*شوقي البرنوصي
( ثقافات )
“نورما جين”، ربّما لا يعني شيئا للكثيرين، لكن لو نعلم أنّه يقترن ببدايات أيقونة، ألهبت قلوب مشاهير السينمائيّين، السياسيّين، الأدباء وحتّى الرياضيّين. إنّه الاسم الأوّل لأسطورة الشعر الذهبيّ والاغراء، تألّقت بآداءها في أفلام عديدة مثل “البعض يفضّلونها ساخنة”، “السّادة يفضّلون الشقراوات”، “الناشزون” وغيرها…
لتسليط الضوء أكثر عن هذه الشخصيّة اللّغز، نظّم صالون ناس الديكامرون بدار الثقافة ابن خلدون يوم الجمعة 10 جانفي 2014، الذّي يشرف عليه الروائي التونسي كمال الرياحي، وضمن سلسلة نشاطات غرف الكتابة الخاصّ ببرنامج نهج السرد الذّي يعنى بالكتابة القصصيّة والروائيّة، وبعد المرور بعديد الشخصيّات الأدبيّة والفنيّة المعروفة انطلاقا بكافكا مرورا بنيتشة، شارلي شابلن وفان غوغ، وصولا إلى نجمة إغراء السينما الهوليودية، مارلين مونرو.
الهدف من هذه الحلقة تسليط الضوء على خفايا وأسرار الشخصيّة، موضوع الدرس، حتّى تساعد أعضاء نهج السرد من كتّاب على استلهام قصص قصيرة من حياتها ومغامراتها. أثّث الجلسة الباحث في الجماليّات عدنان الجدي، إذ يقول أنّ مارلين مونرو خلقت أسطورتها من خلال أحداث متعاقبة وغير معروفة.
كانت مارلين مونرو من مواليد 1926 طفلة لقيطة، ومنعتها ظروف أمّها القاسية من التكفّل بها فاضطرّت للإقامة لدى عائلة تبنّتها ولم تعاملها كفرد منها، بل وتعرّضت للاغتصاب من أخيها بالتبنّي ما أصابها بصعوبات خفيفة في النّطق(وكوكة)، حالة تخلّصت منها فيما بعد. لم تكمل مارلين دراستها ثمّ عملت في مصنع طائرات خلال الحرب العالميّة الثانية، بعد تعرّفها على تيم دوروتي وزواجها الأوّل به.
أثناء عملها من سنة 1942 إلى سنة 1945 قامت مارلين بتصوير إعلانات للطائرات العسكريّة، ما جعلها تتعرّف على عديد المصوّرين الفوتوغرافيّين وتصبح بعدها نجمة إعلانات. هذا إلى جانب استغلالها لصوتها الجميل وقيامها بعروض غنائيّة أمام آلاف الجنود لرفع معنويّاتهم.
بعد طلاقها من زوجها سنة 1946 ،عندما طلب منها ترك مجال الإشهار، عُرض عليها في نفس الفترة إشهار لماركة شامبو أخذ فيها شعرها لونه الذهبيّ الذّي عرفت به. بعده، ظهرت في إعلان ماركة عطور وقامت ببعض العروض عارية، كما أضافت “بوسة خال” لوجهها تغطيةً لحرق في وجهها.
صارت نورما في هذه الفترة من أقطاب ممثّلات pinup ، وهنّ فتيات يمتزن بمواصفات جسديّة تتماشى مع الهندام، الكعب العالي، القوام الممشوق، الخفّة، حسّ الفكاهة والضّحك هذا إضافة إلى حبّها للغناء. بعد العام 1945 صارت مارلين نموذجا للمرأة الفاتنة التّي لا تكتفي بالجمال الجسديّ فقط بل بالدلال والغنج أيضا. في هذه الفترة بالذات غيّرت اسمها من نورما جين إلى مارلين مونرو(مونرو كان لقب جدّتها للأمّ) وذلك باقتراح من بن ليون مدير قسم المواهب الشابّة في استوديوهات “فوكس” للانتاج السينمائي، وهكذا اكتملت صورة مارلين مونرو النهائيّة.
يقول المخرجون الذّي عاصروا مارلين أنّها لم تدخل السينما بالرأس المال الجسدي فقط، بل لأنّها تمتلك حساسيّة نادرة وجانبا كبيرا من العفّة Pudeur . يبيّن ذلك عدنان الجدي خلاله تحليله لفيديو النجمة الشهير الذّي تظهر فيه مرتدية تنّورة طائرة. من أسباب نجاحها أنّها كانت كثيرة القراءة للأعمال الأدبيّة إلى جانب عملها ببعض الأعمال المسرحيّة.
تزوّجت مارلين مونرو بزوجها الثاني جو ديماجيو سنة 1954، وهو من أبرز لاعبي البازبول الأمريكيّين على مرّ التاريخ وكان طلاقهما في نفس العام. يمكن اعتبار آرثر ميللر الكاتب المسرحي والروائي الشهير أبرز أزواجها، أهداها سيناريو فيلم كهديّة لها، رغم وعيه بأنّ زوجته كانت تعاني من مرض نفسيّ وإدمانها الكحول، المخدّرات والمهدّئات. ما سرّع في انفصالهما اطّلاع مارلين على يوميّات الكاتب التّي عبّر فيها عن رأيه السلبيّ تجاه زوجته وانتقادها لما تفعله. وهذا ما تؤكّده كاثرين كروهن في كتابها “حلم نورمان جين”(تعريب محمّد علام خضر)، إذ تقول “سكنت مارلين مع آرثر في شقّة تقع في الشارع 57 بمدينة نيويورك. لكن مارلين قلّما رأت زوجها الذّي أمضى جلّ أوقاته بالكتابة والتأليف داخل غرفة مكتبة في الشقّة ذاتها. بل أنّه قلّما انظمّ إلى مارلين ليشاطرها وجبات الطّعام.
ركّز الناصر السردي على الجانب الأيقوني لمارلين التّي كانت تتعذّب بسبب الصورة النمطيّة للمرأة المغرية، التّي حبسها فيه المخرجون بسبب عدم إيمانهم بموهبتها في التمثيل. فألفرد هيتشكوك رفض اختبارها أصلا، وفضّل عليها ممثّلات شقراوات “باردات” مثل غرايس كيلي وتيبي هدرين، ما دفعها لترك هوليود والانتقال إلى نيويورك لتدرس التمثيل مع الناشئين سنة 1955، مع لي ستراسبرغ مشرف على نادي ” Actors Studio”، ويحسب ذلك لها من قوّة شخصيّة كما يؤكّد ذلك مؤرّخو السينما.
أكّد عدنان الجدي أنّ هناك فرضيّتين على أسباب موت مارلين مونرو في 6 أوت 1962. أوّلها أنّها ماتت منتحرة بجرعة مفرطة من مادّة مخدّرة، الثانية مقتولة وتحصر أصابع الاتّهام في جهاز المخابرات الأمريكيّة نظرا للعلاقات المعقّدة التّي كانت تربطها مع بعض الساسة خصوصا آل كينيدي.
بعد الحديث عن حياة مارلين مونرو، انطلقت أشغال نهج السرد بمناقشة نصوص سرديّة قصيرة. انطلقت حوريّة الغربي بقراءة نصّها “الجدار الخامس” ضمن غرفة كافكا والنّاصر السردي بنصّ “الحياة الأخرى لسامسا” باللّغة الفرنسيّة في نفس الغرفة. ثمّ قامت الكاتبة شيراز بن مراد بتقديم نصّ بعنوان “سيلين” وهو ضمن غرفة فان غوغ، بعدها تقدّم كاتب هذه السطور بنصّ ضمن غرفة شارلي شابلن بعنوان “فيلم بسيط”. تمّت مناقشة الأعمال في عمل ورشويّ جماعيّ ليتمّكن الأعضاء من تطوير نصوصهم، كما تمّت الدعوة إلى كتابة نصوص جديدة ضمن الغرف الأخرى.
سُعد النّادي خلال هذه الجلسة بحضور الكاتب والنّاشط العماني محمّد الشحري الذّي قدّم كتابه “الطرف المرتحل” الصادر عن دار الفرقند الدمشقيّة وهو عبارة عن سرد قصصيّ لعدد من رحلاته لعديد البلدان-من بينها تونس- كما قدّم نبذة عن تجربته الإبداعية في مجال الأدب.
ناس الديكامرون، صالون ثقافي تمّ تأسيسه سنة 2011، ويشرف عليه الروائي التونسي كمال الرياحي بمعيّة عديد الأدباء والباحثين التونسيّين ويعنى السرد(رواية وقصّة) وعلاقته بالفنون.