جثة أخرى لهذا التابوت


*رتيبة كحلان

( ثقافات )

تنعطف النظرة نحو الباب 
ثمة يد تطرق الباب باحتشام 
ثمة قدم أخرى تستأذن لتدخل العزاء 
يُفتح الباب 
امرأة يبكي معها السواد الذي ترتديه 
النظرات تفتش في ملامحها عن قرابة ،
عن سبب مقنع لحزنها فمن يدخل العزاء في مثل هذا الوقت المتأخر للبكاء لا بد أن يكون قريبا
التابوت مفتوح .. والجثث فيه لا تعترف لا بالدور ولا بالنظام
تملؤه عن آخره 
وبعضها يكاد يسقط نحو الخارج 
تُقرأ الأدعية 
يُسكب الحديث باردا ولا يعرف المأتم الملل 
ثمة مزيد من المعزين .. لمزيد من الجثث 
المرأة تجلس في الزاوية 
بعيدا عن الاهتمام .. بعيدا عن اللطف المفتعل الذي يزرعه الموت فجأة في النفوس
لها صمتها ولهم حزنهم البارد الذي ينبع من التعود 
لها دمعها المتردد، المرتجف ولهم جهلهم بها 
كمن ينتظر الموت بصدر راض قامت ووقفت وسط الجمع الهادئ إلا من البكاء
ركضت إلى التابوت بعد أن وصلت الجثة الأخيرة 
رفعت عن وجهها الستار الأبيض 
قالت: “علمت أنك ستكون هنا 
قلب الأم يا ولدي سار بي إلى هنا 
بكيتك قبل أن تموت، قبل أن تجتمع بغيرك في هذا التابوت
أنت لم تُخلق للحياة … الطويلة 
لا تترك يا ولدي التابوت فارغا 
خذ هذا حزني وحزن الباقين 
وحزن التاريخ و حزن ………
لن نسأل القاتل عن دمائكم 
يكفيه ألا يجد تابوتا يقبله”
وقفت وعادت من حيث أتت 
تركت المأتم يضيق والجثث تتكاثر 
وفجأة .. انفجر المأتم 
بما فيه .. بمن فيه 
تطايرت قطع التابوت 
أكانت هي من انتقم من كل شيء ؟
حتى من الموت ؟ …… ربما 
لكن الريح لم تكترث لكل ذلك 
بعثرت ما تبقى في المكان 
وحملت رائحة الموت 
إلى زمان آخر .. إلى تابوت آخر
_______
*أديبة من الجزائر

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *