فاطمة مرتضى: مزج الحياكة بالرسم


*صفوان حيدر

أن تتحول أعمال الحياكة والنسيج القماشي إلى لوحات وتجهيزات فنية، ذلك ما يتميز به معرض فاطمة مرتضى الذي كان افتتاحه مساء الجمعة الماضي في كاليري مارك هاشم قرب بناية ستاركو ـ وسط بيروت. تشتغل فاطمة على موضوع الجنسانية وعلاقتها بالهوية، الاجتماعية والسياسية والثقافية. عبر الاهتمام بلغة الجسد الأُنثوي والذكوري. منحوتات قماشية (ليكرا وكتان) وخيطان أقمشة تتداخل في الخطوط المرسومة على اللوحات، نسجتها فاطمة على ماكينة الحياكة اليدوية الموجودة في وسط قاعة الكاليري. أعمالها مزيج من تشكيلات قماشية ورسوم وتلوينات وشخوص قماشية ـ نحتية. أدواتها الإكريليك والحبر الصيني وأقلام الرصاص وقطع القماش والخيوط والألوان المائية.

تعالج لوحات فاطمة قضايا الجندر عند الإناث والذكور، وتواجهك في مدخل المعرض على الجدار ثلاثة وجوه بالحبر الصيني وأقلام الرصاص وخيوط القماش، لتعبر عن المويرا (ربات القدر عند اليونانيين القدامى)، واحدة تنسج خيوط العمر والثانية تقيسها والثالثة تقطعها عند الوفاة. وتتشابه الوجوه الثلاثة بنظرتها المؤنبة كأن فاطمة تعتبرها حقيقة واحدة. ومعروف في الميثولوجيا الإغريقية أن البشر ليسوا سادة أقدارهم. بل هناك من يحرك اللعبة، بخيوط غير مرئية. وتتشابك في اللوحات الثلاث حول «وجوه المويرا» خيوط القطن السوداء. في المعرض أيضا خمس لوحات تعبر عن حالات نفسية اجتماعية وسياسية لأجساد متعددة. وفيها إدانة للقمع السياسي والأسروي والاجتماعي وللرقابة المجتمعية ـ السياسية.
يتميز جديد هذه اللوحات في المزج بين الحياكة والرسم.. وفي تشخيصاتها (النحتية) الحياكية، تريد فاطمة أن تعطي أعمال الحياكة وظيفة تشكيلية ونحتية تسعى إلى إبراز الإمكانات التعبيرية للحياكة اليدوية بوصفها أداة قادرة على بعث حياة جديدة في التعبير التشكيلي.. لقد برز الفن الخيطي (Fiber Art) في أوروبا والولايات المتحدة منذ الستينيات والسبعينيات المنصرمتين، بينما لا يزال هذا الفن جديداً في مشرقنا العربي. في لوحة «الحبل بلا دنس» تقدم فاطمة رجلاً انتفخ بطنه (حاملاً) ينظر في اتجاه ثقوب ثلاثة.. عمل يستفز السائد والمقدس في المعتقدات سواء أكانت مسيحية أم إسلامية أم يهودية. أما لوحة الأسطورة الفينيقية ـ الإغريقية لكبير الالهة زيوس وخطفه الفتاة أوروبا على ظهر ثور، فتختصر جميع مهارات فاطمة في المعرض.. إنه ثور السيطرة والاستلاب الجامح (إكريليك وقماش) خاطفاً على ظهره أوروبا المقطعة اليدين والصارخة في اتجاه سماء سوداء، ويختلط لون الدم (الخيوط الحمراء) بشعر أوروبا منسكبا على جسدها السليب. لوحة تراجيدية بامتياز وصارخة بعنفها المشهدي. وهناك مجسم قماشي لحمَّالة الحطب على كتفها، لكنها مختنقة بحبل البؤس والإفقار الذي يقعدها ويجعلها غير قادرة على الوقوف. في لوحة “ماكبث” القماشية يتحول “ماكبث” شكسبير إلى “ماكبث” الصحراء العربية الموعود بسلطة وجاه ولبن وعسل.. لكن بعد أن خذلت الصحراء ماكبث الشرق. وها هي الليدي ماكبث في لوحة ملاصقة ترمي به في بنيان الفحولة المدمرة. وفي الكاليري جناح خاص “للبالغين فقط” حافل بالصور الفاضحة جنسياً. وتعترف فاطمة أنها متأثرة بالفنان النمساوي إيفون شيلي، وبالفنانة الفرنسية لويز بورجوا. ويتكرر في المعرض مشهد الأذرع النسائية المبتورة كإشارة إلى العجز والإحباط والذل والقهر واليأس والإذعان والحرمان الذي تعانيه المرأة الشرقية. تعاين اعمال فاطمة صور الأجساد وتحولاتها عبر الصراع الكامن خلفها. هي لا تسعى إلى تسلية الجمهور ودفعه إلى شراء أعمالها، بل عند فاطمة “الحقيقة أكثر إغواء” في البورنوغرافيا. فهي تحوك وترسم وتجسم شخوصها بالقماش والقطنيات تحت تأثير الاعتقاد بأن “الفن يستطيع أن يغير العالم”.
________
*السفير الثقافي

شاهد أيضاً

غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد

(ثقافات) غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد زياد أحمد سلامة    “غرناطة…آخر الأيام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *