«مهرجان المونودراما».. نصّ الفجيرة الأجمل




السيد حسن *


يكاد المهتمون والمنشغلون بالفن المسرحي يجمعون على أن «مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما» هو واحد من أهم الأحداث المسرحية الإقليمية والعربية، فالمهرجان الذي يعنى بشكل مميز من الفن المسرحي «المونودراما» باتت له بصمة واضحة، وسجل حضوراً ملحوظاً على خريطة الفعل الثقافي في الإمارات والدول العربية، بل واكتسب حضوراً عالمياً في بعض لحظاته المسرحية المهمة، بحيث يمكن القول إن الفجيرة وهي تكرس هذا النوع المتخصص من الفنون إنما تكتب في الوقت ذاته نصها الأجمل.

في هذه الأيام تستعد الفجيرة لاستقبال المهرجان في نسخته السادسة، والذي ينطلق في العشرين من يناير الجاري ويشهد حفل افتتاحه صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، وسمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي العهد، والشيخ راشد بن حمد بن محمد الشرقي رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، بحضور معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع. وتشارك في المهرجان 250 شخصية محلية وعربية وعالمية، ويعرض خلاله 14 عرضا مسرحيا من دول عربية وأوروبية وآسيوية.

ومع بلوغه السادسة من العمر، يكرس مهرجان الفجيرة للمونودراما واحدة من أجمل التقاليد المسرحية، أعني، ارتكاب هذا الفعل الجميل الذي يسمى مشاهدة العرض المسرحي.. بكل ما يعنيه ذلك من الذهاب إلى هذا الفعل الجمالي لرؤيته في بيته، على خشبته، واصطياده في مكانه. بيد أن مكان المسرح سيكون، ولأول مرة، على شاطئ منطقة العقة السياحية بدبا الفجيرة.

لقد شهد المهرجان تطورا نوعيا ملحوظا على المستويين الفني والتقني، عن دورتيه الأولى والثانية، حيث تعمل إدارة المهرجان منذ انطلاقته الأولى عام 2003 على استقطاب كافة مقومات النجاح لهذا المحفل الدولي الهام في مجال مسرح المونودراما، ولا تتوانى عن استحضار كل ما يمكن أن يضيف جديداً يلقى قبولاً وإقناعاً فنيا للحضور.

لؤلؤة الشرق

يقدم المهرجان في حفل افتتاحه الفني أوبريت «لؤلؤة الشرق»، وبالطبع فإن المقصود هنا بلؤلؤة الشرق هي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يدور حولها الأوبريت في شكله العام والفجيرة بشكل خاص، في تدرج هارموني محكم ينطلق من الكل ليصل إلى الجزء عبر شواطئ الفجيرة، وفي بقعة هي الأغلى في الإمارة.

والأوبريت من تأليف جريس سماوي وزير الثقافة الأردني السابق، ومن ألحان الفنان عبد الرب إدريس، وإخراج وسينوجرافيا ماهر الصليبي.

البحث عن عزيزة سليمان


تم اختيار نص الراحل الأردني عاطف الفراية «البحث عن عزيزة سليمان» والفائز بالجائزة الأولى في مسابقة الفجيرة لنصوص المونودراما في دورتها الثالثة، والتي تقام كل عامين على المستوى العربي، ليكون هو عرض الافتتاح الرسمي في المهرجان، وهو من إنتاج هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام ويخرجه الفنان السوري أسعد فضه، بينما يجسد شخصيته على خشبة المسرح الفنانة أمل عرفة.

ونص الفراية من النصوص السهلة والمباشرة والبعيدة كل البعد عن الرمزية، حيث يتناول إشكاليات عالم الشهرة عندما تصاب بانتكاسة، لاسيما في عالم الفن الذي تضيع فيه وتتلاشى وتتوارى دائما الشخصيات الحقيقة للممثلين، وقد ذابت شخصية عزيزة سليمان الحقيقة في شخصيتها الفنية الجديدة «نجمة» هذا الاسم الفني الذي عاش في وجدان جمهورها، والتي ركضت خلف الشهرة وحققت منها الكثير ليصبح اسم نجمة مدوياً في الآفاق، ثم تستيقظ من حلمها الجميل على اسمها الحقيقي بعد أن عزف عنها الجمهور ونسيها وأهملها الجميع حتى زوجها، بعد إصابتها بعاهات مستديمة إثر حادث ألم بها، ويبقى شخص واحد هو الوحيد الذي يدوام على إرسال الورود لها صباح كل جمعة في دار المسنين التي آلت إليها، انه ذلك الشاب الذي كان يعمل خبازا في حيها القديم، وقد تقدم لخطبتها فرفضته لا لسبب إلا أنه خباز، مع ذلك، ظل يعشقها حتى مات وانقطع الورد عنها.

وتقدم في المهرجان عروض أخرى وتجارب عديدة من دول ذات منابع ثقافية متباينة ومتعددة، منها «مايا» من الجزائر، و«وامرأة في حالة انتظار» من جنوب إفريقيا، و«مجرد نفايات» من سلطنة عمان، و«تنهد» من الصين، و«احتراق» من السودان و«عشيات حلم» من الأردن، و«نساء مدانات» من استراليا، و«الحياة كحلم» من ألمانيا، و«قانون الجاذبية» من تونس، و«الآنسة جولي» من السويد، و«شكل الإنسان 1» من ألمانيا، وتشارك دولة الكويت بعرض «يوميات أدت إلى الجنون».

وتقوم بترشيح واختيار الأعمال المسرحية المشاركة في المهرجان، لجنة مختصة من المسرحيين والنقاد معتمدة من قبل هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، حيث تجوب تلك اللجنة العالم بحثا عن الأعمال الجيدة، كما تقوم بتلقي الأعمال المرشحة من دول عديدة عبر شريط فيديو للعمل، يتم مشاهدته وتقرير مدى صلاحيته من عدمه.

الدورات السابقة 


بدأ مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة في شتاء 2003، عندما تقدم إليه مجموعة من الشباب المواطنين على رأسهم محمد سعيد الضنحاني رئيس المهرجان حالياً بفكرة إقامة مهرجان محلي لمسرح المونودراما، فأشار إليهم صاحب السمو حاكم الفجيرة بأن يكون مهرجانا عربيا ودوليا واسعا وسيلقى دعما من حكومة الفجيرة. وشارك في الدورة الأولى أكثر من خمس عشرة دولة عربية وأجنبية، وقدمت في تلك الدورة ثلاثة عشر عرضا مسرحيا، تناولت قضايا الإنسان المعذب، ومنها عروض: «سيرك معاصر» لمسرح دبا الفجيرة؛ تمثيل عبد الله راشد وإخراج عزيز خيون، وقدم غنام غنام عرض «خمس دمى، وكان أول ظهور للفنانة الليتوانية بروتي مار على خشبة مسرح دبا الفجيرة في عرضها» كلمات في الرمال «وقد نالت جائزة الفجيرة للإبداع المسرحي هذا العام».

ثم تجلت في الدورة الأولى أعمال مسرحية أخرى، كانت بمثابة العلامة المضيئة في تاريخ المهرجان ومنها: «من يعيرني أغنية قديمة أغنيها» من ألمانيا، و«رجل الفنار» لمحمود أبوالعباس وعبد الله المناعي، ثم العمل التصوفي الروحاني الراقي «كدت أراه» لعبد الحق الزروالي من المغرب.

ثم جاءت الدورة الثانية لتشارك فيها أكثر من عشرين دولة وما يزيد على سبعة عشر عرضا مسرحيا، افتتحت بعرض «شجرة الدر» للفنانة السورية مها الصالح، وقدم العرض في حفل الافتتاح. 

وقدمت الإمارات عرضا مسرحيا من تأليف محمد سعيد الضنحاني بعنوان «الليلة الأخيرة» وجسدت الشخصية لطيفة أحرار، وتناول العرض شخصية الفتاة أو المرأة العربية وما تعانيه من تقاليد قد تصبح مقيدة لها. ثم قدمت في الدورة الثانية عروضا مميزة أخرى مثل: «أنا في الظلمة أبحث» من تأليف عواطف نعيم وتمثيل عزيز خيون، وقدم عمر غباش عرضا مسرحيا بعنوان «شمة» لعائشة عبد الرحمن وأحمد الأنصاري، وقدم التونسي محمد العوني عرضه «العرائيسي».

وأطلت الدورة الثالثة بالمزيد من العروض المتميزة والانفتاح على المسرح العالمي واختيار دقيق للعروض من ناحية النوع، ومن ابرز العروض في تلك الدورة «شابلن» للفنان الانجليزي بيب بوتن، وعرض «ريتشارد بعد ريتشارد» من اوكرانيا ثم عرض «فانوس» لمسرح دبا الفجيرة، وقدم المبدع رفيق علي أحمد عرضه «جرصة» عن الهم والواقع اللبناني. وفي الدورة الرابعة من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، واصل المهرجان دوره الطليعي في استقطاب المزيد من الشباب الإماراتي من خلال العروض المختلفة، ومن أبرز العروض التي قدمت «انتيجون« والنص لسوفكليس وهي امتداد لروائعه «أوديب» و«أوديب في كولونا» وجدست شخصية أنتيجون الفنانة بروتي مار. وقدم إسماعيل أحمد وجمعة علي وحسن رجب عرض «الذي نسى أن يموت» وهو عرض إماراتي بامتياز، وقدم حاتم السيد من الأردن نصا مأخوذا عن نص ممدوح عدوان «الزبال» ثم تألق رفيق على أحمد للمرة الثانية على التوالي خلال مشاركته في المهرجان بعرض «زواريب» لممدوح عدوان أيضا. وقدمت روسيا عرضا مميزا «قبل أن يصيح الديك» للمرة الثالثة. وفي الدورة الخامسة اكتملت شخصية مهرجان المونودراما في الفجيرة، وأصبحت شخصيته ناضجة، ما مكنها لتكون نقطة النور التي تشع إبداعا مسرحيا في مجال مسرح المونودراما على المستوى الخليجي والعربي والعالمي، وتعددت المشاركات المحلية والعالمية في تلك الدورة التي تثبت حجم النضج الفني الذي حققه المهرجان، وتوالت أعمال المبدع رفيق علي أحمد في عرضه «قطع وصل»، وقدم علي الجراح ومحمد الإبراهيمي من الأردن نص ممدوح عدوان «أكلة لحوم البشر»، ثم أعاد المهرجان اكتشاف النصوص الكلاسيكية في عالم المسرح التقليدي بتقديمه نص «كبير المحققين» لدوستويفسكي.

ومن الأعمال التي قدمت في الدورة الخامسة نص «العازفة» للدكتورة ملحة عبد الله وهو النص الحائز على الجائزة الأولى في مسابقة الفجيرة لنصوص المونودراما في نسختها الثانية.

ما تبقى من المسرح


يتضمن مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما خلال دورته السادسة، ثلاث ندوات فكرية على هامش فعالياته الرئيسية. الندوة الأولى حول «المونودراما بين النص والتجسيد» ويتحدث فيها: الدكتور عبدالحليم المسعودي من تونس، ويقدم ورقة عمل بعنوان «السياق السردي لنص مسرحية المونودراما وتأثيره على العناصر الأخرى للمسرحية»، وتشارك نجوى قندقجي من الأردن، بورقة عمل حول «ممثل المونودراما ولغة الجسد»، كما يشارك مثقفون من دول مختلفة بينهم فهد الحارثي من السعودية، وعمر غباش من الإمارات، ويوري الشايتس من ألمانيا، وستيف كاريير من لوكسمبورج.

والندوة الرئيسية الثانية حول المسرح العالمي بعنوان «ما تبقى من المسرح: حقائق واتجاهات جديدة»، ويتحدث فيها مجموعة من النقاد المسرحيين من كندا واليونان والصين وألمانيا ونيوزيلاندا وفنلندا.

والندوة الثالثة خصصت لمناقشة فكر الراحل عاطف الفراية المسرحي، ويتحدث فيها: عبد الله راشد من الإمارات، والناقدة المسرحية أمل المشايخ زوجة الراحل وهاشم غرايبه وحسين نشوان من الأردن.

برنامج العروض 


الاثنين 20 يناير 

حفل الافتتاح أوبريت «لؤلؤة الشرق» شاطئ العقة / دبا الفجيرة.

الثلاثاء 21 يناير 

عرض «البحث عن عزيزة سليمان» / الإمارات / مسرح جمعية دبا. 

عرض «مايا» / الجزائر / مسرح بيت المونودراما بدبا الفجيرة. 

الأربعاء 22 يناير 

عرض «امرأة في الانتظار» / جنوب إفريقيا / مسرح جمعية دبا. 

عرض «مجرد نفايات» / سلطنة عمان / مسرح بيت المونودراما. 

الخميس 23 يناير 

عرض «تنهد» / الصين / مسرح جمعية دبا.

عرض «احتراق» السودان / مسرح بيت المونودراما.

الجمعة 24 يناير 

عرض «عشيات حلم» / الأردن / مسرح دبا. 

عرض «نساء مدانات.. منفى مدى الحياة» / استراليا / مسرح بيت المونودراما.

السبت 25 يناير 

عرض «يوميات أدت إلى الجنون» / الكويت / مسرح دبا.

عرض «الحياة كحلم.. سلفادور دالي» / ألمانيا.. المسرح الروسي / مسرح المونودراما. 

الأحد 26 يناير 

عرض «قانون الجاذبية» / تونس / مسرح دبا. 

عرض «الآنسة جولي» السويد / مسرح بيت المونودراما.

الاثنين 27 يناير 

عرض «شكل الإنسان 1» / ألمانيا / مسرح بيت المونودراما. 

الثلاثاء 28 يناير 

حفل الختام وتكريم الضيوف / فندق لو مريديان العقة بدبا الفجيرة.

* صحفي من مصر يقيم في الفجيرة 

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *