من سرق طفولتي : حوار مع القاص عمار الجنيدي




حاوره:نضال القاسم

(ثقافات)


الشاعر والقاص عمار الجنيدي أحد الأصوات الإبداعية البارزة في الأردن، شكل حضوره في كتابة القصة مكانة متميزة، حيث تمثل أعماله إضافة نوعية للمنجز القصصي الأردني. ويتميز الجنيدي بعفوية ساحرة، فقصصه لها نكهة خاصة، تكتسب أهميتها من دقائقها وتفاصيلها وخفاياها وسخريتها السوداء، وهي تحكي قضايا الواقع وعوالم المهمشين. 
وعلى الرغم من أن الشاعر والقاص عمار الجنيدي لم ينشر حتى الآن سوى القليل من المجموعات القصصية إلا أنه استطاع أن يرسخ حضوره على خريطة القصة الأردنية من خلال مجموعته القصصية الأولى (الموناليزا تلبس الحجاب) التي صدرت في عام 1996، والتي أتبعها بمجموعته الثانية (خيانات مشروعة) والصادرة عام 2003، ومن ثم مجموعته القصصية الثالثة (أرواح مستباحة) والصادرة في عام 2009 ومن ثم مجموعته القصصية الرابعة والأخيرة (ذكور بائسة) والصادرة مؤخراً عن منشورات وزارة الثقافة في المملكة الأردنية الهاشمية. 
وجدير بالذكر القول أن الجنيدي هو مؤسس ورئيس جماعة رايات الإبداعية منذ عام 2004 وهو عضو رابطة الكتّاب الأردنيين، وعضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب، وعضو حركة شعراء العالم للسلام.
وبمناسبة صدور مجموعته القصصية الرابعة (ذكور بائسة) وبسبب اختيار عجلون مدينة للثقافة الأردنية، ولكون الجنيدي واحداً من أبرز المبدعين في هذه المدينة فقد التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار:-
1. سأبدأ بالحديث عن علاقتك بالكلمة، وعن رحلتك مع الشعر وعن بداياتك وعن المؤثرات التي شكلت وعيك وأسهمت في تكوين تجربتك الابداعية ؟
– أذكر فيما اذكره، أنني عندما تفتّحت مدارك وعيي، واحتواني الاهتمام بالثقافة نتيجة انبهاري بالمثقفين حولي كأبي وأصدقائه، وجلساتهم الغريبة الأطوار؛ من مساجلات في الثقافة والشعر والأدب، وما تكتنزه ذاكرة كل منهم بالاطلاع على أمهات وفحول الشعراء وقصائدهم والثقافة؛ انطبعت في ذهني رغبة جامحة بأن أجاريهم في مساجلاتهم ونقاشاتهم، فعمدت أحيانا إلى الإدلاء برأيي في بعض ما يتداولونه، فأجد اندهاشا من آرائي ترتسم على انتباهاتهم، وأحيانا كنت أًطلع بعضهم على كتاباتي الإبداعية،التي لم أكن واعيا لحقيقة تجنيسها، فأجد تشجيعا قليلا منهم، أما في أسرتي، فلم أكن محظوظا بتبني احدهم لإبداعي، إذ كانوا يعتقدون أن الإبداع الأدبي في أسرتنا هو شيء طبيعي وعادي جدا، بل أن المطلوب في أسرتي أن يكون أفرادها من ذوي البنية الجسمية القوية وهذا الذي يستحق الالتفات والاهتمام به، ولان بنيتي الجسمية الضعيفة لم تثر اهتمام احد فقد كان إحساسي بان جموحي قد أحبط.
2. ما هي الصعوبات التي واجهتها في بداية حياتك الأدبية؟
– صعوبة إيجاد الكتاب، وقلة المراجع الإنسانية المتخصصة في الإبداع الأدبي، وصعوبة بل أحيانا استحالة إيجاد منبر متخصص يواكب نشر الجديد، وقلة المعنيين بأمور الأدب والإبداع أو من يعتقدون بأهمية دور الإبداع الأدبي ولاعتقادهم بان الثقافة والإبداع ما زالت تحتكم لمعايير الرفاهية واللاجدوى.
3. ما موقع الحب والمشاكسة في حياتك في مرحلة الطفولة؟ كيف كنت تفكر وكيف كنت تنظر إلى الحب؟ 
– الحب كان من المحرمات في بيئتنا المحافظة، ولحد الآن لا أعرف ماذا تعني هذه الكلمة فهي ليست مدرجة في قاموس حياتي، واذكر أنني حين ذهبت إلى إحدى المكتبات الكبيرة لاشتري مجلة أدبية نصحني (المكتبي) بمجلة اسمها التسامح، عندها قلت له: لا، أريد مجلة عن الحقد.، ولأنني لم أعش فترة المراهقة فإنني أعتقد أن جزءا من حياتي قد سرق مني، وعليه فإنني لن استطيع الإجابة قبل أن تكتشف الجواب على من سرق مني مراهقتي ولماذا.
اعتقد أن الطباع المشاكِسَةِ هي التي تبني شخصية الإنسان، وعليه فان العناد أهم تلك الطباع إذا كان العناد محكوماً بضوابط أخلاقية، كما اعتقد أن الكتابة تجعل الإنسان محمياً، لذا لذت إلى حضن القصة والشعر، لاعتقادي أن فن الشعر والقصة استطيع التعبير بهما عما يمكن أن يقلقني.
4. كيف تحدد مناخ اعمالك الشعرية ؟ وهل تهتم بالشكل اكثر أم بالمضمون ؟ وكيف تتخلق القصيدة في داخلك ؟
– الحالة الشعرية والموضوع هو الذي يفرض واقعه ومناخه، والمقولة هي التي تحدد وتفرض وجودها وشكلها، فالمضمون ،كما أرى،هو الذي يحدد الشكل ويسيطر على جو القصيدة،وعليه فإن اختمارها في الوعي واللاوعي، هو غالبا ما يرهق رغبتي في تفريغ القصيدة على الورق، كي ارتاح من العبء والإرهاق والإحساس بالتخلص من بعض الهموم التي تغدو كبيرة مع بقائها داخل ضمير الوعي.
5. أنت قاص وشاعر، من الذي بدأ قبل الآخر لديك، القصة أم الشعر، وهل لأحدهما من أثر مباشر على الآخر، وهذا يقودني الى التساؤل حول ثقافة القاص وثقافة الشاعر ؟ 
– قد يكون الشعر أسبق وجوديا، وقد تكون القصة أكثر تأثيرا، وقد جنس إبداعي آخر أغور انبهارا وإصرارا على تشكّل التجربة، لكنني مع كل ذلك أشعر أن ما بداخلي اكبر ن مجرد قصة أو قصيدة أو أقصودة، فحالة العشق لا تتسع لها حدود الكلام والتعبير، بل انه كلما عبّرت عن هذه الحال أكثر كلما صارت الحاجة والرغبة تسعى إلى المزيد.
6. عمار الجنيدي، من وجهة نظرك، كيف تفهم العلاقة بين النقد والإبداع ؟ وهل أنصفك النقد ؟ وكيف ترى المشهد النقدي في الساحة الأردنية اليوم ؟
– أرى النقد انه حالة تكميلية لابد منها لفهم النص، والإبداع بحاجة للنقد، تماما كما حاجة الكريات الدم الحمراء والبيضاء إلى بضهما البعض، وإذا ما حدث تغوّل لأحدهما على الآخر؛ فإن خللا قاتلا يعتمل في الجسم.
أما علاقتي ورؤيتي للنقد في الاردن، فإن المسافة ما زالت طويلة أمام الإبداع في الأردن لكي يُنصَف ويُعطى ما يستحقه من اهتمام يليق بالتجربة، فما زال المبدع الأردني يبحث عن اعتراف به من الخارج لكي يتم الاعتراف به في الساحة الأردنية.
عموماً فإن المسافة الحقيقية بين الإبداع والنقد في الأردن، تماماً كما المسافة بين نقطتي نهاية الخط المستقيم.
7. ما هي طبيعة التصور الشعري الذي تم على أساسه ديوانك الأول (وهج الانتظار الأخير)؟ 
– استهوتني قصيدة النثر ووجدتني أكثر التصاقا بهذه التجربة كتعبير شعري عّما يمكن أن أبوح به وان أتستر خلف أستاره، فكانت تجربتي الأولى (وهج الانتظار الأخير) كإعلان عن مولد مشروعي في كتابة قصيدة النثر، وحاولت التعبير في قصائد الديوان عن الهمّ الوجودي الذي أرهق إنسانيتي لفترة من الزمن، وفيه أيضا لمسات من وجداني المُتعب،وإرهاصات ما بعد العشق.
أنا الآن بحاجة أن اكتب ما كنت أخاف الكتابة عنه.

8. بماذا تحلم وعلى أي جبهة تقاتل،وبصراحة،ما مدى تفاعل الشاعر(عمار الجنيدي) مع قضايا أمته في وضعها الراهن ؟
– لا يستطيع المبدع أن يعيش بعزلة عن مجتمعه وأمته، لابد من التأثر والتأثير المتبادل حتى لا ينفصل وجدانيا ووجوديا عن قضايا مجتمعه، وعليه فقد وجدت أنني سأكون تافها ووجودي بلا معنى أنيق إذا لم اترك بصماتي على خارطة الحياة، وهذا هو قناعتي بدور المبدع في المجتمع.
9. ما يميز أعمالك هو قدرتها على السخرية من الواقع، وهي كما يصفها (محمد سلام جميعان) سخرية إدانة لكل ما هو سالب ومعطل للفعل الإنساني، وهي سخرية مرّة، تهكميّة، تُدين الطبائع والأشخاص، فهل هذه المسألة عفوية، أم ان ذلك نابع من إيمانكم بدور الأدب في نقد الواقع المشوّه المبني على المثالب والمعايب الاجتماعية والسياسية ؟
– اشتغلت على المفارقة في الأدب، وكنت انظر للموضوع المراد الكتابة عنه؛ أنني يجب أن اكتب برؤية مختلفة عن غيري، لذا فقد كان طريقي صوب الإبداع يمر بالسخرية والتهكّم والمفارقة التي تُدين الواقع المكتوب عنه.
الكتابة عبر المفارقة كان أسلوبا يميزني عن الآخرين، وهو ما انتبه إليه بعض النقاد الحاذقين ونبّهوني إليه.
10. صدر لكم مؤخراً مجموعة قصصية بعنوان (ذكور بائسة)، ماذا عنها، وما هي مشاريعك الإبداعية القادمة ؟.
كنتُ قد اشتغلتُ على مجموعتي: “ذكور بائسة” منذ فترة، حاصراً مضامين مجموعتي بالمسكوت عنه في المجتمع الاردني والعربي، وعندما قاربت الرؤية على الاختمار وبدأتُ بإنجاز مهمتي كان لا بد – كعادتي – باختيار عنوان يلمُّ رؤى هذه المضامين، وبعد نجاح التجربة أَفكرَ جدّياً باستكمال التجربة وبدرجة عالية من الجرأة عمّا كانت عليه في “ذكور بائسة”. 


11. كيف تقرأ تأثير الربيع العربي على المبدع والابداع في الوطن العربي؟.
– جاء الربيع العربي كحصن يلوذ إليه المثقف والمبدع في العالم العربي، لكن على ما يبدو أن هناك قوى تحاول طمس ما يبنيه الربيع العربي وذلك باتخام الاعلام العربي بالمسابقات التي لا تمتّ للابداع الفكري بصلة، في حين أن هناك اصرارا من مثقفي ومبدعي الأمة على أن يوجِّهوا طاقاتهم وابداعاتهم نحو إعادة الثقة بالمستقبل ونقد الواقع بكل جرأة وحماسة سعياً لزعزعة ما أحاط بالشباب من فشل واحباط ومؤامرات على مستقبل أمته، وصار سقف التساؤلات التي ترهقه أكثر علوّاً ووضوحاً وجرأة في طرحها ومناقشتها، وعليه فقد تغيّر المزاج الثقافي والإبداعي لدرجة أننا بتنا نسمع للمهمشين صوتا يعلو ويطالب ويحتج.

12. أخيراً، أنت أحد مؤسسي جماعة رايات الابداعية، ماذا عن هذه الجماعة، وما الذي حققتموه بعد كل هذه السنوات، وهل ما زال الحلم قائماً ؟ 

– جماعة رايات الإبداعية كانت حلما منذ الهزيع الأول من تسعينيات القرن الغارب، لأنني كنت مؤمنا بضرورة التقاء المبدعين وتشاحن تجاربهم واطلاع الآخرين عليها، والتأثر والتأثير بها قدر الحاجة والرغبة في البوح.
الآن وقد ووجهت التجربة بردّ فعل غير مبال من الحاكمية البيروقراطية، فإنني راغب في الاستمرار ولكن بشكل آخر.
***

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *