إمتنان الصمادي *
خاص ( ثقافات )
مكالمة هاتفية..رنت لها أوصالي ،عندما سمعت صوتك يردد بحنان : ماذا تريدين يا عزيزتي ؟ أرجو أن تطلبي شيئا أحققه لك؟
تجرأت وقلت: أتمنى أن أجلس معك ساعة…ساعة فقط، حتى أبوح لك بما لم أبحه لنفسي .!
توقعت مجيئك، فجئت، هيا ارتدي ملابسك بسرعة سوف نخرج في نزهة تستغرق ساعة كما وعدتك، لقد قطعت مسافة أربعمائة كم من أجل ساعة…هيا بسرعة…
ماذا أرتدي؟ وأي لون يناسب حديثي وأشجان قلبي ؟ احترت لكن حيرتي لم تطل عندما أدركتني عقارب الساعة محذرة.
أنا جاهزة ، هيا لنخرج قبل أن تتبخر أحلامي ، ويذوب فؤادي على نبض متصلب ينتظر مجيئك أشهرا عديدة ، الآن سوف أسرح عيني في عينيك. أشكو لهما وأسمع منهما شكوى أيضا ، فهذا زمان لا يفرق بين الصغير والكبير بين الذكر والأنثى أو قل بين الأب وأبنائه، ولا تعجزه المسافات التي بيننا ليمارس قسوته…!إنني أحترق وعقلي ما عاد يستوعب أيامي ! وعجزت ذاكرتي عن تسجيل يومياتها ، فبدأت الذكريات تدفن الذكريات …….
لن نخرج …إنني أختنق لا أستطيع أن أطفئ ما في جعبتي، أرجو أن تتفهم خوفي من هذا العالم وأنت بعيد عني !أرجوك أريد ساعة…ساعة فقط أعدك بأن أخلع ساعة يدي وأضعها أمامي على الطاولة لتذكرني بحجمي الحقيقي كلما جرفني الحديث ،لارتد إلى الساعة!
– لقد دعاني بعض الأصدقاء لحضور فيلم جديد، يجب أن أذهب لمشاهدته برفقتهم لقد أوقعوني في حرج، ولم أتصل بهم إلا للسلام عليهم والآن اعذريني لا أستطيع الانسحاب…عليك أن تتفهمي موقفي ، فأنت التي تقدر الأمور دوما، سوف أعود مبكرا ونجلس معا، فلدي الكثير من الأخبار أود أن أحدثك بها ،لأنك فتاة ذكية جدا وجميلة أيضا… غمزني بعينه وهو يدير ظهره قائلا:
– سوف أعود سريعا، وتتحدثين كما تشائين ،لن أتاخر!
وأنا لن أبوح بشيء اذهب كما تريد ،وتمتع بوقتك ما شئت فحرام على تلك المسافة التي قطعتها أن تضيع دون استثمار ؟!
ولي أن استثمرها أيضا ،”شيطان في الجنة/هنري ميللر”أول ما وقعت عليه عيناي، تناولته وبدأت أقلب الصفحات عبثا،المهم ألا أنكسر أمام قلبي …
ساعات طوال وأنا أنتظرك …أسر لنفسي بأنني لن أتحدث إليك لكنني أنتظرك …في كل مرة جلسنا فيها معا، كنت تبدأ الحديث أنت وتنهيه أنت ويضيع منتصفه بالإشارة إلى صمتي وضرورة الخروج على هذا الصمت والتحدث عن همومي ومشكلاتي إذ لا بد كما تقول لي دوما لصدى الحياة الجامعية الجديدة -التي أعيشها- أن ينعكس على حياتي العلمية والعملية
كنت دائما أستمع لشكواك، وأتفاعل معها بكل ما اوتيت من إحساس ، وأخفف عنك قدر ما أستطيع لا بل فوق ما أستطيع لتخرج مرتاحا مسرورا ، وأنت تقول بفرح: في المرة القادمة سوف أكون المستمع وأنت المتحدثة …أبتسم ويبدأ قلبي بالتقاط الصور لكل الأشياء حتى أخبرك بها عندما نلتقي … لكن الصور تتراكم ، وتضيع عبرذكريات باتت تتعفن في غرفة مظلمة…
قالت جدتي بحدة :هذا لقاء يجمع أصدقاءه من شباب المدينة هل تريدينه أن يأخذك معه ويجلسك بين أحاديثهم بصفتك ابنته المدللة؟ أو لعلك تريدينه أن يتراجع عن كلامه أمامهم؟ بنات آخر زمن!
تخليت عن حدتي ، وأطرقت مستسلمة ، ولربما كانت هذه هي المرة الأولى التي أستسلم فيها لنقاش دون نقاش.
جئت بعد منتصف الليل ، كانت عيناي مغمضتين ،على ما تبقى من دموع ، ويداي غائرتين في صفحات الكتاب . صوت جدتي تقول: لماذا تأخرت إنها نائمة
لست نائمة يا جدتي ، وما زلت أنتظر بين رجيف القلب وعقم اللسان
– سوف أراها في الصباح ،أنا متعب الآن …
ضربات خطواته ترتفع باتجاه غرفتي ، فتح الباب، لست نائمة، يالحسن حظي!! ، اقتربت وجلست بجانبي بحنانك المعهود ، بدأت تتحدث برموز غامضة، دون مقدمات ، استمعت إليك بحرص ، كعادتي، لأنني إذا أخلصت يوما، فإن إخلاصي شرس قاتل لا يرحم نفسه”.
إنها زوجتك هذه المرة ، فأنت لا تستطيع أن تستمد من بريق عينيها بريقا خاصا يشكل لك الرؤية الاجتماعية التي تتمنى…
عدت لكلامك الجميل وصوتك الحنون ، وأخذت تثبت أن الحياة الزوجية كذبة كبيرة، وسراب نركض وراءه، وعندما نصل إليه نجده قد تنحى إلى مكان آخر لنعاود الكرة- باسم الأمل- نلهث خلفه.
أخذت مشاعري تحدثك وعيناي تواسيانك ،وشفتاي تدعوان لك…
صوت جدتي من المطبخ:العشاء جاهز…نهضت باسم دعوة العشاء هذه المرة، والجيد منك أنك اغلقت الباب خلفك، حتى لا يسمع أحد صراخ فؤادي بعدك.
لن أبحث عن رفيق جديد لروحي العطشى التي لا شك ستيبس أوراقها عندما تلسع الشمس وجعها …الآن فقط قررت أن أبكي بصوت عال، لعلي أغسل خطيئة نفسي التي اقترفت منذ سنين وهي تنتظر أملا أن تبوح بسر روحها ، ووجع قلبها المخنوق بكل الآهات عله يصير صوتا جميلا؟؟؟
فتح الباب مرة أخرى ليقول :سوف آتي في الشهر القادم ونجلس معا وتتحدثين…أغلقت عيني وهو يتحدث، ولأول مرة أسررت: ليتك لم تأتِ………ليتك لم تأتِ.
* قاصة وأكاديمية أردنية تعيش في قطر