ستيف ماكوين في ’12 سنة عبودية’ إعادة التذكير بجحيم الرق الأمريكي




د. إبراهيم درويش *


في لندن، حديث الصحافة والنقاد هو فيلم ’12 سنة عبودية’ الذي من المتوقع ان يحصل على جائزة غلوب ومن الإفلام المرشحة لجوائز الأوسكار لهذا العام. ووجه الاهتمام بالفيلم نابع من أن مخرجه هو ستيف ماكوين، وهو فنان ومخرج بريطاني، ومعظم كادر الفيلم بريطانيون بالإضافة لأسماء لامعة مثل براد بيت. 
القصة أمريكية لكن من تجرأ على طرحها هو بريطاني من أصول أفريقية. ويمثل الفيلم جزءا من ‘صحوة’ فيما يعرف بالرواية السوداء عن تاريخ العبودية وهي رواية ظلت مهملة من التيار العام في السينما الأمريكية، التي تعاملت منذ ولادتها في القرن الماضي مع الأسود الأمريكي والإفريقي بطريقة عنصرية، كما في فيلم غريفيث ‘ولادة أمة’ (1915) وهو أول فيلم سينمائي يعرض في البيت الأبيض، أو رؤية اعتذارية كما في فيلم ‘ذهب مع الريح’ (1939) الذي تحدث عن الرق ومأسسته في الولايات المتحدة ووضعه العادي وفي بعض الأحيان كخلفية فنية في وقت لم يكن يسمح فيه للسود إلا بالادوار المساعدة، لكن قلة هي التي تجرأت للتساؤل عن ماهية الرق وتعارضه مع روح الدستور والحرية التي قامت عليها الولايات المتحدة وحرم منها السود بناء على رؤية عنصرية تسمهم بالجهل والحيوانية أو الوحشية. 
وبهذه المثابة ظلت الرواية التي كتبها السود عن أيام الرق وتجربتها والعذاب بعيدة عن التيار الرئيس في الحياة السينمائية أو الثقافية الأمريكية. وكانت هناك بعض الإستثناءات في الطريق مثل رواية ‘الجذور’ لأليكس هيلي التي عولجت في سبعينات القرن الماضي وعرضت كمسلسل تلفازي حظي باهتمام واسع ولكنها لم تكن كافية للكشف عن حجم الوحشية والتمييز الذي تعرض لها السود في الولايات المتحدة ولقرون، وعليه ظلت أصوات السود المتعلمين الذين سجلوا حياتهم في الأسر والعبودية بعيدة عن التيار العام. فالكتابة عن التجربة السوداء ومراجعتها ظلت تدور في إطار المثقفين السود أو الأقليات السوداء، فيما جرت داخل الكتابة الرئيسية محاولات للمراجعة ومساءلة مؤسسة العبودية وتاريخ الرق لكنها لم تؤد لالغاء التمييز العنصري. وقد يتبادر للذهن أن وصول باراك أوباما للبيت الأبيض ربما شجع البعض أكثر للاهتمام بقصة السود والعبودية خاصة في السينما وقد يشير الواحد إلى حجم الأفلام المنتجة، ففي أوسكار العام الماضي كان هناك فيلم عن محرر العبيد ‘لينكولن’ وفيلم كوينتين تارتنينو ‘دي جانغو المحرر’ (دي جانغو أن تشيند). وفي العالم الحالي قد يكون فيلم ماكوين و ‘فيلم الطريق الطويل’ للحرية ببطله البريطاني إدريس إيلبا من الأفلام المرشحة للأوسكار. وقد يكون الربط بين أوباما وقصة السود ليس في محله وربما جاءت تعبيرا عن وعي السود أنفسهم بتاريخهم وبأهمية سرده بطريقتهم. وقد نتساءل عن فيلم ماكوين وما هدفه ولماذا اختار قصة فرد ظلت حياته وتركز كل كفاحه على تحقيق الحرية او استعادتها مع أن هناك ملايين من العبيد ممن كانوا بحاجة للتحرير. صحيح انه اصبح فيما بعد ناشطا في الدعوة لإلغاء العبودية لكنه واحد من ملايين ظلموا في ظل نظام وحشي وقاس.

سردية المضطهد

بدأت قصة سولومون نورث أب(1807- بعد عام 1857؟) بدأت من الحرية للعبودية ومن ثم التحرر. وتكشف في طياتها عن بشاعة مؤسسة العبودية في الولايات المتحدة. وفيلم ماكوين يقوم على مذكرات تعود لعام 1853 وهي التي كتبها نورث أب بعد أشهر من تحرره عام 1853 وعودته لنيويورك، حيث كتبها بمعونة كاتب أبيض من محلته اسمه ديفيد ويلسون وصدرت في وقت كانت فيه رواية ‘كوخ العم توم’ لهرييت بيتشر ستو من الروايات الذائعة الصيت، وباع نورث أب 30 ألف نسخة من مذكراته في السنوات الأولى من طباعتها. وحظيت منذ ذلك الوقت بطبعات عدة سواء في القرن التاسع وبداية القرن العشرين، وفي عام 1968 صدرت منها نسخة محققة. وتظل مذكرات نورث أب جزءا من ما يطلق عليه الباحثون في تاريخ الافرو- أمريكيين ‘السرديات السوداء’ مع أن باحثين ناقشوا إن حكاية نورث أب لا يمكن اعتبارها ضمن هذا الجنس الأدبي لأن كاتبها كان حرا ثم أجبرعلى العبودية، وتجاوزها البعض لأن كاتبا أبيض ساعده على كتابتها. ولعل من أوائل السرديات تلك التي كتبها المسلم عمر بن سعيد الذي كتب مذكراته بالعربية وذكر فيها ‘ثم جاء إلى بلدنا جيش كبير، وقتلوا الكثير من الناس، وساقوني نحو البحر الكبير وباعوني لرجل مسيحي’، وكان إبن سعيد قد ولد عام 1770 لعائلة ثرية في غرب إفريقيا حيث اختطف ورحل لأمريكا مع ملايين من أبناء القارة. ويمكن الإشارة لمذكرات أولاندو إكوينو ‘ الحياة المثيرة لأولاندو إكوينو’ التي صدرت عام 1889 في لندن كواحدة من الروايات المبكرة عن حياة العبودية والحرية. لكن في السياق الأمريكي يتحدث الباحثون عن حوالى 100 كتاب صدرت ما بين 1750-1865، منها رواية ويليام غرايم والتي كتبها عام 1825 للحصول على 500 دولار أمريكي كي يشتري حريته من سيده الذي هرب منه والذي اكتشف مخبأه في كونيتيكت وكان يحاول استعادته. وينهي غرايم مذكراته بهذه العبارة المثيرة ‘لو لم تكن للعلامات التي تركت على جلدي (من الجلد) أثناء عبوديتي، لكتبت في وصيتي بأن يترك جلدي في عهدة الحكومة ليعمل منه ورقا يستخدم في تجليد دستور أمريكا المجيدة والسعيدة’، وتشير العبارات هذه إلى نفاق الولايات المتحدة. وتعتبر مذكرات غرايم من أوائل السير الذاتية عن تجربة العبودية وظلت سيرة كل من فردريك دوغلاس وهارييت جاكوب من أشهرها لكن فيلم ستيف ماكوين أعاد الاعتبار لمذكرات نورث أب، والتي تعتبر من أطول وأكثر السير الذاتية عن تجربة العبودية. ويلعب دور سولومون نورث أب البريطاني تشويل إجوفيفور، بالإضافة لبراد بيت وبنيديكت كامبرباتش، ومايكل فاسبندر.

بداية القصة

يصور الفيلم والمذكرات بحث البطل نورث أب عن حريته في وجه مؤسسة العبودية التي ضربته وعنفته وهددته بالقتل إن طالب بحريته أو تحدث عنها، وكل محاولاته للخروج من أسر العبودية كانت تنتهي ببيعه لسيد جديد. بدأت محنة نورث أب في عام 1841 عندما كان كاتب المذكرات وهو إبن عائلة حرة في سن الـ 33 عاما يعيش في ساراتوغا سبرينغ في نيويورك مع زوجته وأولاده، كان يستطيع القراءة والكتابة والعزف على الكمان، واشتغل بالفلاحة لفترة قبل أن يتحول للنجارة. وفي يوم جاء إليه شخصان (قام بدورهما سكوت ماكنيري وتاران كيلمان) وقدما له عرضا ماليا مغريا للمشاركة في مهرجان موسيقي في واشنطن. وافق على الذهاب دون أن يخبر عائلته ظنأ بأنه سيعود قبل أن تكتشف العائلة غيابه. وسافر نورث أب معهما إلى العاصمة واشنطن حيث وضعا مخدرا في شرابه ليستفيق في اليوم الثاني مقيدا ومرميا في مركز للاحتفاظ بالعبيد وهو المكان الذي أقيم في موقعه ‘متحف الطيران والفضاء’. وفي نفس الوقت تم التخلص من كل الأوراق التي تثبت حريته وعندما احتج على معاملته وتمسك بحريته ضرب ضربا مبرحا، وحذره الخاطفون من القتل إن استمر بالحديث، ووضعت الإغلال في يديه وقدميه ليبدأ رحلة من العبودية ويكتب نورث أب بنفس روحية غرايم عندما مشى في أغلاله في شوارع عاصمة البلاد حيث يقول ‘ ومشينا مقيدين بالأغلال صامتين، في شوارع واشنطن، خلال شوارع عاصمة الأمة والتي قيل لنا إن نظرية الحكم فيها تقوم على حق الإنسان بالحياة والحرية والبحث عن السعادة’. نقل نورث أب إلى نيو أورليانز حيث بيع في مزاد للعبيد هناك ورحل بعد ذلك إلى لويزيانا. وأصبح اسمه بلات وهو اسم عبد هارب، وحذر من ذكر اسمه الأول، وعاش الكاتب 12 عاما مع مئات من إخوانه السود العبيد حياة قاسية، ضرب وجلد وأجبر على العمل مدة ستة أيام في الإسبوع، وكان يحصل على إجازة 3 أيام كل عام أثناء احتفالات عيد الميلاد. ولم يكن يسمح للعبيد بالعمل لأنفسهم إلا في أيام الأحد حيث كانوا يحصلون على أجر يستطيعون به شراء حاجياتهم اليومية وأدوات الطبخ. والغريب ان السيد لم يكن يتجرأ على انتهاك عطلة الأحد المقدسة في الوقت الذي كان يسمح لنفسه بجلد ما كان يملكه من عبيد ويضع الملح على جراحهم. 

مع ويليام فورد

في بداية سنوات العبودية وجد نورث أب في سيده ويليام فورد (بينديكت كامبرباتش) معينا ورجلا متفهما، قسيسا لم يكن يشك في نظام العبودية ولا يعامل رقيقه بطريقة سيئة. واستفاد فورد من قدرات نورث أب في مجال النجارة لبناء ملحق للبيت وهو ما لم يعجب جون تيبتس (بول دانو) الذي أخذ يتحرش به ويسبه، ويستفزه نحو مواجهة أدت لتعليقه في شجرة وظل معلقا بالحبل في مشهد يمكن أن يكون بطاقة الفيلم للأوسكار حتى يتم الحصول على إذن من مالكه لقطع الحبل. بعد هذه الحادثة يقرر فورد بيعه لمايكل إيبس (مايكل فاسبندر)، رجل بلطجي، سادي ومخمور دائما، وعندما يحاول نورث أب ثني فورد عن قراره وتذكيره بأنه حر يرد هذا ‘ لا أستطيع سماع هذا الكلام مرة أخرى’ ، و ‘علي دين يجب أن أدفعه’.
حاول ماكوين أن يكون مخلصا للنص، الذي يقدم تفاصيل عن الحياة في مزارع القطن وقصب السكر، فالكاتب يتحدث عن كل شيء من طريقة زراعة القطن، وحصاده، وزنه والأدوات المناسبة لعملية الحصاد. ويسرد نورث أب أساليب العقاب المتنوعة التي كانت تمارس على العبيد، ووزن كميات القطن التي كان يقطفها العبيد في اليوم ومن كانت كميته قليلة كان يجلد حيث كان معدل ما يجب جنيه من القطن حوالى 100 كيلو غرام ومن لم جلب أقل كان عقابه الجلد، لكن مزاجية وقسوة إيبس كانت تعني جلد من يريد.

الاغتصاب

بالنسبة للإناث من الرقيق كانت الحياة أصعب فهن محرومات من حريتهن ولا يملكن السلطة على جسدهن ولهذا كن عرضة للإغتصاب وهذا موضوع يحضر دائما في سرديات الأرقاء كما في سيرة حياة ويليام اندرسون (24 عاما في العبودية، بيع 8 مرات، سجن 6 مرات، جلد 300 مرة) المنشورة عام 1857 والتي تتحدث عن اغتصاب المحارم. لا يتحدث نورث أب عن هذا الموضوع لكنه يخصص مساحة لمأساة فتاة اسمها باتسي (لوبيتا نيونغو) والتي كانت محل إعجاب إيبس الذي يغتصبها كلما أراد، مما أثار غيرة زوجته (سارة بولسون) التي اتهمت باتسي بإغراء زوجها ولهذا كانت تعتدي عليها وحرمتها من حصة الصابون المخصصة لكل عبد. وعندما ذهبت للحصول عليه من مزرعة مجاورة، وتأخرت اتهمها إيبس بالخيانة، وجردها من ملابسها وجلدها، مشهد الجلد في الفيلم الذي شارك فيه نورث أب بناء على أوامر سيده من أكثر المشاهد وحشية. نجت باتسي من المحنة لكنها خرجت محطمة وظل تطلب من نورث أب مساعدتها على الانتحار وتخليصها من الحياة وهو ما رفضه.
حاول نورث أب الهرب أكثر من مرة، لكنه تراجع، وكان أمله الوحيد هو إرسال رسالة لاصدقائه في نيويورك، وكاد هذا الأمل أن يتحقق من خلال عامل أبيض (غاريث دلاهانت) الذي وافق على وضع رسالته بالبريد ليخونه، وبالكاد استطاع نورث أب إقناع إيبس بكذب القصة ثم قام بعد ذلك بحرق الرسالة ومعها حرق آخر أمل كان لديه.

باس الكندي

حضر في هذه الأثناء بناء كندي اسمه باس (براد بيت) للعمل على جناح للبيت وعمل معه نورث أب، وفي أثناء الحديث عن كندا كشف الكاتب- بلات هنا- عن معرفة بالبلد. وفي المذكرات يقدم الكاتب حوارا بين باس وإيبس حيث يبرر هذا استعباد السود لأنهم جاهلون ومتوحشون، لكن باس ينقل النقاش لساحته قائلا إن البيض هو المسؤولون عن جهل السود ‘فأنت تجلد كل من تعثرعلى كتاب بحوزته’، ‘لقد استعبدوا من جبل لجيل وحرموا من التطور العقلي فلا تتوقع منهم أن يملكوا المعرفة’. وإن ‘كانوا قردة أو عقولهم ليست أعلى من تلك الحيوانات فأنت ورجالك المسؤولون’ وأضاف ‘تتحدث عن البشرة السوداء والدم الأسود، لماذا كم من العبيد في هذا المكان من هم بيض مثلنا، وما هو الفرق في لون الروح، أه هذا النظام كله مثير للغرابة وقاس′. يوافق باس على نقل رسالة بلات لأصدقائه، وينتهي الفيلم بعودة بلاث/نورث أب لعائلته وأولاده الذين كبروا ويعتذر إليهم عن قراره الذهاب لواشنطن بدون معرفتهم. وينتهي الفيلم عند هذه النقطة، لكن قصة نورث أب لم تتوقف هنا فقد واصل حياته في حركة إلغاء العبودية وألقى محاضرات في أكثر من مدينةـ وكتب رسائل وخاض محاكم حيث تقدم بدعوى في واشنطن ضد من اختطفوه خسر بعضها فيما حكم على الرجلين اللذين أقنعاه بالسفر معهما لواشنطن لكن الحكم أسقط عنهما. وربما شارك في حركة ‘اندرغراوند ريل رود’لتهريب العبيد إلى كندا، وحاول كتابة نص مسرحي بناء على روايته لكن بدون نجاح. ولا نعرف متى وما هي ظروف وفاة سولومون نورث أب.

تحليل منطق العبودية

في سرد نورث أب تفصيل لأثر نظام العبودية وقسوته على العبد والمالك في نفس الوقت، فالمالك يعيش حياته محاطا بكل العذاب الإنساني والمأساة اليومية بشكل يتحول إلى وحش وفاقد للروح ويقول ‘ ليس الذنب ذنب مالك العبيد أنه اصبح غليظ القلب بل ذنب النظام الذي يعيش فيه’. ويرى أن النظام الجائر يعزز فقدان السيد لشعوره ويجعل روحه قاسية. لكن في تفاصيل قصة نورث أب قصة عن القانون الذي حوكم بناء عليه حيث قدم المدافعون عن تجارة العبيد قصة مخترعة عن نورث أب الذين قالوا إنه وافق طوعا التخلي عن حريته والعودة للعبودية مقابل تقسيم ما يحصلون عليه بينهم من هذه اللعبة. لم يكن نورث أب قادرا على الدفاع عن نفسه أمام المحكمة لأنه ‘أسود’، فقانون العبد الآبق يجرد الهارب من شخصيته ومن حقه حتى في الشهاده بالأصالة عن نفسه أمام المحكمة. وقد أدى هذا الوضع بمارغريت غارنر لقتل طفلها عام 1856 حتى لا يلاقي نفس المصير الذي لقيته في ‘جحيم العبودية الأمريكي’ وكانت قصة غارنر أساسا لرواية توني موريسون ‘المحبوب ‘ (1987) ، وعندما قدمت للمحاكمة استخدم دعاة إلغاء العبودية الحادثة لإثبات ان قانون العبد الآبق ليس دستوريا بل وملتو بشكل دفع أما لقتل طفلها، ولكن القانون كان واضحا حيث حكم على غارنر وعائلتها العودة للعبودية، فالموضوع كما جاء في قرار القاضي ليس متعلقا بالمشاعر ولكن ‘بالملكية’. من المفيد هنا ذكر أن المدرسة والداعية لإلغاء الرق قرأت قصصا متعددة من مثل هذه وبدأت هارييت بيتشر ستو بكتابة رواية بناء على هذه القصص، واعتمدت في هذا على قصة عبد ‘حياة جوسايا هينسون ‘ نشرت عام 1849. وفي عام 1951 صدر القسم الأول من ‘كوخ العم توم’ في مجلة ‘ناشوناليست إيرا’ وهي مجلة تدعو لإلغاء الرق. شدت الرواية القراء وعندما صدرت كاملة عام 1852 بيع منها 20 ألف نسخة في أول 3 أسابيع ليصل الرقم إلى 305 ألف في العام الأول على صدورها. ولم تكن الرواية سوى نداء للأمريكيين تستخدم لغة عاطفية لتصوير الظلم والقسوة التي مورست على السود، فلم تهدف أو يكن لدى ستو الرؤية الفلسفية لتحدي مفهوم العبودية بقدر كانت تريد تصوير أثر نظام العبودية على الحياة والعائلة للسود، ودفع الأمريكيين البيض دعم حركة إلغاء العبودية. كان نورث أب وويلسون الذي ساعد على كتابة تجربة نورث أب عارفين بقصة ستو ولهذا كان الإهداء لها وكتب على نسخة ’12 عاما عبودية’ ‘واحد من مفاتيح كوخ العم توم’ ذلك أن ستو نشرت فيما بعد كتابا عن أهم القصص التي الهمتها لكتابة الرواية. 

أصلية أم مزيفة

في قلب السرديات السوداء هناك دائما اتهام، ساد في القرن العشرين بأنها ليست أصلية وأن كتابها بيض على فرضية أن العبيد لم يكونوا يعرفون الكتابة أو القراءة، وأن دعاة إلغاء العبودية من البيض ممن ساعدوا على كتابة هذه القصص بالغوا في وصف النظام الظالم، والغريب أن التغطية الأمريكية لفيلم ماكوين أعادت نفس الإسطوانة. لكن كتاب نورث أب حظي باهتمام سو إيكان التي عثرت على نسخة منه في مزرعة عندما كانت في سن الثانية عشرة، وشعرت بالدهشة أن الكتاب يصف المنطقة التي تعيش فيها. وعندما ذهبت لجامعة لويزيانا لدراسة التاريخ عثرت على نسخة من الكتاب في محل لبيع الكتب باع صاحبها النسخة بـ 22 سنتا معلقا ‘لا شيء فيه وكله أساطير وخيالات’، وحاولت البحث والتأكد من حقيقة قصة نورث أب مستخدمة السجلات المالية وعلى خلاف بقية السرديات فقد ذكر نورث أب اسماء حقيقية وكانت حية أثناء كتابة قصته. وقد أثبتت سو وباحث آخر حقيقة قصة نورث أب. ومهما كانت قصة نورث أب حقيقية أم خيالية فحقيقة شحن ملايين الأفارقة من بلادهم واستبعادهم في العالم الجديد هي أكبر ظلم وحرمان من الإنسانية. وسواء كان فيلم ماكوين محاولة لتصحيح رؤية هوليوود السنتمنتالية عن السود أم بحثا عن ‘جحيم العبودية’ وأثرها على النفس الإنسانية فهذا لا يلغي حقيقة ما حدث. يظل الفيلم في النهاية فيلم فنان اهتم فيه باللقطات التي حولت مشاهد العنف والمعاناة الى لوحات فنية جميلة، ولكن بإيقاع بطيء. بدأ اهتمام ستيف ماكوين بالقصة عندما كان يصور فيلمه الأول ‘جوع′ عام 2008، وقد بلغت ميزانية الفيلم 20 مليونا.


* ناقد من فلسطين يقيم في لندن
( القدس العربي )

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *