سلمى الخضراء الجيوسي: لولا العرب لتأخرت النهضة الأوروبية



حاورها : علي العامري


سلمى الخضراء الجيوسي أحد أعلام الثقافة العربية الرواد، شاعرة وناقدة ومترجمة وأستاذة جامعية، تعمل من دون كلل على اعادة الاعتبار لثقافة العرب وحضاراتهم في بلاد الغرب. ومنذ تهجير عائلتها من فلسطين سنة 1948 وهي تواصل الاشتغال الثقافي، إذ تخصصت في الأدبين العربي والانجليزي، وبقي همها الشاغل تعريف العالم بإنجازات العرب التاريخية في الشعر والقصة والرواية والمسرح، وكذلك في فنون العمارة ومختلف الجوانب الحضارية. وكانت تتألم نتيجة الصورة المغلوطة عن العرب لدى الغرب، فتصدت عبر تأسيسها مشروعاً بجناحين، الأول يتمثل في مؤسسة «بروتا» لترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإنجليزية، والثاني «رابطة الشرق والغرب للدراسات» التي تتولى نقل مآثر العرب المسلمين، واسهاماتهم في الحضارة الانسانية.

نقطة تحوّل

قالت الشاعرة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي: «كما حصل في بقية أوروبا من إنكار لدور العرب والمسلمين في الحضارة الأوروبية، حدث أيضاً في إيطاليا، حيث أنكروا في البدء دورنا الحضاري الكبير، وتجاهلوه حتى القرن الـ19 عندما برز مؤرخ متميز من صقلية نفسها عني كثيراً بتاريخ صقلية أيام حكم العرب، هو ميشيل أمـاري (1803 ــ 1889)، الذي عكف على دراسة هذا التاريخ من مصادره، وعلى رأسها العربية بعد أن درسها»، مشيرة إلى أن كتابه «تاريخ مسلمي صقلية» يعد نقطة تحول في الدراسات التاريخية في إيطاليا، ومثلاً أعلى للرؤية الموضوعية ومعالجة التاريخ بنزاهة وإخلاص. وأضافت: «في العالم العربي لابد من التقدير الكبير للمؤرخ أمين الطيبي الذي أبدى حرصاً كبيراً على عـرض أثـر العرب الثقافي في أوروبا القرون الوسطى وما قدمه العرب للحضارة الإنسـانية». وتابعت أن «المؤرخ العربي إجمالاً مقصر في تناول تاريخنا الحضاري ودورنا الكبير في إغناء الحضارة الإنسانية خلال القرون الوسطى».

الشاعرة سلمى الجيوسي صاحبة ديوان «العودة إلى النبع الحالم» الذي أصدرته سنة 1960، أكدت في حوار لـ«الإمارات اليوم» أن «معرفة الماضي تعزز معرفتنا بالذات العربية في تاريخها الطويل»، إذ لا يمكن فصل الإنسان عن تاريخه ومكونات هويته. وأضافت «عندما بدأت مرحلة التدريس الجامعي في الولايات المتحدة الأميركية، سنة 1976، اكتشفت هناك خلو المكتبة العالمية من شواهد تاريخنا الأدبي الكبير، وعذبني هذا كثيراً، لذلك عقدت العزم على المغامرة والقيام بمهمة صعبة للتعريف بإسهاماتنا الحضارية والثقافية». وقالت «لولا ما قدمه العرب في القرون الوسطى من تفوق ثقافي، وما تبعه من عكوف الغربيين على الاستفادة العملية من الإنجازات العربية في مختلف مناحي الحضارة، من أدب وفن وعلوم، لتأخرت النهضة الأوروبية كثيراً»، موضحة أن الأندلس وصقلية أثناء الحكم العربي الاسلامي كانتا مركزين حضاريين عالميين من الدرجة الأولى.

الدكتورة الجيوسي أنجزت كتاباً باللغة الانجليزية عن الحضارة العربية في صقلية، بدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم. ويعد الكتاب الذي يتضمن أكثر من 15 دراسة حول انجازات العرب في صقلية بالغ الأهمية، إذ يكشف عن أن كتاب «الأمير» لميكافيلي الذي جاء بعد قرنين من انتهاء الحكم العربي في صقلية، يعتمد بشكل أساسي على كتاب الصقلي ابن ظفـر «سلوان المطاع» حول أساليب الحكم. كما يبين مدى التأثير اللغوي والحياتي للعرب في أهل صقلية، إذ تبدو البصمة العربية في شوارع باليرمو القديمة، في أنغام الموسيقى وكذلك في الطعام وفي فنون العمارة والأزياء وتفاصيل حياتية متعددة.

وأشارت الدكتورة الجيوسي إلى أن العمل على كتاب صقلية لم يكن سهلاً، نتيجة قلة المصادر التي تتناول موضوعاته، مؤكدة أن «الكتاب كان ضرورياً ويعد جزءاً رئيساً من مشروعنا الحضاري».

وعن الأثر العربي في الأدب الأوروبي، قالت إن الغرب كان متمترساً في حالة الجحود تجاه الدور العربي في الثقافة الانسانية، مضيفة أن «العلاقة بين المعراج والكوميديا الإلهية كانت مغيَّبة عن العالـم لقـرون عدة، لكنها تكشفت بعد تقرير للراهب الإسباني ميغيل أسين بلاثيو سنة 1919 أمام المجمع اللغوي في مدريد، الذي أوضح فيه اعتماد دانتي على النتاج الأدبي العربي الإسلامي».

ما الدوافع الأساسية لإعداد كتاب باللغة الانجليزية عن صقلية في عصرها العربي الإسلامي؟

– إعداد كتاب عن صقلية العربية الإسلامية جزء طبيعي ورئيس من العمل الذي كرست نشاطي له منذ 33 سنة، وهو إعادة دراسة منجزاتنا، ووصفها وتقييمها علمياً وفنياً، وتقديمها إلى العالم بما في ذلك العالم العربي نفسه، بدقة وموضوعية.

لقد مرت قرون علينا، نحن العرب، ونحن نتفلّـت من أنفسنا، إذ حلّت قناعة عند بعض المثقفين الذين قادوا تيارات الفكر عندنا بأننا لم نقدم شيئا إلى العالم، وبأن النظر إلى الماضي يعني أننا تقليديون نفخر بزمن بعيد بائد ولا نتفاعل مع حياتنا المعاصرة، لكن فصل الإنسان عن تاريخه غير طبيعي، ومعرفة الماضي هي معرفتنا لأنفسنا في تاريخها الطويل. كيف يمكن فصل الجذور عن الحاضر، وتنئية الزمن المليء بالإيجابيات والعطاء عن زمننا المخذول؟ هذا الموقف الجائر أكّد في النفس العربية إجمالاً الإحساس بالتخلف والقصـور وولّـد النواقص النفسية التي يشكو منها من عاش حياة مستعمَـرة وتجذّرت في أعماق نفسه جميع مباذلها، وأخطرها هو احتقار الذات وفصلها عن تاريخها بانتصاراته وإبداعه السباق في مجالات الحياة المختلفة، ليقَـرّ في نفسه إحساسٌ عميق بالضعف والمهانة. لم أستطع تحمل هذا أبداً.

ما دور مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم في دعم إنجاز كتاب عن الدور الحضاري للعرب في صقلية؟

– كانت مؤسسة محمد بن راشـد هي التي تعاقدت معنا بانفتاح وتكريم لدعم كتاب «الحضارة العربية الإسلامية في صقليـة»، وساعدتنا مشكورة لمـدّة، فأنجزنا قسما مهماً منه، وكان الموضوع أعجب القائمين على الثقافة في المؤسسة. وكل ما أرجوه هو أن ينال الكتاب، وقد أنجزناه الآن، التقييم والنجاح الكبير نفسه الذي ناله في العالم كتابنا عن «الحضارة العـربية الإسلامية في الأندلس». الكتاب عن الأندلس صدر سنة 1992 وقد سانده الأغا خان الذي أقام له مؤتمراً افتتحه ملك إسبانيا خوان كارلوس في سنة 1991 في غرناطة، وتوج هذا التكريم بترحيب وإقبال كبيرين من القراء والباحثين في أنحاء العالم.

■ ما الأسس التي قام عليها مشروعك الثقافي الحضاري الذي يتضمن «بروتا»، و«رابطة الشرق والغرب»؟

– قام مشروعي على محاربة النظرة المغلوطة عن العرب، ومجابهة ما فرضته أوروبا من مركزية الثقافة وما قامت به من العمل على إيهام العالم بأنها هي مصدر الثقافة العالمية الأول والأخير، لذلك عملت في مشروعي على ترجمة الأدب العربي إلى لغة الآخر، وكذلك تاريخ المنجزات العربية الاسلامية الحضارية في العالم، فلولا ما قدمه العرب في القرون الوسطى من تفوق ثقافي وما تبعه من عكوف الغربيين على الاستفادة العملية من الإنجازات العربية في مختلف مناحي الحضارة، من أدب وفن وعلوم، لتأخرت النهضة الأوروبية كثيراً. كان توق الغربيين كبيـرا إلى الاستفادة الواسعة من منجزات العرب، لاسيما الذين أسسوا ورسخوا رقيهم الثقافي والفني في أوروبا، خصوصاً في الأندلس وصقلية. هذان الموقعان كانا مركزين حضاريين عالميين من الدرجة الأولى.

عندما أذكر صقلية، فإني أذكر بشيء من اللهفة وقفة النورمانديين الفاتحين عندما دخلوا صقلية، وشاهدوا منجزات الحضارة العربية الإسلامية فيها، بهرتهم كثيرا فكرموا العرب المنكسرين وقلدوهم وتعلموا منهم بـوعي وحماسة وبنوا كنائسهم وقصورهم وحماماتهم على نمط المعمار العربي الإسلامي.

إن الاطلاع عربياً وعالمياً على النهضة الثقافية والمعمارية والمدنية التي سجلها العرب المسلمون في صقلية مهم للغاية، لاسيما أن مصادر الاطلاع عليه قليلة، عكس مصادره عن الأندلس. ولذلك لم يكن العمل على «كتاب صقلية» سهلاً علينا أبداً، لكنه كان ضروريا وجزءا رئيسا من مشروعنا الحضاري.

■ كيف استفاد الغرب من الإنجازات الحضارية للعرب، وكيف كانت نظرة الأوروبيين إلى العرب، خصوصاً بعد سقوط حكمهم في الأندلس وصقلية وغيرهما؟

– الترجمة كانت طريقاً للتعرف إلى الانجازات الثقافية والحضارية العربية، إذ تمكنت أوروبا من الاستفادة من إنجازاتنا الحضارية والأدبية والفكرية والعلمية من خلال ترجمة أعمال كثيرة من العربية، فحتى قبل سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس سنة 1492 كان الأيبيريون (الإسبانيون الآن) قد فطنوا إلى تخلفهم عنا، ولعل ما

قام به الملك ألفونسو العاشر أو الحكيم الذي تولى حكم قشتالة (كاستيل) في القرن الـ13 بتأسيسه معهد الترجمة الذي قام بالدرجة الأولى على الترجمة من العربية، كان حدثاً ثقافياً مهماً، إذ طلب ألفونسو العاشر ترجمة عدد كبير من الكتب العربية الأدبية والدينية والعلمية. وأعاد الإسبان المعاصرون عمل هذا المعهد في طليطلة (توليدو) محافظين على اسمه. وكان من الكتب التي تُـرجمت في القرن الـ13 قصة الإسراء والمعراج.
أكملت كتاباً باللغة الانجليزية عن الحضارة العربية في صقلية، فماذا قدم العرب إلى الجزيرة الإيطالية، خصوصاً أنها اشتهرت بالفنون والثقافة؟ وما الإرث الثقافي للعرب الذي لايزال حياً في صقلية؟

– كتاب صقلية الذي أكملته بدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، يتضمن أكثر من 15 دراسة حول إنجازات العرب فيها.

إذ قدم العرب لصقلية نهضة كبيرة في المعمار والنسيج وفنون العاج والمقرنصات والمعادن وفي الحمامات وفي الزراعة وتوزيع المياه.

وبدأ استقرار العرب في صقلية سنة 212 هجرية/827 ميلادية، وكان الفتح يهدف إلى نشر الدين الإسلامي.

وكان قائد الحملة، أسد بن الفـرات، شجاعاً وعالماً وشديد الحب للمعرفة، وحاول إشاعـة العلوم الإسلامية، وعلى رأسها الفقـه، منذ اللحظة الأولى لدخوله صقلية. وعندما توفي بعد سنتين من الفتح الأول، كانت أسبقية العلوم قد ترسخت. وعندما تغلب النورمانديون، الذين وفدوا من شمال غربي فرنسا، على العرب المسلمين في صقلية، واكتشفوا ما حولهم جيداً لم يصدقوا ما وجدوه من حضارة وثقافة ودراية بأساليب الحكم والحياة المدنية، فأخذوا عن العرب كل ما استطاعوا من فن وعلوم وأزياء وإدارة دولة. وتعلم بعض ملوكهم اللغة العربية وكيفية إدارة الدولة من العرب، وحتى الشعر العربي أحبوه وأصغوا ببهجة لقصائـد بعض الشعراء العرب الصقليين، وقلدت نساؤهم ملابس المرأة العربية. أما العلوم التي تطورت في صقلية فقد كانت الجزيرة عامرة بها، وكانت مركزاً رئيساً للدراسات اللغوية والفقهية والفنية والعلمية. ولابد هنا من الإيمـاء إلى الكتاب الذي أوحى لماكيفيلي، بعد قرنين من انتهاء الحكم العربي، بكتابه الشهير «الأميـر»، وهو كتاب الصقلي ابن ظفـر «سلوان المطاع» حول الحكم وأساليبه.

■ هل من أثر واضح للغة العربية في لهجة أهل صقلية الآن؟ وما درجة تأثير النمط العربي في حياة الصقليين اليومية؟

– ثمة تداخلات واضحة في لهجة صقلية واللغة العربية، وكذلك لاتزال تفاصيل حياتية أخـرى تحمل البصمة العربية.

وكان الإيطاليون غير حريصين في القرون السابقة على رصد هذا التداخل اللغوي، إلى أن جاء ميشيل أمـاري في القرن 19 وسجل في كتابه «قصة المسلمين في صقلية» الكلمات ذات الأصل العربي في اللهجة الصقلية، ثم جاء بعـده عدد من المستعربين الإيطاليين فسجلوا المزيد من هذا القاموس الجامع، منهم ريتزيتانو وبيلليغريني. وتستمر هذه الدراسات اللغوية في الظهور، من بينها دراسة كيسلر سنة 1994 ثم دراسة آجيوم سنة 1996.

أظن أن الوقت حان للتعداد المعكوس لتداخل اللغة الإيطالية باللغة العربية. وما يحضرني هنا هو تداخل المحكية في فلسطين والأردن ولبنان وسورية بالإيطالية اليوم؛ فكلمات مثل «فسطان وكلسات واسكربينة وكبوت وجاكيت» وهي مختصة بالملابس، وغيرها كثير، مختص بنشاطات أخرى أغلبها اجتماعي يومي، تشير إلى العلاقات التجارية بين عرب المتوسط وإيطاليا. أما كلمة «قميص» التي وردت في سورة «يوسف» في القرآن الكريم، فلعل الإيطاليين أخذوها منا ويلفظونها «كاميتشا» بالإيطالية.

ويجدر القول هنا إن ميادين حياتية أخـرى لم تزل تحمل البصمة العربية.

إنك إن سرت في شوارع باليرمو القديمة فلابد أن تسمع أنغاماً موسيقية تنقلك حالاً إلى دمشق وبغداد، وأن تنتبه إلى نكهة طهـي تألفها، فكأن ذلك الطعام خارج من مطبخ عربي.

هذان الأمـران لفتا انتباهي في زياراتي الثلاث لصقلية لإعداد الكتاب، ولم أجد في البدء من يتكفل بالكتابة لي عنهما بالمستوى الذي أرضاه. لذلك أخرت صدور الكتاب مدة غير قليلـة احترامـاً لإخراج مجلد كامل يغطي جميع الموضوعات المهمة، خصوصاً أن الموسيقى والمائدة جانبان في غاية الأهمية. بحثت كثيراً عمن يؤمّـن لي الكتابة في الأمرين إلى أن وجدت اثنين من أمهر المختصين بالموضوعين.

■ ما أبرز الآثار العربية الباقية في جزيرة صقلية شواهد على عصرها العربي الإسلامي؟

– أبرز اثر للحضارة العربية الإسلامية كان في ما بناه النورمانديون من قصور وكنائس وحمامات ومصالح مدنية، معتمدين بقوة على فن المعمار وسواه من الفنون العربية، كالنسيج وفنون العاج، وأساليب الإدارة المدنية والتعامل الحضري والأزيـاء، بما في ذلك لباس المرأة العربية.

في ما يتعلق بالآثار المعمارية اهتم النورمانديون كثيراً بالفنون الإسلامية في البناء، وأهم ما أبدعوه على أيدي الفنانين والمعماريين العرب المسلمين هو كنيسة بالاتينو الشهيرة التي بنوها في القصر الملكي؛ ثم مقصورة زيسا ومقصورة القبـة في الحديقة الملكية وحمامات سيفالو ديان، وحتى كاتدرائية سيفالو وكاتدرائية مونريال وسان جوفاني في باليرمو، تعكسان ارتكازها على رؤية العرب للفضاء المعماري.

كيف كان تعاونك مع عدد من الباحثين الغربيين المتخصصين في جوانب من الحضارة العربية الإسلامية؟

– إن كتابنا «المدينة في العالم الإسلامـي» الذي صدر بالإنجليزية في جزأين بدعم من الأمير عبدالعزيز بن فهد آل سعود، لاقى أيضاً نجاحاً واهتماماً كبيرين. واشترك معي في إعـداده ثلاثة أساتذة جامعيين من أهم المختصين في الغرب بالمدينة الإسلامية، وهم أتيليو بيتروتشيللي من جامعة بولي تكنين باري في إيطاليا، وريناتا هولود من جامعة بنسيلفانيا في أميركا، وأندريه ريموند من جامعة إكس آن بروفانس في فرنسا، مؤلف أهم كتاب عن مدينة القاهرة. ويريحني كثيراً أنه عاش حتى رأى نجاح هذا الكتاب في الأكاديمية الغربية. والحق يقال إن الاشتراك معه ومع الأساتذة والكتاب والأدباء الذين كرموني بالاشتراك معي في خدمة ثقافية ملزمة ولا يمكن تأجيلها كان عملاً فكرياً وحضارياً وإنسانياً ممتعاً، وكان يقوم دائماً على تحالفهم معي في الهدف وثقتهم بما نعمل معاً وعلى احترامهم للكتاب المدروس وللعلم والمعرفة.

ركبنا المصاعب معاً سنوات طويلة، وكان هذا ممكناً لأنهم حوّلوا معي فكرة الكتاب الذي يخدم الأمة العربية والثقافة العالمية جميعها إلى عملية وئام هادف ومشاركة علمية رائعـة. لا أظن أنه من الصعب على أبسط الدارسين أن يكتشفوا لو أنهم بحثوا قليلاً أننا بعملنا هذا قد غيرنا وضع الكتاب العربي في المكتبة العالميـة تغييراً واضحاً.

القضية ليست في عدد الكتب الموسوعية التي أخرجناها، بل أيضاً في المخطط المـدروس الذي طبقناه. فقد قدمنا كتباً تغطي نشاط الإبداع في الفكر والأدب العربي بشكل شامل.

وكتبت لعدد من وزراء الثقافة العرب فلم يجبني أحد منهم، فأدركت جيداً، وقلبي مليء بالحزن، أن الوقت العربي مازال بعيداً عن الزمن القائم.
الآثار العربية لاتزال تشير إلى مرحلة حكمهم صقلية، ففي بعض الأحياء القديمة في باليرمو لاتزال بعض الأسماء العربية باقية، مثل :القصر والخالصة والمعسكر. كما أن قصر العزيزة الذي بناه العرب في العهد النورماندي لايزال شاهداً على البصمة العربية في تلك الجزيرة الإيطالية. وتظهر على واجهة مدخل القصر آثار لكتابات عربية.

سيرة إنجازات



الشاعرة الفلسطينية، سلمى الخضراء الجيوسي، أستاذة جامعية وباحثة وناقدة، وهي مؤسسة ومديرة مؤسسة «بروتا» للترجمة، ورابطة الشرق والغرب للدراسات. بدأت نشر قصائدها في مجلة الآداب البيروتية قبل إصدار ديوانها «العودة إلى النبع الحالم» سنة 1960.

قامت بالتدريس في جامعات عربية وأجنبية، منها الخرطوم، الجزائر، قسنطينة، ويوتا، وميتشغان وواشنطن، وتكساس.

ونشرت عدداً من الموسوعات بالإنجليزية في الأدب الربي والحضارة العربية، منها موسوعة الشعر العربي، وموسوعة الأدب الفلسطيني، ومجموعة المسرح العربي الحديث، كما قامت بإعداد كتاب جامع عن الحضارة العربية في الأندلس، وكتاب جديد عن صقلية. وأنجزت العديد من المشروعات المهمة في الحياة الثقافية العربية، مثل دارسة شاملة في الشعر الأندلسي، وتحرير كتاب عن حقوق الإنسان في النصوص العربية، وتجميع وتوثيق وترجمة المسرحيات العربية القصيرة، إلى جانب نشاطها في مشروعات أخرى عن القدس، والعرب في إسبانيا، وعالم القرون الوسطى في أعين المسلمين.

حازت جائزة العويس للإنجاز الثقافي والعلمي تقديراً لدورها الريادي في خدمة الثقافة ونشرها في الوطن العربي والعالم. صدر لها أكثر من 23 كتاباً، من بين إصداراتها كتاب باللغة الإنجليزية عن الشعر العربي الحديث في مجلدين، ودراسة عن الشعر الأموي في المجلد الأول من (موسوعة كمبريدج للأدب العربي)، وموسوعة «أدب الجزيرة العربية» التي ترجمت فيها لأكثر من 60 شاعراً من الجزيرة و40 قاصاً، وكتاب «تراث إسبانيا المسلمة» والمسرح العربي الحديث، (بالاشتراك مع روجر آلن) و«القصة العربية الحديثة» و«الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث».

وفي مجال الشعر ترجمت للشعراء أبي القاسم الشابي، فدوى طوقان، محمد الماغوط، نزار قباني، وغيرهم.



– الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“

(ثقافات) فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“ بقلم: إدريس الواغيش في البَدْءِ كان جمال الطبيعة وخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *