
*سمير مومني
( ثقافات )
لعل التأمل الرصين  في أوصال العدل مع الكلمة و الكلام ، أن الأشياء العظيمة  تقتضي منا  الصمت حيالها ، أو الحديث عنها بتعظيم أو ببراءة . لم يعد الإشكال العقمي كيف نحافظ على الهوية       فلا أحد يستطيع سلخنا  عن خصوصيتنا . وإنما الإشكال الرئيسي  كيف نتعاطى  مع هويتنا ، بلغة الخلق  والصنع و البناء  التي هي لغة العصر و المستقبل.  أي ما السبيل  إلى خرق الحواجز النفسية والفكرية  العادية ؟ في زمن تسوده فلسفة المطرقة النيتشية  وعلم النفس الكبتي الفرويدي القائل  ” عندما يبدأ المرء في طرح السؤال عن معنى الحياة والموت فذلك  دليل  على أنه مريض” .
من مداخل هذه الحواجز والمطرقات التي تخرم هويتنا ، يقع الأدب باعتباره حلقة أيضا من كينونتنا في زمن إفلاس الهويات . من يحرر الأدب من التبعية المحتشمة ؟ انحرفت قليلا أو كثيرا      أو خطوة في أودية ، هوت بالآداب الأوربية والإنسانية ، في أنهار الصنمية والسريالية والرمزية والوجودية والعبثية  و العبثية السردية  و العبثية الحشوية  و العبثية العابثة.
كنا وما زلنا نؤمن برسالية الأدب و بنبوءته  ، فالأدب يجب أن يكون مؤسسا على فكرة معينة ، ومنطلقا برؤيا واضحة غير مشتتة ، وموصلا رسالته إلى المتلقي الموجود على الأرض . الأدب يجب أن يكون  مستشعرا  البعد ، مستشرفا الآتي ، متنبئا به ، بحسه الرؤيوي ونظرته  التأسيسية المتجاوزة . والتجاوز لا يتحقق إلا بشرطية التأسيس  وخلخلة وتفكيك القائم الراهن ، والكل لا يتحقق إلا بشرطية التأصيل  بمعنى خلخلة المؤسس والمؤصل ثم إعادة بنائه وترتيبه ، ضمن الخصوصية الثقافية لمجتمع ما ، من أجل بناء مفهوم إنسانية الإنسان . يقول وليم هدسن:” إن عنايتنا بالأدب تـنبع بسبب أهميته الإنسانية العميقة الخالدة. إنه يستمد موضوعه مباشرة من الحياة وصميمها، وهنا نجد أنفسنا ، ونجد الحياة نابضة، فتؤلف فينا ومعنا علاقات كثيرة وجديدة “.
ينبغي ألا نتورط  في محظور مفهوم الأدب  كما صاغته الذهنية الغربية . الأدب يستطيع الكثير يستطيع أن يمد لنا اليد ، حين نكون في أعماق الاكتئاب . و يقودنا نحو الكائنات البشرية  الأخرى من حولنا و يجعلنا أفضل فهما للعالم و يعيننا على أن نحيا ، فشئنا أم أبينا و أمام هذه الفوضى العارمة في مجال الدراسات الأدبية ، سيظل الأدب إبداعا إنسانيا فالأدب يجعلنا نحيا تجارب فريدة ،إنه ديوان الحياة كما يقول عز الدين إسماعيل. فالأدب الذي يخاطب الإنسان الشقي في فقره المادي ، المشغول بهم المعاش،  ويخاطب الإنسان المتخم  الشقي بتخمته في مجتمع الاستهلاك ، الذي يلهب جوعة  الحيوان الإنساني والدعوة إلى المزيد من وسائل الترف . و يعطش غرائزه  بالإعلام الفاضح والإشهار الرازح ، و إلى المزيد من المتعة  والتهتك و الدعارة ليس بأدب في شيء.
فالأدب إن ادعى المذهبية ، و اكتفى بالحوم المحتشم  حول حقائقها ، مخافة أن يقع فيها  فيفقد أهليته  لصفة الأدب. فإنما هو مكر مفر في اعوجاج .  ينبغي أن يكون الأدب وسيلة من وسائل التربية لا أداة تسلية و بضاعة واستهلاك. نريد أدب معافى من لوثاث  التعايش  مع عصر الاستهلاك  و التجارة الحرة و الاقتصاد المعولم .
عقدة الولاء للاستبداد ، هي الجمركة و المطب باعتبارهما جرعة مأساوية ، التي تتقل كاهل الأديب  فلا طاقة له على منازلة الفلسفة الدوابية ، بعد  أن أصبح  دمية  مبرمجة بسلوك معين و مدجنة و معلفة ، يموت شاعر فيرثيه  شعراء  يسلي أحدهم زملاءه  بأنها دورة الحياة والموت ، و أننا جميعا أوراق  في شجرة الحياة ، تخضر ثم تصفر ثم تذبل  ثم تسقط مائتة . إننا نريد الأديب / الشاعر الناي  يموت الناي و يخلد  لحنه و تغني  نغمته  جمال الحياة  .
إن  صدق المضمون و بيان الحقيقة ، هما الكيف  الذي به  يكسب الأدب  قوته ونفوذه  وفضيلته،  ليغزو ضمير الإنسان  في عالم التجارة  العملاقة ، و تخوم الهندسة الوراثية،  في دين الاقتصاد المعولم   وقانونه.  لقد فقد الإنسان  في نظر نفسه  قدرا كبيرا من كرامته ،  لطالما كان  هو مركز الوجود و بطله التراجيدي .
إذن لا خير في نعت الأدب أدبا ، إن جرى في مضمار السباق مع الآداب الإنسانية.  يلهب الأحاسيس بالتشبيهات البارعة ، و المبالغات الفنية ، و الزخارف اللفظية ، والنصاعات البيانية ، ثم لا  تجد له مضمون إلا خيالا مدغدغا ، و صورا  حومت  لحظة مخيلة  ثم احترقت  كما يحترق الفراش الهائم.
مصادر و مراجع :
1 ــ إرادة القوة محاولة لقلب كل القيم فريدريك  نيتشه ص : 160
2 ــ الأدب العربي ووجه العصر لعبد العزيز شرف ص : 69
3 ــ الأدب و الارتياب لعبد الفتاح  كيليطو ص 40 
4 ــ الأدب في خطر تزفيطان تودوروف ص :  43 – 45
5 ــ اللغة و المجاز  بين التوحيد و وحدة الوجود لعبد الوهاب المسيري ص : 101
مكناس ــ  المغرب
16/01/2014 
					
									 ثقافات موقع عربي لنشر الآداب والفنون والفكر يهتم بالتوجه نحو ثقافة إيجابية تنويرية جديدة ..!
ثقافات موقع عربي لنشر الآداب والفنون والفكر يهتم بالتوجه نحو ثقافة إيجابية تنويرية جديدة ..!
				 
			