الفيل الأزرق لأحمد مراد.. عنف المتخيل وسوريالية الصورة


*كمال الرياحي


يعد أحمد مراد أحد الروائيين الجدد في مصر الذين حققوا نجاحا لافتا في السنوات الأخيرة . فقد لفت الانتباه منذ نصه الروائي الأول “فيرتيجو” الذي ترجم إلى عدد من اللغات وطبع عديد الطبعات قبل أن يتحول إلى عمل درامي تلفزيوني بنفس العنوان بطولة الممثلة التونسية هند صبري ، هذا النجاح الذي حققه أحمد مراد مع نصه البكر أكده مع روايته الثانية” تراب الماس” والتي حققت نجاحا جماهيريا لافتا. روايته الثالثة “ الفيل الأزرق” لم تنتظر نتائج ظهور القائمة الطويلة لجائزة البوكر لهذا العام لتحقق هي الأخرى نجاحها فقد لاقت الرواية التي صدرت سنة 2012 نجاحا كبيرا مما أهلها لتترجم إلى الايطالية قبل أن تظهر في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية كأحد الروايات المرشحة لاعتلاء عرش الرواية العربية لهذا السنة. وقد وقع الانتهاء من تصويرها فيلما اخراج مروان حامد وبطولة خالد الصاوي وكريم عبد العزيز وقد كتب السيناريو صاحب الرواية نفسه.
حكاية تبدأ في العباسية 
تدور الرواية حول قصة”الدكتور يحي “الطبيب النفساني الذي انقطع سنوات عن عمله بالعباسية وأهمل بحثه الجامعي ،رسالة الدكتوراه، بعد أن فقد زوجته وطفلته في حادث مرور، يتلقى في يوم من الايام انذارا بالرفت إن لم يلتحق بعمله وعند عودته لمستشفى العباسية في جناح جديد ؛ “٨ غرب” والمتخصص في الحالات النفسية والقانونية الصعبة والمرتبطة أساسا بالمتهمين بالقتل المحالين من محاميهم على الفحص الطبي في محاولة منهم لانقاذهم من مصير الإعدام، هناك يجد يحي نفسه أمام أحد أصدقائه القدامى من الأطباء “شريف الكردي” متهم بقتل زوجته ودفعها من الطابق الثلاثين لعمارة شاهقة. هذا اللقاء سيقلب حياة يحي ويحولها إلى جحيم يأتي من فتح ملفات المتهم الذي بدا في حالة نفسية سيئة رافضا للكلام.
انطلاقة صعبة لاعادة اكتشاف الذات من خلال البحث في جريمة شخص آخر.
فتنهض رواية “الفيل الأزرق” رحلة في عالم الجريمة والسحر والرعب والمكبوت لتكتب جحيم الذات الانسانية من خلال طلاسم السحرة وحبات الهلوسة”الفيل الأزرق” .
أدب الجريمة من جديد
يعود أدب الجريمة في مصر بقوة مستفيدا من تعلق الكتاب الشباب بالسينما العالمية وسينما الأكشن والرعب والواقعية السحرية تحديدا وهذه أحد الأسباب التي قربت الشباب في مصر من الرواية التي يكتبها هؤلاء الكتاب الجدد، ومكن ظهور هذه الروايات من اكتشاف جماليات جديدة للكتابة الروائية انعتقت من المناخات التقليدية للكتابة التي كرست بعد نكسة 67 والتي تدور غالبا اما في السياسي والتاريخي أو في الواقعية المحفوظية. ومن خلال هذه الأعمال الجديدة تجدد المعجم الروائي المصري والعربي بشكل عام بتجدد المناخات واختلاف الرؤية باختلاف ثقافات الروائيين. 
الجريمة في هذه الرواية تتخذ من العجائبية والسحرية أحد أركانها. فالأبحاث التي انتهى إليها الطبيب النفساني “يحي” لتبرئة زميله وصديقه المتهم بالقتل أوصلته إلى أن القاتل ليس سوى الكائن الغيبي، الشيطان أو الجني، الذي سكن جسد المتهم ونقل له بعد أن قامت مشعوذة برسم وشم أو ما يعرف بالتاتو لزوجته التي جاءتها تسعى إلى طريقة لتحسين علاقتهما الحميمية. فأصبحنا في “الفيل الأزرق” أمام جريمة مركبة المتهم فيها طبيب نفساني والمقتول زوجته والقاتل الحقيقي شيطان أو جني. 
هكذا تستفيد الرواية مع أحمد مراد من حبكة الرواية البوليسية وروايات الرعب والتحري من ناحية ومن مناخات الرواية السحرية من جهة أخرى دون أن تحرك قدميها من أرض الواقعية التي يشير اليها بقوة مستشفى العباسية.
لقد استطاع أحمد مراد في رواياته السابقة وروايته الجديدة أن يعيد عنصر التشويق للرواية المصرية من خلال ايقاع خاص قائم على حبكة البحث عن الجاني واشاعة الغموض المدروس والعلامات المدسوسة لتقفي حقيقة تائهة هي حقيقة الجريمة: من القاتل؟
عنف المتخيل وسريالية الصورة
كلما تقدم القارئ مع هذه الرواية إلا وانهالت عليه الصور السوريالية من ناحية وعنف المتخيل من ناحية أخرى وهذا الأسلوب يجد مشروعيته في هذا النص الذي يتحرك في عالم الجريمة وعالم اللامعقول في ذات الوقت. نقرا مثلا وصفه للمريض الصامت أمام أسئلة الطبيب ب”تمثال من الرخام تمطره الطيور بالفضلات” واختياره ميتة بشعة وسريالية لزوجة المتهم :” جسدها خرقة مستعملة حلقت من السماء السابعة إلى الأرض، قبل أن يمر فوقها بابور زلط صدئ، لترات دم غليظة نضحت من جسدها المغروس في الاسفلت وعظام اتخذت اتجاهات مخالفة”. وتتواصل هذه الأوصاف والأحداث على طول الرواية وكأننا بالروائي يتمتع بالتنكيل بشخصياته فيقدمها لنا في حالة مزرية حتى يتحول القرف إلى مناخ عام للرواية التي لا تكتفي بالجريمة فقط بل تعمل على مسرحتها بشكل يجعل من الواقع لا يطاق وهذا ما سيؤهلها لدخول اللامعقول ويدفع بالقارئ إلى عالم الرعب وهو يلاحق مصائر الشخصيات.
لقد استثمر أحمد مراد مجهودا واضحا للإمساك بخيوط عالم الأمراض النفسية وأعراضها وبدا واضحا أن الرواية احتاجت بحثا حثيثا ومعايشة ربما لحالات مرضية بمستشفى العباسية أو غيرهاومشاهدة عدد مهم من الأفلام التي اشتغلت على هذه العوالم لكي يؤرضن بعد ذلك الكاتب كل تلك الحالات في مصر.
رواية” الفيل الأزرق” رواية يشبهها الناقد صلاح فضل بشيفرة دافنشي لدان براون وأراها توليفة بين ايقاع وحركية ستيفن كينغ في رواياته “شاينينغ” و”بؤس، ميزري” أساسا وسحر وغموض “اسم الوردة” لأمبيرتو ايكو واستدعاء لتيار الواقعية القذرة في ليؤرضن كل ذلك في بيئة مصرية خصبة للتخييل بلمسة مخرج سينمائي في ثوب روائي نجح في كتابة رواية مشهدية لم تنتظر طويلا لتختطفها الشاشة البيضاء.
ـــــــــــــــــ
* أديب من تونس/عن الجزيرة نت

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *