*وداد جرجس سلوم
عمّان -الشاعرة الأردنية مها العتوم، ابنة بلدة سوف- جرش، حيث تلقت تعليمها ما قبل الجامعي، حصلت على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك عام 1995، وعلى درجة الماجستير من الجامعة نفسها عام 1998، وحصلت على درجة الدكتوراه من الجامعة الأردنية. صدرت لها أربعة دواوين شعرية هي “دوائر الطين” و”نصفها ليلك” و”أشبه أحلامها” و”أسفل النهر”. جريدة “العرب” التقت بالشاعرة العتوم بمناسبة توقيع مجموعتها الرابعة في رابطة الكتاب الأردنيين بالعاصمة الأردنية عمّان، وكان هذا الحوار.
في زمن الموت الأسود، المادي والمعنوي، الذي يعيشه المجتمع العربي من محيطه إلى خليجه، وعن مسؤولية الفنون في نشر الجمال والحب ودور الشعراء، والشاعرة الأنثى على وجه التحديد لما لكلماتها الرقيقة وتعبيرها المشوب بالعاطفة من أثر ووقع على الروح في نشر الحب ضمن مجتمع أصبحت الكراهية وعدم تقبل الآخر/المختلف هي السمة الأساسية فيه، تحدثنا الشاعرة العتوم قائلة: “الحب مكوّن أساسي في الشعر وفي الإبداع عموما، لأنه مرتبط جذريا بالحياة التي يفتش عنها الفن، ويبحث عن وجوده واستمراره بها حتى بعد موت أصحابه، أحيانا تصاب القصيدة بالشلل إزاء ما يجري في العالم، ويصاب الشاعر بالخرس، ولكن الشاعر يقاوم الموت بالشعر وبالحب من أجل حياته وحياة العالم، ليست الشاعرة الأنثى المطالبة بالحب وبشعر الحب، وإنما الشعر الحقيقي الذي يكتبه الرجل أو تكتبه المرأة قد يزرع وردة في هذه الصحراء. لأن الشعر الحقيقي والصافي هو شعر حبّ بالضرورة مهما كان موضوعه”.
شعر الشعارات
وحول الحضور الواسع للقصيدة في الثورات العربية الأخيرة، وما إذا كان هذا الحضور الملفت سيستعيد متذوق الشعر وسيعيد للشعر مكانته ضمن المجتمع تقول مها العتوم: “ليس بالضرورة أن يواكب الشعر الظروف السياسية والاجتماعية أو سواهما.
والشعر بالتحديد يحتاج إلى زمن كاف لاستبطان مواضيعه والابتعاد عنها بالقدر الكافي الذي يسمح بالرؤية الصادقة، وإنضاجها على نار هادئة.
ولذلك بشكل عام أرى شعر الثورات شعر شعارات يتسم بالمباشرة ويقل الفن فيه لصالح المضمون الذي يلاقي تصفيقا واستقبالا من الجماهير التي لا تقيّم وفق الأسس التي يقيّم على أساسها الشعر العالي. لم يعد الشعر اليوم كما كان بالأمس صوت القبيلة وحروبها وسلاطينها، صار صوت الحياة الذي قد ينطلق من أبسط التفاصيل فيها”.
غربال النقد
من وجهة نظر الشاعرة العتوم، فإن الذي يحتاجه متذوقو الشعر في القرن الواحد والعشرين هو اللغة والموضوعات، وذلك لكي تستقطب القصيدة متذوقين جددا من الجيل العربي الشاب الذي غيرت الثورات اهتماماته وطباعه ونظرته للحياة ومن ضمنها الثقافة، وفي هذا الشأن تقول العتوم: “أرى أن المشكلة موجودة لدى الطرفين: الشاعر والمتلقي معا، شاعر يكتب بعيدا عن العالم، ومتلق لا يكلف نفسه عناء الجري وراء القصيدة، شاعر يريد قارئا مثقفا ويمتلك كامل الأدوات، وقارئ يريد شاعرا يمنحه قصيدة تصل إليه قبل أن يصل إليها.
لا بدّ من الاعتراف بمسؤولية الشعراء، ولا بدّ من البحث في أسباب كثيرة تقف وراء تخلي القارئ عن القصيدة واستبدالها بأجناس أخرى يبدو التواصل معها أسهل وأقل تكلفة: ماديا وثقافيا ومعرفيا.
وغياب النقد يساهم في تعميق مشكلة الطرفين وتوسيع الهوة بينهما. ولذلك يختلط الحابل بالنابل تحت مسمّى الشعر، ونجد كل شيء في سلة واحدة.
لو كان النقد حاضرا لغربل الناتج وقدم الشعر للجمهور ولساهم بقوة في رأب الهوّة التي نعاني منها اليوم”.
طريق وعرة
بالانتقال من موضوع القصيدة إلى شكلها حيث يتهم البعض قصيدة النثر بأنها مجرد خواطر شخصية لا ترقى إلى مستوى القصيدة العمودية، وبأن تجربة الشاعرة الأنثى في مجال القصيدة العمودية خجولة ومتواضعة، تقول مها العتوم: “الشعر الحقيقي والعالي لا يرتبط بالشكل الذي يُكتب عليه. أرى العمودية والتفعيلة والنثر أشكالا فقط، وإلا لماذا نتذوق قصيدة مترجمة تخلو من الوزن والإيقاع ونراها عالية فنيا وجماليا.
لكن مشكلة قصيدة النثر العربية أنها لا تقاليد لها حتى الآن تضاهي التقاليد شبه الراسخة لكتابة القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة.
تتفاوت النصوص في المستوى الفني والأدائي من شاعر إلى آخر، بل لدى الشاعر نفسه من نص إلى آخر.
بعض قصائد النثر تصير خواطر شعرية فعلا، وهناك الأسوأ، ووسائل التكنولوجيا الحديثة أتاحت لكل شخص كتابة خواطر يسميها “قصيدة نثر”.
وهذا أساء للشعر عموما ولقصيدة النثر على وجه التحديد.
لكن هناك شعراء هامين في قصيدة النثر، وشاعرات، وشعرا أيضا. واسمحوا لي بالقول إن الشعر طريقه وعرة للجنسين، لكن حضور المرأة أقل من حضور الرجل في الشعر ليس على الصعيد العربي فحسب بل العالمي كذلك دون تحديد للجنس أو للشكل.
وهناك أسباب كثيرة ومعقدة نفسية واجتماعية وحضارية وثقافية تحتاج إلى دراسة وتفصيل، لا يتسع لهما المقام”.
الشعر إنساني
ما بين ديوانها الثالث “أشبه أحلامها” الصادر سنة 2010 وديوانها الأخير “أسفل النهر” الصادر سنة 2013 ما عاد العالم العربي يشبه أحلامنا، ودماء شبابه تسيل ليس فقط أسفل النهر بل ما بين الضفتين ومن منبعه حتى مصبّه، وهناك دائما جديد مختلف يرغب الشاعر في قوله عند كل إصدار جديد، ولكن العتوم تقول: “أنا أكتب الشعر، ولا أكتب بحثا علميا أو كتابا تحت عنوان محدّد، الشعر إنساني عموما، وأنا لست ملتزمة بموضوع محدّد أو قضية واحدة، كل وردة وحجر وطفل ووطن ودم بالنسبة إليّ مادة شعرية، ولذلك لديّ مقولات لا مقولة واحدة في هذا الديوان وفي سواه، ولعلي أرى هنا أن الشاعر يكتب، والنقد يتتبع مقولات المكتوب وأساليبه ورؤاه. قصيدتي تبحث عن الماء الذي يمنح الحياة الحقيقية والمتخيلة، ولذلك أحفر عميقا وأغرف ما استطعت، وأترك لسواي الحكم على الأدوات التي أبحث بها، ومعرفة نوع الماء وتحديد درجة نقاء هذا الماء الذي أبثه في كل كلمة أكتبها. ومع ذلك أستطيع القول بشكل عام إنني أكتب لأستمتع شخصيا، وأتعب وأبذل جهدا كبيرا على القصيدة قبل كتابتها وبعد كتابتها لأحصل على هذه اللذة الخالصة والصادقة في الكتابة، ولقناعتي أن حب هذه الصنعة الشائكة والشائقة في آن واحد يجعلها تمسّ قلوب الناس بالحب وبالصدق وبالجمال. وأنا أتفاعل مع العالم يوميا في قضايا مختلفة سياسية واجتماعية وثقافية، وحين أذهب إلى القصيدة أنسى كل شيء وكل القضايا ولا أحمل إلا قلمي/عُدة صيدي الوحيدة، وأقف على البحر بصبر وبحب شديدين أنتظر ما يجود به من سمك ولآلئ، وقد أعود خائبة دون صيد في كثير من الأحيان. لكن البحر باق، وقلمي، وتجاربي، وحبي للكتابة”.
_________
*(العرب)