*ابتسام القشورى
( ثقافات )
إنّ من أبرز تعبيرات وتجسيدات الحب هي القبلة والتقبيل سواء كانت بين العاشق والمعشوقة أو بين الأم وأبنائها أو بين الإخوان أو بين ايّ متحابين. فالقبلة كفعل إنسانى متجذر في عمق التاريخ وبما أنها جسر للمحبة فقد تناولها العديد من الشعراء والأدباء والرسامون والسينيمائيون فى أعمالهم فكيف تناولت الآداب والفنون القبلة والتقبيل ؟ هذا ما حاول صالون الديكامرون الإجابة عليه فى حصته الأخيرة حول غرفة ” غوستاف كليمت” ولقد قدّم الحصة الباحث فى الفلسفة عدنان الجدي بمشاركة الروائي كمال الرياحى ولقد شارك فى النقاش ثلة من الكتاب و المثقفين.
ولقد انطلق الجدي بتقديم المدونة التى اعتمد عليها فى بحثه نذكر منها “قبل السينما”لايريك فوتورينو ” آداب التقبيل :اجمل قبلات الاعمال الادبية ” لفليب سولار ” القبل ” لسارج برينلى وجون كولان و”الكراس السوداء” لجون بوسكاي ….واضاف كمال الرياحى الى هذه المدونة بعض المصادر العربية فذكر كتاب “القبلة ” للكويتة فوزية الدريع مجموعة شعرية لزاهي وهبي بعنوان ” تعريف القبلة ” القبلة الاخيرة مجموعة قصصية للمصري عبد الغفار مكاوى واكدّ الرياحى ان الأدب القديم شعرا وادبا تناول هدا الموضوع ايضا من خلال اعمال السيوطى وغيرهم .
وافتتح الجدي هذا الملف بتاريخ موجز عن القبلة فأكدّ انّ القبلة فى المخيال الإنسانى أساسها ديني مع اليهود الذين يعتقدون أن اول قبلة هو تقبيل الله للبحر ثم تحدث عن القبلة المحرمة عند المسيح إلى أن وصل إلى قبلة الخيانة مع ياهودا وكان هذا الأخير موضع استلهام للعديد من الأدباء الذين اقتبسوا هذه القصة وتناولوها فى اعمالهم مثل الفرنسي ايبار برولونجو فى روايته الشهيرة “قبلة ياهودا ” واضاف الباحث ان القبلة هي وعد بان المستقبل سيجمع بين هاذين المتاحبين وهذا ما جعله ينتقل الى العنصر الثانى من الحصة وهو” سياسات القبلة الادبية من الوعد الى الوعيد ” واستعرض خمس نماذج لتوصيف القبلة وبدأها بمارسال بروست فى كتابه الشهير “البحث عن الزمن الضائع” حيث يصف قبلة تمتد على ثلاث صفحات ثم تعرض لنموذج فكتور ايغو الذى وصف القبلة العاطفة الطفولية ثم نموذج هنرى ميلر وقبلة ضربة المنقار ثم نموذج القبلة الشبقية المستحيلة من خلال الكراس السوداء لجون بوسكاي هذا الكاتب الذى تعرض لحادث مرور جعله غير قادر عن الحركة بالمرة وهذا ماجعله يحلم بتلك القبلات المستحيلة ثم النموذج الأخير لفيرجنا وولف التى رغم قصصها العاطفية الكثيرة الا انها فى مذكراتها لم تتعرض لحياتها الحميمية ولكنها تعرضت لموضوع القبلة عندما وصفت قبلة محرمة راتها فى حلمها هذه القبلة التى ادخلت عليها الذعر وهذا ماعبر عنه الباحث بالوعيد . ويضيف الجدي معلومة طريفة عن سارتر الفيلسوف والاديب الفرنسى الذى رغم جرأته فى تعرضه لحياته الحميمية الا انه لم يتعرض لهذا الموضوع
ومن خلال فيديو ثان لاشهر القبلات فى السينما الغربية ينتقل الجدي للمحور الثالث فى برنامج الحصة وهو التقبيل فى السينما ليستعرض اهم تطورات القبلة من اول قبلة الى تنوعاتها عبرالزمن وتطوراتها المكانية من الفضاءات الخاصة والحميمية الى الفضاءات العامة ويقول الجدي ان السينما اخرجت القبلة من الحميمية الى الكشف وتعرض من خلال هذا الفيديو الى تطورات القبلة وانواعها من القبلة الفرنسية الى قبلة الاغراء قبلة الدراما والكوميديا الى ان انتهى الى قبلة الافلام البولسية وقبلة النصر خاصة مع افلام جيمس بوند واكد ان هذه النماذج تسيطر عليها المبادرة الذكورية الى ان تطورت الامور فى السنوات الأخيرة خاصة مع السينما النسائية التى قلبت المعادلة واصبحت المبادرة تأتى من المرأة ثم اقترح الباحث فيديو وثائقى آخر عن القبلة فى السينما العربية حيث اكد هدا الشريط ان القبل فى السينما العربية ابدأت من الاربعينات والخمسينات وحتى الستينات وبالتالى كانت اسبق من السينما الهوليودية ولم تكن تمثل هذه القبل اشكالية لا للممثلين ولا للمتقبلين وجسدها فى تلك الفترة كل من فريد الاطرش وعبد الحلم حافظ ورشدى اباظة اما فى الممثلات فكان نصيب الاسد لشادية ونادية لطفى وصباح ولكن هذه التلقائية التعبيرية تراجعت فى السينما المعاصرة خاصة فى نهاية التسعينات فاغلب الممثلات يرفض التقبيل وظهر فى ذلك الوقت مصطلح “السينما النظيفة” مما اجبر العديد من المخرجين والمخرجات الى استيراد ممثلات من بلدان اخرى ليقمن بمثل هذه الادوار
وينتهى الجدي الى آخر محاور الحصة “جمالية القبلة فى الفنون التشكلية “التى بدأها بمنحوتة النحات الفرنسى الشهير” رودان” والذي اشتهر بالعديد من التماثيل مثل” المفكر “و”القبلة “موضوع الدرس والتى مثلت علامة فارقة فى عالم النحت صور فيها رودان قصة عاشقين باولو وفرنشسكا وهما عاشقان بنفس رتبة روميو وجوليات والاهم انه جسد قسمات الوجه والارتخاء التى شعر بهما العاشقان لحظة القبلة. ومن رودان الى الرسام النمساوى الكبير غـوستـاف كليـمـت من خلال لوحة” القبلة ” من اشهر الأعمال الفنية العالمية التي أنجزت في القرن العشرين و كثيرا من نقاد الفن لا يتردّدون في تصنيفها ضمن افضل خمس لوحات في تاريخ الفن التشكيلي العالمي كلّه وقد أصبحت هذه اللوحة رمزا للأمل ومرادفا للجمال الأنثوي والانجذاب العاطفي بين الجنسين في “القبلة” كما في أعمال كليمت الأخرى، ثمّة استخدام لافت للألوان الداكنة والخلفيات الذهبية والخطوط الزخرفية والعناصر الايروسية. ثم اخيرا القبلة لبيكاسو فى الفن التكعيبي التى جسد ر فيها زوجته الثانية جاكلين فى قمة الانوثة والجمال وتتمثل عبقرية بيكاسو فى انه لم يلتزم باي مدرسة فنية بل رسم الكلاسكية والكلاسكية الجديدة والسريالية والتكعبية وحول الفن الى لغة وحياة وفلسفة .
هكذا يتم جدي كل محاور الحصة ليترك المجال بعد النقاش الى صالون نهج السرد ورشة الكتابة السردية مع الكتّاب الذين يستثمرون ما يقدمه صالون الديكامرون من غرف لكتابة نصوصهم و الذى انطلق بقراءة نصين الاول لحورية غربي بعنوان “لقاح النص”فى غرفة نيشة وقرأ هشام الرضوانى نص بعنوان” صورة مايتا” فى غرفة فان كوخ وتدخل الحضور لمناقشة هذه النصوص فاشاد عدنان الجدي بالصبغة الحوارية للنص الاول وبالتالى تنويع انماط الكتابة وكذلك بجودة اللغة المستعملة لكنه لاحظ غياب الحدث ويضيف الكاتب ايمن الدبوسي فى نفس السياق على ضرورة التخلى عن الاستظهار اللغوى وكثرة الاستعارات والمجازات للاعتناء اكثر بالحدث الدى يجب ان يكون فى الاحداث الواقعية للاقصوصة لا فى اللغة واكد الرياحى على اهمية تنوع الانماط الكتابية الذى اعتبره نقطة ايجابية لكنه اكد على ان النص الحوارى له آدابه وشروطه فان الحوار لا بد ان يكون متوازنا وعليه ان يعتمد على الجمل القصيرة والمكثفة وان يكون تراشقا بين شخصتين لا ان تستأثر شخصة بالكلام على حساب الأخرى واضاف الى ان الاقصوتين لم تعتنا بالحبكة لدلك قدم لهم افكار واقتراحات ومنطلقات جديدة لتصحيح المسار
وتنتهى الحصة باعلان الجدي والرياحى عن الغرفة المقبلة التى ستكون مخصصة لماردونا أي كيف تعاملت الآداب والفنون مع كرة القدم .
________
*كاتبة من تونس