت دهشة نابضة بالدهشة !!! على عينيّ ..مرّت غيمة من صمت ..لحظة من صمت مرت سريعا .مرّت غيمة من صمت ..لحظة صمت ..صمت مرق سريعا ، عندما طالعني [ م ] كان اكثر اناقة من ذي قبل ..اكثر وسامة وصمتا وربما حزنا ..!..كان يرتدي بنطلونا اسود وجاكته بنّية ..بربطة عنق ذات لون رمادي ..كان وجهه شديد الشبه بوجوه المكسورين ..او من انكسر في داخله شيء ما …. ، بدا وجهه رغم وسامته كأنّه لا يشبه وجهه القديم ..او كأنه خارج قانون الزمن ! ..كنت بحاجة لمعونة الله او شيء آخر اقرب إلى الرب ..كنت بحاجة لمؤازرة احد ، ما …كي ابدو متماسكا من الداخل ، .. كان يمشي جنبها يده في كفها في اطباقة حميمة تشي بالغبطة ..وفي لحظة ما شديدة اليأس ، لمح يدي ، وقعت عيناه عليَّ ..على ذلك الجزء الممدود من بدنّي ، على يدي في انبساطها المكسور ،.. على يد التمثال المعاق ! المحنّط فوق الكرسي المتحرك __ كرسي الخيبة المتحرك باتجاهات الضّياع __ امسكت عيناه بيدي الممدوده وهي تشحذ وهي تستجدي ..وهي ترسم علامة الهزيمة والانكسار في انبساطها ..
تضيء وجهه حفنة من نور وهاج ! ..نور يندلق من عين الشمس ..ذات الشمس التي كان يحلم بدفئها صاحبي المغنّي قبل ان يموت …
كان غارقا بفيوضات الشمس ، فبدا كأنه متشكّل من نورها ، من وهجها ..فازداد التمعاعا ..
كانت معه زوجتي ..او كانت زوجتي ، او زوجته فيما بعد ..او لا ادري ..كان يمشيان معا كتف الى كتف ..هي بقوامها الممتلىء وثدييها النافرين … رايتهما معا في نهار لا مثيل له ! …فتدافعت السنوات في ذاكرتي في زحام لا مثيل له من الذكريات ..ذكريات بدت كأنّها تدفق الآن ..من نور هذا النهار !..ذكريات ما زالت طريّة يافعة في عنفوان تألقها .. في ريعان عذوبتها ..في مقتبل سحرها الباذخ ….ذكريات ماقبل الحرب .. ما قبل التشّويه والانكسار والاندحار والخيبة والليالي العقيمة فوق السرير …ذكريات تجري على حافة من التوق واللهفة ..تتدفق من اقصى الذاكرة . ذكريات تجري على حافة من التوق..واللهفة . تتدفق من اقصى الذاكرة …
حالما رأيتها ، شّع في داخلي إحساس ينبض بالدهشة … كأنّي مازلت واقفا تحت سماء تلك الأيام البعيدة العابقة برائحتها … برائحة ذلك الذي شهد نهارات حبّنا الذي كان …….
النهر الذي عمّد ايام حبّنا الأولى بأريج اللهفة والتوق والسحر والجمال .. وبتلك الأرتعاشات النادرة ..
كان وجهها ما زال موردّا ..ساحرا ..حالما ..ضاجّا بذلك اللون الحنطي ..لون القمح ..المتموج في نور الشمس …….
منذ سنين حافلة بالاوجاع والتشرّد واليأس والحرمان ، لم ارها ..، اي قدر ساخر هذا الذي جعلني معلّقا على سفح الذكريات .. امامها وجه لوجه ..ليس بيننا سوى خطوات نهار متألق … نهار يمشي بخطى من نور ..كأنّه احد نهارات النهر المشمسه …نهار اججت ألقّه جذوة تلك الايام التي خبا بريقها في ذاكرتها ..
بدت وهي تسوي شعرها الطويل المحلول المتموج في الهواء ، مشغولة بمراقبتي او معاينتي ..كأنها تستعيد عبر ذاكرتها طيفي الغارب ..

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *