عيد الحب سلعة تجارية


*ياسين رفاعية

لم يكن يخطر ببال القس فلانتاين الذي ابتدع عيداً للحب، واختار له الرابع عشر من شباط/فبراير موعدا كل عام ان يتحول هذا العيد الى سلعة تجارية، روجت لها الشركات التجارية الصهيونية لتحصد ملايين الدولارات في يوم واحد من كل سنة.

اراد القس فلانتاين ان يكون هذا العيد عيد محبة، وتواصل بين البشر من منطلق كلمة السيد المسيح ‘الله محبة’.. ولم يكن يخطر بباله ان تسرع الشركات التي يديرها يهود صهاينة من جعل هذا اليوم كسبا ماديا لها عبر إنتاج الكثير من البضائع التي يُرسم عليها قلب يخترقه سهم كيوبيد كي تندلع شرارة الحب. فوردة حمراء كافية للتعبير عن هذا العيد.. ولكن كم أصبح ثمن هذه الوردة في هذا اليوم المذكور؟
وما يثير دهشتنا أن هذه الوردة يصبح ثمنها عشرة دولارات وما فوق، وان هذا العيد ليس فقط عيدا للعشاق، بل هو عيد ايضا لمحلات بيع الزهور في كل انحاء العالم، وان عشرات الطائرات قبل هذا اليوم بأربع وعشرين ساعة تنقل ملايين الورود الحمراء من هولندا الشهيرة بانتاج الزهور الى كل انحاء العالم.. وان يباع من الورود ـ الوردة فقط ـ في يوم واحد ما يسد عجزا كبيرا من ميزانية هولندا، التي تسمى ‘الارض الواطئة’ لانها ترزح تحت سطح البحر بأمتار عديدة.
وصناعة الزهور في هولندا هي الصناعة الرئيسية، والناتج منها يوفر من الطاقة والحاجات اليومية للشعب الهولندي الكثير الكثير.. حتى ان احد الاساقفة هناك، تمنى على الدولة ان تصنع وردة في وسط العلم الهولندي كرمز للدولة إسوة بالعلم اللبناني الذي الأرزة فيه هي رمز لهذه الدولة الصغيرة.
قال لي بائع ورد قريب من بيتي ان يوم 14 شباط هو عيد خاص به، لانه فيه يعوض خسارات السنة المنصرمة حسب ادعائه، مع ان تجار الزهور يربحون من هذه التجارة الملايين من الدولارات.. هذه الزهور تقف سوية الى جانب الرغيف لحاجتها اليومية للناس، فالأعراس بحاجة الى آلاف باقات الزهور التي تنتشر في صالات العرس والعشاق لا بد لهم من حمل باقة من الزهور الى حبيباتهم عند كل لقاء.. فإذا كانت الزهور هي للمناسبات السعيدة. فهي أيضا للمناسبات الحزينة، فآلاف الاكاليل تتقدم جنازات الموتى وآلاف منها تترك على قبور الموتى بعد دفنهم. 
إنها تجارة خفية لا تخطر ببال أحد، مع ذلك يربح أصحاب دكاكين الزهور في كل أنحاء العالم الملايين من الدولارات.
هناك بائع زهور على مدخل بيروت الجنوبي متخصص فقط للأفراح. لا يبيع بالمفرق أبدا.. اذا كان عندك عرس تأتي اليه، ولما كانت الاعراس قائمة على قدم وساق فإن صاحبنا هذا لا يتوقف عن اعداد باقات الورد التي يتفنن فيها لتبدو بأجمل حلة، ومحل صاحبنا هذا مساحته مئة متر مربع.. وعدد العمال الذين يعملون عنده تسعة عمال، معظمهم سوريون.. لماذا سوريون.. لأنهم أرخص إجرة ـ للأسف ـ من العامل اللبناني.
هناك أيضا في أطراف الاشرفية من بيروت بائع زهور على نفس المستوى ولكن فقط لأكاليل الموتى ‘فمصائب قوم عند قوم فوائد’. فهو على نشاط مستمر لأن الناس يموتون أيضا، مثلما ان الناس يولدون.. هذا ايضا يتفنن في صنع الأكاليل ما تعبّر عن الحزن الشديد.. ويستخدم آلة تبخ حبراً أسود على بعض الورود، كتعبير عن المناسبة الأليمة، تموت الناس وصاحبنا يفتح حساباً له في البنك لأرباحه الهائلة.
14 شباط عيد الحب.. وعيد التجار بشكل عام، والذين تفننوا في تقديم سلع كلها تعبّر عن هذا اليوم.
‘ كاتب سوري/ القدس العربي

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *