*نصيرة تختوخ
( ثقافات )
فان خوخ في حكاية قطعه لأذنه أو اعتباره الفنان المجنون رغم صحة التفصيلين في سيرته المليئة بالدأب والإنسانية والتفكير والتأمل العميقين.
إن أي شخص يقرأ رسائل الفنان خاصة لأخيه طيو الذي دعمه وكان له المستمع والمحاور والسند سيلمس ذلك النبل الموغل في روح الفنان والاختلاف مابين الإنسان النمطي والعادي ومن أوتِيَ الموهبة ورقة الحس.
يصف أنطون فان رابارد فينسنت فان خوخ بعد وفاته لوالدته في رسالة فيقول :” إن من رأى ذلك الوجود الصامت، المصارع، المتألم، لن يشعر باستلطاف الرجل الذي طالب جسده وروحه بالكثير حتى أنهكهما.لقد انتمي للفصيلة التي يولد منها الفنانون الكبار ”.
ينصف فان رابارد صديقه بهذا الوصف الأخير وتشهد مجموعة الرسائل والأعمال المحفوظة للفنان المنتحر أنه كان دقيقا ومحقا فيما صرح به.
يتعثر فينسنت فان خوخ في حياته العملية بداية بالمشوار الديني ثم التجاري وينغمس في الفن تماما دون أن يوفر له المردود الكافي أو حتى مايغنيه عن معونة أخيه المادية لكنه يواصل دأبه بشغف منقطع النظير متابعا في الوقت ذاته مسيرة ونجاحات غيره من الفنانين والأدباء مبديا تقديره وإعجابه بدون عقد تذكر لايمكن إلا أن يكون من خامة الكبار والعظماء إنسانيا.
الانتقال من المناظر الداكنة إلى اللوحات المضيئة وركوب موجة التأثير اليابانية للخروج بألوان وأفكار جديدة ،استكشاف التمازج اللوني وقراءة الألوان في لوحات الغير لم تكن المراحل المؤدية إلى معرض أو صالون كبير لكنها تنقلات الفنان الذي يسعى نحو مايريد تطويره وإتقانه والوصول به إلى الرضا والجديد.
كان يريد أن يقول في لوحة شيئا مواسيا كالموسيقى ولايستطيع أحد أن ينكر أن التموجات في السماء وشجرة السرو والنجوم المضيئة لا تفتح الكون الساكن من حولها على تناغمها الداخلي ليغيب الرائي في مشهد آخر ويخرج بطقس أكثر جمالا وانفتاحا, أزهار شجرة اللوز تبلسم القلب بودعاتها والمزهرية المثقلة بأزهار عباد الشمس تمارس أُنسها كأي معزوفة تنجح في العبور إلى ماخلف الوضوح.
فينسنت الذي يختم رسالته في 9 فبراير/ شباط 1886 مستحضرا مانز المتحدث عن پول بودري بما يلي :” لقد اشتغل على تجديد الابتسامة ” يرفع أوجين دو لاكروا عاليا بتساؤله إن كان ليس مناسبا القول أن دولاكروا اشتغل على تجديد الشغف ويرتفع معه بقدرته على الجمع بين الملاحظة والتعبير والنسق وصفاء الروح.
مايستسهل البعض تسميته بتهكم جنونا يمكن أن يليق به توصيف أنسب هو المرض والانفلات من الإدراك صعب وقاس أثناءه وبعد.
الصداقة والإخوة التي جمعت فينسنت وطيو فان خوخ تركت للإنسانية إرثا يشهد على كيان ووجدان الفنان وروعة الرابطة الإنسانية حين تصبح ضربا من الإيمان بالواجب والمحبة والثقة التي لاتهز.
كل لوحات فينسنت فان خوخ في المتاحف العالمية وراءها المجهود والموهبة والإنتباه ومحبة أخ لأخيه ودعمه له ماديا ومعنويا.
كتب طيو لأخته في 13أكتوبر 1885 :” فينسنت واحد من هؤلاء الذين شاهدوا العالم عن قرب وانسحبوا منه. بقي علينا الآن أن ننتظر أن يظهر إن كان عبقريا فعلا أم لا.
أومن بذلك…عندما يتحسن عمله سيصير رجلا كبيرا. في مسألة النجاح يمكن أن يكون مثل هييردال(فنان نرويجي كان مقيما في باريس) محبوبا من طرف البعض لكن لا يفهمه الجمهور الواسع.
من يهمهم فعلا , ومن القلب, الفنان الذي في جعبته شيء ما و يتبينون ماهو مجرد ذهب زائف سيقدرونه حقا وأظن ذلك سينتقم له بشكل كاف من الاستياء المعلن من طرف كثيرين ”.
بعد وفاة فينسنت في 27يوليو 1890دخل طيو في حالة كآبة صعبة وأدخل لمصحة لعلاج المرضى عقليا توفي في 25 يناير 1891 ونقل جثمانه حسب رغبة زوجته ،التي جمعت رسائل الأخوين ورتبتها وأتاحت للعالم فرصة التعرف عليها
، ليرقد إلى جانب أخيه في أوڤير سور واز Auvers Sur Oise في فرنسا.