حنان عقيل
“الكتب الأكثر مبيعا”، مصطلح يجذب انتباه القراء لاقتناء عدد من الكتب التي تمّ سطرها في هذه القائمات، وربما تحمل دلالة لدى القارئ بأن هذه الكتب دون غيرها لديها من الجودة والإتقان ما يفصلها عن غيرها من الكتب غير المدرجة في مثل هذه القائمات، فيزداد الإقبال عليها بشكل كبير، وسط تساؤلات من النقاد عن مدى جودة هذه الكتب، ومدى مصداقية القائمات، والإحصائيات التي تقوم بها دور النشر للخروج بالكتب المدرجة في هذه القائمات دون غيرها، وعن الدلالات التي تحملها قائمات الكتب الأكثر مبيعا في العالم العربي من تعبير عن ذائقة القراء في فترات زمنية متباعدة.
في مصر، يحرص عدد من دور النشر على إعلان قائمة بالكتب الأكثر مبيعا خلال فترات متقاربة، ربما تكشف هذه القائمات عن ميل القراء نحو كتب بعينها خلال فترات معينة، فمؤخرا، أدرجت دار الشروق المصرية قائمة بالكتب الأكثر مبيعا خلال هذا الأسبوع، وتضمنت القائمة روايتي الكاتب أحمد مراد “تراب الماس″ و”الفيل الأزرق” المرشحتين لنيل جائزة البوكر، وعددا من الروايات الأخرى لكتاب مثل يوسف زيدان وعلاء الأسواني، فضلا عن عدد من الكتب الساخرة، وكتب السيرة الذاتية، حيث يأتي كتاب “عشت مرتين” للكاتب حمدي قنديل، على رأسها.
وفي معرض القاهرة الدولي للكتاب، كانت الروايات والكتب الدينية والكتب الساخرة هي الأكثر مبيعا طوال أيام المعرض في عدد من دور النشر، في حين كانت الكتب المتناولة لتاريخ جماعة الإخوان مثل كتب “حسن البنا” هي الكتب الأكثر مبيعا في عدد آخر من دور النشر.
البداية
تعود بداية إحصائيات “الكتب الأكثر مبيعا” إلى عام 1889 حين أصدرت صحيفة «كانساس تايمز» بولاية ميسوري الأميركية قائمة بالكتب الأكثر مبيعا، وكان وضع الكتاب في قائمة «الأكثر مبيعا» يعتمد على تقييم المجلة وليس أرقام المبيعات حيث كانت الكتب تطبع بأعداد قليلة في ذلك الوقت.
ثقافة الجمهور
تقول أستاذ النقد الأدبي، أماني فؤاد، لـ”العرب”: الكتب الأكثر مبيعا ليست بالضرورة هي الأكثر جودة، ولكن هذا لا يعني أن نغفل توجهها والذي سيعكس اهتمام القراء بتوجهات معينة، ويوضح احتياج القراء إلى نوع معين من الكتب، ولكن في كل حال لا يمكن الجزم بأنها هي الكتب الأفضل فنيا وفكريا.
واستطردت “في حالة كون الإحصائيات عن الكتب الأكثر مبيعا دقيقة بشكل كبير، يمكن الاعتماد عليها لمعرفة رغبة القراء في قراءة نوع معين من الكتب، فلجوء كثير من القراء لشراء كتب تتحدث عن تاريخ جماعة الإخوان أو تنتقدهم يعبّر عن توجّه الجماهير الرافض لهم في هذه الفترة”.
وأكدت فؤاد أن الدليل الأكبر على كون قائمات الكتب الأكثر مبيعا ليست هي الأفضل فنيا هو إدراج روايات الكاتب المصري أحمد مراد ضمن هذه القائمات قائلة “لا تتمتع روايات أحمد مراد بالعمق الكافي سواء على مستوى الفكرة أو التقنية، ولكن كونها أكثر مبيعا تدل على أنها الأكثر قربا من ثقافة الجماهير وليست الأعمق”.
واستبعدت فؤاد أن تكون لجان التحكيم في الجوائز الشهيرة مثل البوكر متأثرة في قراراتها بمثل هذه القوائم قائلة “المحكمون في الجوائز متخصصون ولا يتأثرون بمثل هذه القائمات، حيث يحكمهم مدى وجود فكر ورؤية داخل العمل الأدبي”.
وأبدت فؤاد شكها في مدى مصداقية الإحصائيات المتعلقة بالكتب الأكثر مبيعا لافتة إلى أن أغلبها ليس دقيقا، حيث نعاني من فوضى إحصائية، كما أن دور النشر من الممكن أن تصدر إحصائيات خاصة بها بهدف الترويج لكتب بعينها في ظل عدم وجود رقابة على إصدار مثل هذه القائمات.
اختراق المحرمات
وفي ما يتعلق بالروايات الأكثر مبيعا، عزا البعض ارتفاع مبيعات بعض الروايات المتعلقة بالخيال أو الجريمة، في حين يرى آخرون أنها تتعلق بمدى اختراق الرواية للمحرمات في المجتمع، وهو الرأي الذي تتبناه الكاتبة السورية رشا المالح حيث ترى أن مبيعات الرواية في العالم العربي ترتفع حال اختراقها المحرمات أو منعها من قبل الرقابة، فمنع رواية مثل «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر في الثمانينات للمساس بالدين، و«اللجنة» للأديب المصري صنع الله إبراهيم للطرح السياسي الجريء في الثمانينات، تسبب في زيادة الإقبال على قراءة مثل هذه الروايات.
معايير غير ثابتة
في حين يرفض آخرون وضع معايير ثابتة للكتب الأكثر مبيعا نظرا لاختلافها من دولة إلى أخرى، وهو ما يراه الكاتب المصري خالد الخميسي الذي أشار إلى استحالة الاعتماد على فكرة الكتب الأكثر مبيعا لحداثة الظاهرة، وعدم وجود دراسة تؤكد مدى مصداقية مثل هذه القائمات.
أما الناقد الأدبي، يوسف نوفل، فقد أكد في تصريحات خاصة لـ”العرب” أن الحكم على جودة العمل الأدبي يكون عن طريق لجان التحكيم العلمية والنقدية المتخصصة، وليست أحادية الآراء، وأن تكون هذه اللجان مكونة من ثلاثة أفراد على الأقل لضمان نزاهة الآراء وشفافية الأحكام، أما توزيع الأدوار بعشوائية وإطلاق أحكام مطلقة يندرج تحت باب المجاملات والدعاية، ولا تندرج تحت الأحكام النقدية.
ولفت إلى أن مثل هذه القائمات تعبّر عن ميول القراء مشبها إياها بالبهارات التي تجعل الطعام شهيا، وتستثير غريزة الجوع، لتقدّم وجبة نصفها من السموم، وبالتالي فهي لا يمكن بأي حال أن تعطي مؤشرا للجودة، فالعديد من الأعمال الرديئة طبع منها عديد الطبعات في عدّة أيام، في حين أن أديبا بحجم نجيب محفوظ كان يكافح من أجل أن تتكرّر طبعات أحد أعماله.
تقنين القائمات
وشدّد على ضرورة تقنين إصدار مثل هذه القائمات عن طريق الاستناد إلى لجان تحكيم متخصصة، لفحص الأعمال المدرجة ضمنها خاصة في ظل عدم دقة الإحصائيات عن الكتب الأكثر مبيعا من قبل بعض دور النشر.
وعن مدى تأثر لجان تحكيم الجوائز بمثل هذه القائمات قال نوفل: “لا أستطيع أن أحكم عن مدى تأثر لجان التحكيم بهذه القائمات، ولكن حدوث ذلك هو كارثة بكل المقاييس، وأعتقد أن لجان التحكيم في الجوائز لا تنخدع بالترويج الإعلامي، حيث لا بدّ أن تستند اللجان إلى المعايير الفنية والضمير الشخصي”.
_______
*(العرب) بالتعاون مع وكالة أنا برس