جوديس:التصوير بالأسود و الأبيض ينشّط الخيال أكثر


ترجمة / عادل العامل

كان معرض الفنان الإيطالي ميمو جوديس Mimmo Jodice الأخير في كندا مشروعاً خاصاً يتألف من 50 صورة فوتوغرافية بالأسود و الأبيض بالحجم الكبير، يبيّن رؤية المصور لمدن بارزة عديدة في العالم : نابولي، روما، فينيسيا، موسكو، طوكيو، نيو يورك، بوسطن، ساو باولو، باريس، مدريد، بروكسل، لندن، لشبونة، برلين، و مونتريال. و قد أجرت معه مجلة ” بانوراما إيطاليا ” حواراً حول معرضه و تجربته في فن التصوير الفوتوغرافي :

* / ما هو التقرير الذي يحافظ على نتاجك الفني مع الإنسانيات، مع الحياة اليومية؟
-/ حتى و نتاجي الراهن يبدو بعيداً عن الجوانب الإنسانية و الاجتماعية، ففي الحقيقة كل هذا الذي أحاول أن أعكسه هو واقع إنساني و تاريخ للماضي. ليس فقط في عملي المتعلق بالعمارة، و إنما في ذلك المتعلق بالنحت و الذكرى أيضاً.
* / و ما الذي يجتذبك أكثر من أي شيء آخر في طريقة حياتنا : شكلها ( العمارة )، أم مضمونها ( البشر )؟
– / أعتقد بأن الاثنين مترابطان بشدة. فلا يمكننا التحدث عن الشكل بصرف النظر عن المضمون.لأن المضمون هو الذي يعبّر عندئذٍ عن الشكل. و كلاهما مهمان جداً أيضاً عندما يصل الأمر إلى إبداع أعمال فنية. و هذا ينطبق على كل أشكال اللغة ــ في السينما، في الفن، في الكتابة … فإذا أخذنا هذا المثال الأخير، فإن الكاتب يحتاج إلى معرفة أن يكتب بشكل جيد، لكن و أن تكون لديه كذلك أشياء يقولها. فلا يوجد أحدهما من دون الآخر و كلاهما يجب أن يتضمن المشاركة في الروعة.
* / أنت مفتون بعلم الآثار و آثار العصور القديمة. ما الذي ما يزال يمكن معرفته اليوم عن هذه الحضارات الماضية؟
– / إذا ما تأملنا و نحن مذهولون أعمال الماضي الفنية، فلا يمكننا الإعجاب إلا بجمالها. أما في حالتي، فإن عمارة الماضي و منحوتاته طريقة حياة في ذلك الماضي. فوجوه التماثيل التي ألتقطها في الفيلم تعبّر أيضاً عن الأحاسيس التي في زمننا : الحب، الكبرياء، السعادة، الألم، إلى آخره … لأن التاريخ ظل على الدوام هو نفسه و سيكون هكذا.
* / غالباً ما تكون صورك الفوتوغرافية مليئة بدراما تستحضر لوحات الفنان الإيطالي كارافاجيو ( 1571 ــ 1610 ). هل تعتبر نفسك مصوراً من ” النهضة renaissance “؟
– / بدون شك. لقد قيل عني إني استطعت حقاً أن أكون تلميذاً لكارافاجيو، بل كنتُ سأكون ربما صبياً متمهّناً لديه. و هذا إدراك مهم يمسني و يجعلني أقول بمعنىً ما إنني ” إعادة ولادة ” لمصور فوتوغرافي.
* / التصوير الفوتوغرافي مرادف للضوء. فلماذا فضَّلتَ الصورة بالأسود و الأبيض؟
– / إن السبب الأساسي في ذلك أن اللون يجلب رؤية معينة للواقع. و الأسود و الأبيض ينشّط الخيال أكثر.فلو صوَّرتُ شيئاً وردي اللون بصورة ملوّنة، فإنه سيُرى على هذا النحو. في حين أنني لو رأيته في صورة بالأسود و الأبيض، فإنه سيظهر باللون الرمادي. أو، إنه يمكن أن يكون أيضاً سماوياً، أو أحمر أو أخضر. فالأسود و الأبيض بالنسبة لي خيار إبداعي. و من وجهة نظر تقَنية، فإن التصوير الفوتوغرافي الملوَّن لم يكن موجوداً بعد، حين بدأتُ عملي.
* / إن التصوير الفوتوغرافي شكل فني في بُعدين. فهل تريد أن تقول إن الخيال هو البعد الثالث؟
– / تمتلك الصورة ذات البعدين معنىً قليلاً بذاتها. و البعد الثالث الذي أحاول نقله في عملي هو البعد الروحي الذي يمتلك عمقاً معيناً. و بالتالي يمكننا الدخول في صوري الفوتوغرافية نتيجةً لتأثيرات معالجة الضوء و العتمة في طبعها، لكن أيضاً من خلال تصوّر ما وراء وجهة نظرها ” الحقيقية ” الحسية. 
* / إن مشروعك Isolario Mediterraneo بشأن البحر و غوامضه يجسّد الوحدة loneliness و اللانهائية. كما أن مفهوم الوحدة و اللانهائية هذا يبدو أنه يميّز صورك الخاصة بالمدن. فما هو؟
– / إن عملي المتعلق بالبحر بعيد عن فكرة قضاء العطلة، و السياحة، و السفر، و يستحضر بالأحرى التسكع حيث غامر البشر الأوائل على مر الزمن. و تحاول هذه الصور أن تترجم هذا البعد البدائي بكل التشككات و المخاوف التي ينطوي عليها. و هذا الحس بالاكتشاف، والصمت، و الغموض يمكن أن يجده الواحد في مشروعي هذا، بل و في كل عملي.
*/ بالضبط، الصور، المدن ( باريس، فينيسيا، نيو يورك … ) كلها ما تزال من دون خصائص مميزة. فهل هو خيار مقصود؟ هل يمكنك أن تفهم عملك على المدن، مع أن هذه الأماكن غالباً ما تكون مكتظّة بالناس، و يمكن أن تستحضر في الذهن العزلة و الوحدة؟
-/ يجب أن أقول إنه في كل عملي، بوجه خاص الآن، لا أحاول استثناء الناس كثيراً، و إنما بالأحرى إزالة أية علامة للمعاصرة. فالمدينة تشتمل على سيارات، و إعلانات تجارية، و نوافذ تعطي تأريخاً و تُظهر زمننا. و أنا أحاول أن أزيل هذه الأشياء لخلق أبعاد لا زمن لها. و كل صورة من صوري الخاصة بالمدن، حتى إذا احتوت على عناصر العمارة الحديثة، تسعى أكثر من أي شيء آخر إلى خلق بُعد تخيلي متوقف زمنياً. و كل صورة من صوري يمكن أن تكون بحقٍ قد التُقطت قبل مئة عام أو على مدى هذه المدة.
_________
 عن / Panorama italia

شاهد أيضاً

غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد

(ثقافات) غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد زياد أحمد سلامة    “غرناطة…آخر الأيام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *