نداءات مجنونين


*ريبر هبون


( ثقافات )
إنها بقايا شجن عنيف في دنيا بكائي، تندر دموعها الآن في سنوات محلي وجدبي، حيث ارتحلت ومضى معها النبض،وبصدفة قذرة تلاشت كقبرة راحلة
-من ضيع قبلتك الهادرة في منعطفات سكونها ووجهها أخبرني؟!
-وأنا أتساءل أيضاً من ضيع قبلتي المزخرفة على جبينها
-لا أذكر أي حضيض رماني بقرب حاويته، إني أمتص جحيمي، أمتص لعاب فرحي المسافر إليها 
-مَن نفى ابتسامة الخريف الصفراء عن وجنتيكما،أيها العاشقان القابعان في سجن غيبوبتكما الانفرادي؟!!
-لست أدري ياصديقي إني أجزم أن ليس ثمة رواية تستطيع تجسيد فظاعة إجرام التاريخ في معاقبته لنا،فأنا معلَّقٌ بشال قلبها الرهيف،ألف آه يعسكر في تعبي،مليون صرخة تستعدُّ للحرب في حنجرتي المكتظَّة المبحوحة، أكثر من مليار دمعة تغتالني كلَّ ليلةٍ، رغم ذلك ما فكر طيفها بشقائي وغربتي الأنانية، أي شعورٍ لقيط يحاول أن ينسيني صمتها؟، صمتها المختنق الذي يحمل عربات النعي التي هيئت رخامة قبري، أحلامي تتلاشى يوماً بعد يوم, لقد غدوت ضحية هذا المجتمع الاستهلاكي وضحية هذا الجشع الدنيوي، لم يعد العالم فسيحاً أمام ناظري،لأحمل قلبهابين قلبي مدى الحياة وأحمل صوتها في تنهداتي المسافرة في رحاب الجمر، لتكن دموعي شموعاً تضيء الكنائس والأبرشيات، لأحمل حناجر البؤساء على مرأى ضريح فيكتور هيغو ،على مرآك سأحملها ياصديقي الغاضب ، سنكون معاً لو اقتلعت الريح قلبينا لندنس عهر العصر ،سأحمل روحها في قلبي وقبري لتكون ناقوس شفاعة في دنيا الخلود والبرزخ،دربانا ممتد لآخر رصيفٍ مهجور من أرصفة الاغتراب، سنروي الجام نبيذاً وتعباًوتحدياً ،دأبنا أن نكون ملاذا ً لكل طير أضاع عشه ولكل نبعة تترقرق بصمت وخشوع،لنتقاسم أسرار الطيور المهاجرة، لتعد لأعشاشها وصغارها، رغم أن دربي هو الجمر الحارق فسأمض عبره للأبد، رغم أن نيران زفراتها تستعر في جليد كآباتي فأنا بألف خير، جسدها المطَّرزُ بالحرير والنارنج يزيل دنس العري في تفاصيل الأنوثةويرفع من سوية نظرات الذكورة،ويحرض الفجر على التألق و الانبلاج من بين أهدابها ليسير متوثباً على ذرى حروفها الأنثوية السليلة للماء العذب المتوهج بلمعان الصباح الملتحف ثياب الزرقة اليانعة كالعطر , آه ما أقساك ياليل عمري ،ما أشد خبثك وما ألطف خيالي حين يهمس مسستحضراً طيف حبيبتي، حين يتكوَّرُ الشذى حول أردافها الممتلئة وبين شفتيها المعانقين عنفوان البحر،وفوق نهديها اللذين تقطَّرا عسلاً، ذاتي تحبذ الفرح الحقيقي لحظتها ولا تعرف طريقها نحو الخطيئةوجنوني مقدس لأنه يثير كمائني للحياة المديدة، ذلك النزق البارد الذي يعجُّ في خلايا أنسجتي ، كم هو حائرٌ وقاتلٌ بأعماقي، ذلك الأرق الذي يفصلني عن الطمأنينة والودِّ أتمنى لو أنعتق منه وللأبد…
-إنك ألقٌ بصفاء روحك ومن كان له الصفاء في هذا الوجود الصاخب فهو سيد الكائنات والأطياف ،روحك تسبح في شطآن المخيلة ،لتقتف تلك النجمة التي أثارت هوسك هي لم تنسحب من روحك ،بل لا تزال تتعانق بروحك،خاشعة كنجمة الشتاء الباردة قبالة أحضانك المرتجفة ،ما تزال دموعك الرقراقة تحتدم بسجالات دموعها،ما تزال تقذف سوائل شوقها نحوك وتلتحف مرايا عيناك المشرقتان لتبك حذرة وببطء حيث تعيد شهقتها وهمساتها في روابي الحنين ،لتتذكر أمسيات غرقها على كتفيك حين انحنت فوق سنديان حضورك وأسندت جبهتها لهضاب عطرك
-أنت تروي فضاءاتي بأقداح من خمر شفتيها المعتقين ،انحداري يرأف بوعورة سفحها ونقاوة فيئها وضخامة تنهيدتها، لقد صبغت أنيني بزفراتك الداعية للأمل، فأثلجت دنياي الحزينة التي كابدت برد القرون البائدة
إنها أناي الممتلئة شدواً وتحليقاً فقد رشفت صميمي وثملت على هضبات سفحي وحنيني
إنها مفردة الشكوى ودموع الذَّرة وسبائك الصقيع وأدمع الغبار التي ما بارحت موانئ ريحي
-ياللغرابة أستببقى تغني على وتر الحلم بها،احقن نفسك بإبر الكبرياء الجميل حتى تتخلص من هذه الملمات القاسية ،تمرُّ بلحظات من عزلة تعادل مائة عام من العزلة، تخلص من هذه النزعة السلبية التي بدأت تنهشك وتمزقك ولا تعتد على كسل الأمل وخمول العزم فهما وليدا الإنطواء والتشنج الروحي فالعشق لم ينثر بذوره سدى في ضلوعنا بل لكي نعي حقيقة الرسالة الملقاة على عاتقنا نعلن بعثنا بصراخنا في وجه المستحيل للأبد
لا يجب أن نتغنى بآهات المعتوهين بل يجدر أن نبحث عن ألوان آهاتنا ققبل أن ندق باب آهات الآخرين فلعلَّ باستيرادنا لأحزان الغير نمتصُّ مواقفهم المحبطة السلبية ولا نملك أي خيارٍ أو وسيلة تدفعنا لتصدير مخلفاتنا الثقيلة وأحزاننا المتخمة بالكثرة والمزخرفة بنقوش الصخب الكوني،فالحب حين يجرنا لارتكاب الانفعال سرعان ما يلبسنا أثواب التسطيح والخواء الداخلي، وإذا كنا سنرتدي أقنعة التضاد الذي يتمازج مع أرواحنا المقنَّنة في خضم هذا العالم المادي الذي راح يعبِّر من خلال النشوة الحسية عن توصيفٍ للحب وإدراج المرأة الجسد في قائمة الحياة العاطفية ، فطلب الحب من امرأة بات رهيناً للأحواء الساخنة ،والشوارع المضيئة الجميلة بوهج الازدحام والأضواء المبهرة تطالب بفناء المحتشمات داخلياً وتصرُّ على الصراخ المشبوه خلف االغرف السرية فصنف المتحذلقات لا يغن من جوع المتساءلين ولا يزيل عقد النقص في ذوات العشاق المراهقين فهناك في الشوارع المتآخمة في ذاكرة المبدعين أجساد خاوية سوى بإثارة طاغية يطمح لها من يبحث عن حب جاهز ومؤطر ضمن توقيت شبقي ينتهي حسب سرعة القذف أو بطئها..
يسألني أحد الغارقين بالمتعة والضوضاء المنتظم عن العشق فيجيب بنفسه: هو الشعور بالإشباع الجسدي والابتعاد عن الفتيات المثاليات اللاتي يشبهن الرجال تماماً فإن عمد عاشق ما على مداعبتهن أو مضاجعتهن فهو بذلك يمارس فعل اللواطة لا أكثر ، فلماذا يسألني وقد أعدَّ الأجابة بنفسه دون أن يكون بحاجة في الأصل لتعليقي حيث أضاف بأن المرأة الممثلة حياتها تصنع وتظاهر واستخفاف بالحياة وضياع لوقتها وهدر لوقتها وهدرٌ للمواقف المتعددة ،فإذا انتحينا لأروقة المجهول في الحياة وانشغلنا بتخبطاتنا وأوهامنا متصنعين القيل والقال فإننا نعلن موتنا المؤكد في خضم هذه الحياة التي لم تعد تنتظر ..
جولات هذه الحياة قصيرة والمواقف التي فيها سرعان ما تتبدد وتتغير فحياتنا ليست رواية أكثر من كونها قصص قصيرة جداً ترصد أحوالنا المتقلبة المتلونة…

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *