الاحتلال الثقافي للغة والمرأة…


*سناء الحافي

باعتبار أن اللغة تتبع السلطة، وبما أنني لا أملك سلطة التقييم والنقد على الاخر، بدأت بنفسي، بالبحث في هموم اللغة العربية واشكالية البناء والتكوين الفكري لدى المرأة التي تشهدها الساحة العربية حاليا بسبب طفرة النص النقدي، فكثيرًا ما أتساءل وأنا أقرأ نصوصًا شعرية لشاعرات عربيات ماذا لو حرصن أكثر على الاعتناء بجودة النص بكل تفاصيله قبل النشر والطبع… 

فكانت نقطة البداية في هذه المقالة من عودة انتشار الآرامية والعربية الى الارهاصات التي تواجهها اللغة العربية وفكر المرأة في كنفها، واعتبارا ان الآرامية والعربية انتشرتا بلا قوة سياسية وعسكرية، فاللغة العربية انتشرت بقوة السلطة، ولكن كلمة السلطة هنا لا تعني السياسية والعسكرية وإنما سلطتها هي : سلطة العقيدة، وسلطة الدين، ،لنستنتج بذلك أن العربية لم تنتشر بقوة السلطتين السياسية والعسكرية، لكن الأمر اختلف بعد السبعينات،، ففي غضون ثلاثة أعوام حيث تمّ تعريب عدد كبير من المفردات وكانت حركة النشر والترجمة والتعريب في أوجها، وهذه من إيجابيات الوحدة التي غُيّبَت عنا مع الأسف، وعليه فلابد للنهضة أن تنتكس حين لم يتم بناء مؤسسات دولة وليس مؤسسات نظام، وصرنا لا نكتفي بعدم التعريب بل رحنا نكتب أسماء الأفلام والمسلسلات وغيرها بلغتها الأم،. ….وهذا هو الاحتلال الثقافي الطارئ على لغتنا الأم والذي اعتبره العلامة جواد علي أخطر أنواع الاحتلال….
لكن هذا الاحتلال الثقافي لم يؤثر على الفكر العام بقدر تأثيره على فكر المرأة وإنتاجها الابداعي لانصياعها لرغبة السلطة والدين ،فلطالما كانت هي التابع لمزاجية السلطة وهنا أعني سلطة الرجل / المجتمع- وتطويقها في الثالوث المحرم للكتابة والابداع والذي يتمحور حول الدين والجنس والسياسة بالرغم من سوء فهم لهذا الثالوث واعتباره قدرية عليها الالتزام بحدودها ضمنيا وفعليا، لكن في حقيقة الامر الإسلام ناقش هذا الثالوث ونظم العلاقة بينهما كما في القرآن الكريم، كعملية لتنظيم العواطف سواء في السياسة او الجنس وحدد الكثير من مسار الصراعات ووضع بصمات الاحداث بكل حكمة، وهذا ما يتجاهله العديد من المثقفين أو مدّعي الثقافة …هدفا منهم بتحجيم فكر المرأة في إطار الشرعية والمشروعية …لتصبح كل الخطوط حمراء لها ولا يمكنها تجاوزها، حتى يقتصر فكرها على الانطلاق من الذات والعودة اليها …مرغمة، لارضاء السلطة والدين الذي في واقع الأمر كرّمها، لكنهم اقتصّوا منه ما يشاؤون من حكم تجعلها حبيسة التقاليد المجتمعية تحت مسمى عيب و/أو حرام-، لأنها من فئة يجب أن تدحرج رأسها بلا تفكير بقمع كل أمر يخالف عادات قبيلتها التي نشأت تحت مظلتها ،فكل عادة مقدسة ومنزهة لا يجوز نقضها والخروج عليها حتى لو كان للصالح العام ولمواكبة متطلبات الحياة، فالذاتية المستفحلة في الفرد المقهور والمجتمع المقهور لا تخلق حالة الانفتاح على الآخر، بل تجعل نظره قاصراً على نفسه ومحيطه، وبذلك ينتج عن التعصّب هذا الانكفاء، لأن المتعصّب لا يتحرّى الصحة، بل ينشد ذاتيته ويطلب الانتصار على فكر المرأة بشتى أنواع المغالطات والمكابرات… 
فكيف لنا ان نتخلص كنساء من الذاتي حين نكون محاطات بهالات متعددة من التوق القمعي للنفس والابداع ،والتخلص من الانا ومن الذات وصولا الى النسيج الاكبر في الموضوعية من أجل بناء نص يحاكي المجتمع من خلال نظرتنا الفكرية حتى وان كان بالاسلوب الجمعي ليصل بالنتيجة الى العمق الانساني في التجربة مع الاخر من خلال شفرات مهمة تخاطب المجتمع وتمتص وجعه، هدفا للتخلص من تضخم الانا الموجودة في الذات الذكورية !
وان كانت اللغة والمرأة …أسيرتي الاحتلال الثقافي في مجتمعنا العربي، فقد استهدف هذا الاخير بذلك عمق وأمومة الأشياء وكينونتها بالأصل والفصل، وجعل منهما لقمة سائغة في فم الغرب، لأن التجرد من المؤسسة الذكورية استنكارا وجحودا في حق الهوية ككل، لتصبح بذلك الفجوة أكبر بين ثقافة المرأة ومجتمعها مما يفسر انفصالها عن تطوير اللغة وتوظيفها في فرض ذاتها الفكرية من خلال كتابات تستحق فعلا الوقوف عندها والاشادة بها …لذلك نجد أن ما هو مطروح في الساحة الأدبية بأقلام الكاتبات هو عبارة عن خواطر متناثرة متصبغة بالألم والهيام والحاجة للاخر كي تكتمل صورة الضعف والدونية التي ما زالت لصيقة بها … لأنها ما تزال محط إسقاطات الرجل السلبية، وهي تُدفع نتيجة لذلك إلى أقصى حالات التخلّف والانسلاخ من ثقافتها، ولكنها من هوة تخلّفها وقهرها ترسّخ بذلك تخلف البنية الاجتماعية من خلال ما تغرسه في كتاباتها من خرافة وانفعالية ورضوخ…
__________
*كاتبة فلسطينية/القدس العربي 

شاهد أيضاً

سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في أبوظبي للكتاب

(ثقافات) سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في جناح مؤسسة العويس بمعرض أبوظبي للكتاب   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *