سجل الحوار : هشام عودة وخالد سامح
قال رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» الدكتور ياسر سليمان إن مجلس الأمناء لا يتدخل مطلقاً في اختيارات لجنة التحكيم للروايات المرشحة للفوز، في القائمتين الطويلة والقصيرة، أو الرواية الفائزة، مؤكداً في حوار مع الدستور الثقافي أن لجان التحكيم تتغير سنوياً، ويمكن أن يتكرر شخص أو أكثر في عضوية اللجنة بعد مرور سبع سنوات على مشاركته الأولى، بحيث تكون هذه هي مشاركته الأخيرة، وقد أخذنا في الاعتبار عند تشكيل هذه اللجان، وجود مثقفين من المشرق العربي ومغربه، من الرجال والنساء، ومن أجيال مختلفة، من أجل تنوع الأمزجة والخيارات، لافتا النظر إلى أن مجلس أمناء الجائزة يحرص سنويا على أن يكون مثقف غير عربي ضمن لجنة التحكيم، ممن تتوفر فيه المعرفة التامة باللغة العربية والاهتمام بترجمة الأدب العربي، وقد عمل عدد ممن تم اختيارهم سابقا لعضوية اللجان على ترويج الأدب العربي في بلدانهم، مثل غونزالو فرناندز وهو مترجم وباحث إسباني عمل بعد مشاركته في اللجنة على الترويج لترجمة الأدب العربي إلى الإسبانية، ومثله فعل الألماني هارتموت فندريش المتخصص في الأدب المقارن والدراسات الإسلامية في ألمانيا والولايات الأميركية المتّحدة. وهو مهتم منذ منتصف ثمانينات القرن المنصرم، إلى ترجمة الأدب العربي المعاصر، ففي عام 2008، بلغ عدد ترجماته المنقولة من العربية الى الألمانية، خمسين رواية وقصة قصيرة، ومصدر القسط الأكبر منها فلسطين ولبنان ومصر وليبيا، ولا زال يعمل على ترجمة الأدب العربي إلى الألمانية.
كما أوضح آلية اختيار لجنة التحكيم من قبل مجلس الأمناء مشيرا الى وجود لجنة خاصة من نقاد ومثقفين مكرسين تختار لجنة التحكيم بموضوعية وتجرد وفق سيرتهم العلمية ومنجزهم في مجال النقد الروائي، ذاكرا بعض الأسماء المهمة في النقد والأدب والتي تقوم باختيار لجنة التحكيم ومنهم الناقدة المصرية أهداف سويف، وخالد الحروب، رشيد العناني، زكي نسيبة، ميشيل مشبك، مارغريت أوبانك ناشرة مجلة بانيبال، جوناثان تايلور رئيس مجلس إدارة مؤسّسة «بوكر»، البريطانية، إضافة الى مترجمين أجانب مطلعين على الأدب والثقافة العربية، اختاروا هذا العام محكمين معروفين عربيا وعالميا وهم: سعد البازعي من السعودية، عبدالله ابراهيم من العراق، أحمد الفيتوري من ليبيا، زهور كرام من المغرب، محمد حقي صوتشين من تركيا.
وحول فكرة الجائزة وتمويلها قال د. سليمان إن الفكرة جاءت من إبراهيم المعلم مدير «دار الشروق» للنشر والتوزيع والناشر الألماني فايدينج فيد، الذي اقترح جائزة رفيعة للأدب العربي، ووجدت اللجنة في جائزة البوكر والآلية المتبعة فيها ما يشجع على تبني تلك الآليات، غير أن الجائزة العالمية للرواية العربية مستقلة عن جائزة البوكر، وأن تمويلها يأتي من هيئة الثقافة والسياحة في أبو ظبي، وأن جهة التمويل لا تتدخل مطلقا في سياسة الجائزة واختياراتها، ولا تحضر اجتماعاتها بالأصل، مما يزيد من استقلالية الجائزة التي جاءت من أجل تحفيز الأدباء العرب ووضع الأدب العربي في دائرة المنافسة العالمية، نافيا بشدة خضوع الجائزة لاعتبارات سياسية، سواء من قبل جهات صهيونية أو غربية أو غيرهم كما يشاع أحيانا، ومؤكدا أن جميع أعضاء مجلس الأمناء هم من المثقفين العرب أو من الأجانب المهتمين بالأدب العربي، لافتا النظر إلى أن واحدة من مهمات اللجنة تتمثل في إقامة ورشات تدريبية في العاصمة الاماراتية أبو ظبي لمن يرغبون بكتابة الرواية ويشارك بها سنويا ثمانية كتاب، بشرط أن لا يكون المشارك في الدورة قد أصدر رواية من قبل، وقد تم الاحتفاء بالكتاب الذين أنجزوا روايات بعد ورشات العمل وتطلق أعمالهم سنويا من معرض أبو ظبي الدولي للكتاب.
وأشار سليمان الى أن مؤسسة جائزة البوكر العالمية مسجلة في بريطانيا كجمعية خيرية تعمل بحرية تامة، ومشهود لها بالاستقلالية والنزاهة والشفافية، منوها بدورها الثقافي الكبير وتحفيزها القراء في مناطق شتى من العالم للانفتاح بصورة أكبر على ثقافات الأمم المختلفة عبر عدة وسائل وعلى رأسها الترجمة.
ودعا د. سليمان إلى ضرورة إيجاد جائزة خاصة بالترجمة، بسبب الدور الذي يبذله المترجمون في ترويج الأدب العربي، متوقفا عند كثير من أسرار الترجمة وأدواتها، موضحا أن الترجمة تعني فيما تعنيه نوعا من المفاوضات بين النص الأصلي والنص المترجم، وبين ثقافات مختلفة، وأن كل ما يكتب في الروايات العربية ليس بالضرورة أن يكون قابلا للترجمة، فعادة ما يتم القفز فوق صفحات أو فصول، ضاربا المثل في ذلك على رواية ربعي المدهون «السيدة من تل أبيب» التي شطب المترجم منها صفحات كثيرة، غير أن بنيتها الروائية لم تتأثر، مؤكدا أن النص والقاريء كلاهما متحركان في أمكنة وأزمنة مختلفة مما يمنح عملية الترجمة مزيدا من الديناميكية على حد تعبيره، وتابع «أن الترجمة عملية ابداعية وفيها اعادة خلق وصياغة للنص الأصلي، والمترجم في عالمنا العربي هو الحاضر بجهده لكنه الغائب اعلاميا وغير المحتفي به للأسف، حتى أن الكثير من القراءات النقدية والأخبار الصحفية حول الكتب المترجمة تتجاهل اسم المترجم وتهتم فقط باسم المؤلف»، ورأى سليمان أن حقوق المترجم في العالم العربي غير مصانة، وأن المؤلف في الدول الغربية يعقد اتفاقيات مع دور النشر والمترجمين تضمن له كافة حقوقه المادية والأدبية، وفق قوانين حماية الملكية الفكرية الغير مفعلة في عالمنا العربيكما قال.
وفي الوقت الذي أكد فيه أن مهمة الجائزة العالمية للرواية العربية تكمن في ترجمة الروايات العربية فقط، فإنه ذهب إلى إدانة ظاهرة الاستشراق التي لم يبرئها عند عملية اختيار ما يمكن ترجمته للغات الأخرى، مشيرا إلى أن الغرب يسعى إلى معرفة الكثير عن حياة العرب من الداخل، ويعتقدون أن الأدب هو أفضل وسيلة لإيصال تلك المعرفة، لكنه أعاد التأكيد على أن جائزة البوكر محكومة بالأطر الفنية والابداعية بخلاف مايشاع عن أنها تحتفي فقط بالروايات التي تسيء الى المجتمعات العربية وتدين المجتمع العربي وقيمه وأعرافه.
وحول الأثر الذي تركته «البوكر العربية» ومدى مساهمتها في تعريف العالم بالأدب العربي قال سليمان انه ومنذ انطلاقة النسخة العربية للجائزة عام 2008 فان الرواية الفائزة في كل عام تحظى بفرصة كبيرة للترجمة والترويج اضافة الى الروايات التي تصل للقائمتين الطويلة والقصيرة، كما ان بعض الروايات تجاوز عدد طبعاتها العشرين نسخة ضاربا مثال على ذلك رواية «عزازيل» للكاتب المصري يوسف زيدان ذات الثمانية والعشرين طبعة، ورواية «ساق البامبو» للكاتب الكويتي سعود السنعوسي والتي تجاوزت طبعاتها خلال عام الثلاثة عشر طبعة، ورواية «الحفيدة الأمريكية» للكاتبة العراقية المقيمة في باريس انعام كجه جي والتي بيع منها 200 الف نسخة.
وياسر سليمان الذي -استضافته الدستور على هامش فعاليات «البوكر» في عمان هذا الأسبوع واعلانها عن الروايات المرشحة للجائزة القصيرة حامل وسام الإمبراطورية البريطانية من درجة قائد، رئيس مجلس الأمناء أستاذ كرسي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد للغة العربية المعاصرة بجامعة كامبريدج، زميل مهني لكلية كينجس في كامبريدج وزميل في الجمعية الملكية في أدنبرا. رئيس قسم الدراسات الشرق أوسطية ومدير مركز الأمير الوليد بن طلال للدراسات الإسلامية في كامبريج. قبلها كان في منصب كرسي العراق في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة كامبريدج (1991-2007). في خلال وجوده في أدنبرا رأس قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية، وكان رئيس وحدة التخطيط للدراسات الآسوية والشرق أوسطية، القائم بأعمال رئيس قسم الدراسات اليابانية، مدير معهد الدراسات المتقدّمة في العالم العربي والإسلام، منظّم معهد الدراسات المتقدّمة في العلوم الإنسانية، ورئيس مدرسة اللغات، الآداب والثقافات. عمل بروفيسور سليمان كنائب رئيس ورئيس مجلس الجمعية البريطانية للدراسات الشرق أوسطية (BRISMES 1993-5) ، أمين مجلس البحث البريطاني في الشرق (2002-2005)، عضو في الفريق الاستشاري للكلية الملكية للأطباء في أدنبرا ( 2003-2007) وعضو في المجلس الاستشاري للتجنّس والاندماج في أسكوتلندا (2006-2009). هو حاكم في جائزة الكتاب البريطاني-كويتي، جائزة سيف غوباشي للأدب العربي المترجم ( 2010-2011) ورئيس اللجنة الاستشارية في المركز للدراسات المتقدّمة في العالم العربي ( مركز مشترك لجامعات دورهم، أدنبرا ومانجستر). ألقى بروفيسور سليمان المحاضرات في دول عدّة ونشر العديد من الأعمال ، من ضمنها: حرب الكلمات: اللغة والصراع في الشرق الاوسط، اللغة العربية والهوية الوطنية: دراسة في التلأليل والتاريخ الإسلامي الحي. وهو أيضاً عضو لجان التحرير في العديد من المجلات ومسلسلات الكتب، وهو خريج الجامعة الأردنية عام 1973، عمل في البنك العربي في عمان قبل سفره لإكمال دراساته العليا في بريطانيا.
* الدستور