*محمد إبراهيم
مع اقتراب موعد عرض الفيلم الأميركي “نوح” المأخوذ من شخصية نبي الله نوح والطوفان الذي اجتاح المنطقة وقتها، تعددت الآراء والأقاويل حول عرض الفيلم، ففي الوقت الذي رفض فيه الأزهر عرض الفيلم تماشياً مع تحريم ظهور الأنبياء وتجسيدهم في السينما، وأنه يتنافى مع المقدسات الدينية وحرمة تجسيد الأنبياء، إلا أن الأزهر وافق قبل عشر سنوات وتحديداً في 2004 بالموافقة، على عرض فيلم “آلام المسيح” تمثيل وإخراج ميل جيبسون، فما الذي تغير الآن حتى يرفض الأزهر عرض فيلم عن سيدنا نوح عليه السلام؟ ويمكن القول إن رفض الأزهر لن يمنع هوليود من سعيها لإنتاج أفلام عن سيدنا موسى، والسيدة العذراء، وقابيل وهابيل، خلال السنوات القادمة.
وباستثناء النبي محمد عليه السلام، ظهر العديد من الأنبياء في أفلام قدمتها السينما العالمية، مثل سيدنا عيسى عليه السلام الذي قدمت له هوليود منذ عشرينيات القرن الماضي عدداً من الأفلام، آخرها “آلام المسيح”، الذي عرض في مصر وبموافقة الأزهر.
وبغض النظر عن الغرب وأميركا التي لا تؤمن بقدسية الرسل، فإن إيران تناولت هي الأخرى حياة الأنبياء وجسدتهم على الشاشة، ولعل أبرز ما تم تقديمه مسلسل “يوسف الصديق”، وقدمت سوريا مسلسل “عمر بن الخطاب”، وتم عرضه في الشاشات المصرية، واللافت أن السعودية أجازت عرض العمل، ونال إعجاب الكثيرين لما احتواه المسلسل من دقه في الشخصيات والأحداث.
والمفاجأة أن صنّاع السينما الإيرانية يستعدون لاستكمال المشروع السينمائي الأهم والأضخم من حيث الإنتاج والحدث الإسلامي على مستوى العالم، وهو تصوير فيلم عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وفيلم “نوح” يعيد الجدل حول قضية الدين والفن، كما تشير د. حكمت بركات أستاذ النقد الفني بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، فكلما تشرع أي جهة إنتاجية عربية أو أجنبية في تقديم فيلم أو عمل درامي عن الأنبياء، يخرج الأزهر معلناً رفضه عرض العمل الفني في مصر، نظراً لوجود اعتبارات دينية تحرم ظهور الأنبياء والرسل على هيئة بشر، وتؤكد أن رغم اعتراض المؤسسة الدينية إلا أن الوضع لا يتغير كثيراً، حيث يتم تنفيذ الأعمال وعرضها وتحصل على قدر هائل من المشاهدين.
وفي رأي د. محمد العدل عضو مجلس أمناء جبهة الإبداع الفني، أن فكرة تحريم عرض الأعمال الدينية التي تجسد الصحابة والأنبياء في الأعمال الفنية، مجرد اجتهاد شخصي من علماء الأزهر، حيث لا يوجد نص قرآني أو حديث شريف يمنع ذلك، ويشير إلى أن الأمر طالما أصبح اجتهاداً فيجب مشاركة المبدعين والمثقفين في المناقشة، حتى لا يتخذ الأزهر قراراً منفرداً يمنع عرض الأفلام الإبداعية، خاصةً وأن باب الاجتهاد مفتوح أمام الجميع منذ انقطاع الوحي، ويؤكد أن الأزهر لن يستطيع منع المصريين أو المسلمين عامةً من مشاهدة الفيلم، لوجود مواد بديلة عن السينما مثل مواقع التواصل تمكن المشاهدين من المشاهدة.
بينما تشير الفنانة إسعاد يونس، إلى أن الأزهر بمواقفه المتباينة حول تحريم عرض الأفلام التي تجسد الأنبياء في الأعمال الفنية، سيجعل المشاهدين المسلمين تحديداً متلهفين على مشاهدة الفيلم ومعرفة سيرة النبي نوح، لأن “الممنوع مرغوب” – على حد وصفها – وتقول: إن الأزهر بحجمه وقيمته الدينية في العالم العربي والإسلامي، عليه أن يعيد ترتيب أولويات المرحلة القادمة في تداخل الفن مع الدين، لأن الدين لن يمنع فكرة عمل فني من الظهور على الشاشات، وهو ما حدث مع المسلسل الإيراني “يوسف الصديق” الذي حصل على مشاهدة خيالية أثناء عرضه في مصر.
ويتفق مع رأيها الفنان أشرف عبد الغفور نقيب المهن التمثيلية، قائلاً: إن التكنولوجيا لن تمنع أحد من مشاهدة ما يحلو له في العالم، ولا أعتقد أن تجسيد الفنان العالمي راسل ركو شخصية سيدنا نوح، سيجعل المسلمين يقتنعون بأنه سيدنا نوح الحقيقي، موضحاً أن الأنبياء ملامحهم تعجز البشرية عن وصفها، وصورهم مقدسة بعيدة عن التخيّل داخل عقل كل مسلم، ولكن الفن يقدم تجربة خيالية للأحداث في العصر القديم بطريقة درامية.
في المقابل رفض عباس شومان عضو هيئة كبار العلماء، تجسيد الأنبياء على الشاشة، وأكد أن الترويج والدعاية لمثل هذه الأفلام (معصية)، وكل من يساعد على انتشار الأفلام التي تجسد الأنبياء من المسلمين (آثم)، نظراً لقدسية الأنبياء، وأنهم منزهون عن التجسيد البشري.
_______
(خدمة وكالة الصحافة العربية)