*فريد نعمة
عاشت بيرل باك فترة طويلة من حياتها في الصين، وكتبت عنها أدباً لم يكتب الأدباء الصينيون مثله. وأجمل ما كتبت رواية “الأرض الطيبة”، التي لخصت أحلام البسطاء وآمال المهمشين، هذه الرواية التي ترجمت إلى أربع وثلاثين لغة ونالت استحسان القراء والنقاد. نُشرت هذه الرواية سنة 1931 وتصدرت لائحة الكتب الأكثر مبيعاً في أميركا عامين متتاليين.
في سنة 1932 فازت بجائزة بوليتزر للآداب، وفي سنة 1935 فازت بميدالية جيمس دين هويلز للرواية المتميزة. ثم لعبت دوراً فعّالاً في فوز بيرل بجائزة نوبل للأدب سنة 1938. وبعد 73 عاماً، سنة 2004، عادت إلى لائحة الكتب الأكثر مبيعاً، وهو استثناء لا سابق له.
حقول وادعة
تبدأ الرواية بزواج الفلاح وانغ لانغ بالجارية أولان التي تملكها أسرة هوانغ الثرية في قرية في مقاطعة أنهوي شمال الصين. لم تكن أولان جميلة، ومع ذلك فرح وانغ وأبوه بها حين وجدا أنها تعد طعاماً شهياً وتعمل بجد في الحقل. تمر الأيام ويجني وانغ بجهده وجهدها محصولاً وافراً. يبيعه ويخبئ ثمنه للأيام السوداء. وبعد ولادة طفله الأول، يعلم أن أسرة هوانغ على حافة الإفلاس بسبب تبذير أفرادها وتعرض أراضيها للبيع. يشتري وانغ بما ادخر قطعة أرض منها ويضمها إلى أرضه الصغيرة.
يغار منه الفلاحون في القرية ويتهامسون بأنه ثري يتظاهر بالفقر. فيزوره عمه الانتهازي ويطلب مبلغاً من المال. يعطيه وانغ ويستمر مع زوجته في العمل في الأرض الكبيرة والإنجاب، فتتحسن أحواله ويصبح في منزله ستة أطفال.
فجأة تقل المياه ويذبل القمح والأرز في الحقول. تأتي المجاعة ويعاني من الجوع. يضطر إلى ذبح الثور الوحيد الذي يملك، ثم تقوم عصابة من الفلاحين الجائعين بالسطو على منزله. وعندما لا يجدون فيه شيئاً من الفضة والذهب، يسرقون المؤن الاحتياطي من حبوب الفاصولياء والذرة المجففة.
لم يعد يملك شيئاً وعليه مثل بقية الفلاحين أن يأكل الأعشاب والحيوانات النافقة. ينتهز عمه الفرصة ويأتي مع جماعة من تجار المدينة المستغلين ويعرض عليه شراء الأرض. لكن يرفض، ويوافق على بيع أثاث المنزل بقطعة فضية يستخدمها في الهجرة إلى الجنوب.
ثورة الريف
يستقر مع أسرته في كوخ قرب سور أحد القصور في مدينة نانكينغ الجنوبية. ويعمل بالأجرة في جر عربة بدولابين لنقل الناس والبضائع. ويقوم والده العجوز وزوجته وأولاده بالتسول، لكنهم لا يكسبون ما يسد الرمق. وفي أحد الأيام، يعود ابنه حاملاً لحماً مسروقاً، فيغضب عليه ويرفض اللحم المسروق ويرميه على الأرض. لكن أولان لا تكترث بغضبه، فتلم اللحم وتطبخ به الطعام لأولادها.
ومن جهة أخرى، يلاحظ وانغ أن الشارع مضطرب وعلى وشك الثورة على الأجانب والأثرياء، فيفكر بالهروب والعودة إلى قريته، لكنه لا يملك مصاريف العودة. تقترح أولان أن يبيع ابنتهما الصغيرة، فيرفض. ثم تهيج الجموع وتثور المدينة ويقوم الفقراء بنهب القصور التي هرب منها ساكنوها.
لوتس الجميلة
يجد منزله منهاراً، فيرممه بمساعدة جاره الوفي تشنغ. ثم يشتري من المدينة ثوراً وأدوات زراعية وأثاثاً جديداً للمنزل. وعندما يعرف أن زوجته عثرت على مجموعة من المجوهرات وراء طوب من القرميد في جدار أحد منازل الأثرياء في نانكينغ، يأخذها، ما عدا جوهرتين تطلبهما أولان لها، ويشتري بها المزيد من الأراضي من عائلة هوانغ. ثم يبدأ مع زوجته العمل في الأرض الواسعة، ويضطر إلى استئجار العمال ويعين تشنغ مشرفاً عليهم. بعد ذلك يهتم بأسرته ويرسل أولاده إلى المدرسة.
تزدهر أحواله ويصبح من الملاكين الأثرياء. وبعد سبع سنوات، يأتي الطوفان حاملاً مجاعة ثانية، لكنه لا يهتز ولا يهتم، وإنما يشعر بالملل والفراغ ويبحث عن التسلية في المدينة. وفي إحدى حانات الأغنياء، يتعرف على الشابة الجميلة لوتس، فيقع في غرامها وينفق ثروة عليها ثم يبني منزلاً متاخماً لمنزله لتسكنه كزوجة غير شرعية.
يعمي العشق عينيه ولا يرى غير لوتس التي تصدر الأوامر وهي تستلقي على الحرير وتأكل الطعام الشهي وهي تثرثر مع زوجة عمه الفاسدة. فيتشاجر مع والده الذي يرفض مومساً في منزل العائلة. ويقسو على أولاده وزوجته التي تعتل صحتها وتتألم كثيراً وخاصة عندما يأخذ منها الجوهرتين ليصنع منهما حلقاً لعشيقته. وعندما يكتشف أنها قاسية وغير مبالية بأولاده ولا سيما ابنته المفضلة والمعاقة التي يناديها “طفلتي المسكينة”، يصحو ويعود إلى أسرته وأرضه.
هموم الترف
يجد وانغ أن الثروة جلبت له الهموم والمشكلات. فإبنه البكر لا يعمل شيئاً ويمضي وقته باحثاً عن النساء. يغضب عليه بشدة عندما يعرف أنه زار لوتس في المدينة ثم يزوجه. كما أن عمه وزوجته وابنه يفرضون أنفسهم وأخلاقهم الفاسدة على عائلته ولا يكفون عن طلب النقود. يضاف إلى هذا أن أولان لا تغفر له خيانته لها وترفض التعويض منه. تموت وهو إلى جانبها، وبموتها يشعر أن ركناً من ذاته قد انهار، فيدفنها في الأرض التي عملا فيها معاً. بعدها يموت والده ثم صديقه تشنغ.
يقوم وانغ بالواجب نحو أولاده ويزوجهم ويرى أحفاده. يشعر بالوهن ولا يعود باستطاعته العمل فيؤجر الأرض. ثم يعمل برأي ابنه البكر ويشتري منزل عائلة هوانغ الفخم في المدينة وينتقل مع أسرته إليه وهو يرجو أن ينعم بالهدوء والسكينة.
لكن أولاده الثلاثة بتحريض من زوجاتهم لا يكفون عن الصراخ والشجار. وفي أحد الأيام يعرف أن أولاده اتفقوا على بيع الأرض بعد وفاته. يجتمع بهم ويوصيهم بالمحافظة عليها. يعدونه بذلك ويبتسمون. يدرك وانغ من ابتساماتهم انهم لن يفعلوا.
جسور إنسانية
تروي بيرل لنا قصة فلاح أحب أرضه وتمسك بها في الظروف الصعبة. تحمّل الجوع والتشرد والمهانة ليحافظ عليها. كان باستطاعته أن يحلّ مشكلاته ويبقى مرتاحاً في بيته لو باعها. لكنه رفض رفضاً قاطعاً بيعها. إنه يشعر بالولاء لها وهي في نظره الأم الحنون التي لا حدود لعطائها.
تأثرت بيرل بمربيتها العجوز التي روت لها الحكايات والأساطير الصينية، وبالمدرس كونغ الذي علمها اللغة الصينية وفلسفة كونفوشيوس، وبطبيب العائلة الهندي الذي أطلعها على الثقافة الهندية. وقد لعب الثلاثة دوراً محورياً في حياتها وأدبها. فبرزت إلى جانب الأدب كناشطة في مجال حقوق الإنسان.
بإيجاز أحبت بيرل الصينيين وخدمتهم ودافعت عنهم أكثر مما دافعوا عن أنفسهم. وكمكافأة لها طردتها السلطات الصينية ومنعتها من زيارة الصين لأنها تنتمي إلى الثقافة الأميركية الإمبريالية، فغادرت الصين عام 1934 ولم تعد إليها.
إضاءة
بيرل باك (1892 – 1973م)، كاتبة أميركية ولدت في بلدة هيلسبور في فيرجينيا، وقبل أن تبلغ من العمر خمسة أشهر سافرت مع والديها إلى الصين، حيث كانا يعملان في التبشير، درست وعاشت بين الولايات المتحدة والصين، للكاتبة إنتاج متعدد وغزير، ونظراً لأن معظم كتاباتها مستوحاة من الحياة في الصين لقبت بالكاتبة الصينية، وقد حصلت على جائزة نوبل في الأدب سنة 1938 في مجال الرواية.
في المسرح العالمي
1932 اقتبستها مسارح برودواي وكتب نصها المسرحي دونالد ديفيز وعرضت 56 مرة عام 1932.
في السينما
1937 تحولت “الأرض الطيبة” إلى فيلم أخرجه سيدني فرانكلين وفكتور فليمنغ عام 1937. ترشح الفيلم إلى خمس من جوائز الأوسكار وفاز بجائزتين؛ جائزة أفضل ممثلة لـ لويز رينير التي قامت بدور أولان، وجائزة أفضل تصوير سينمائي لـ كارل فريوند.
في التلفزيون
2004 عادت لتشغل الجمهور في حلقة من برنامج أوبرا وينفري في سبتمبر 2004 وجرى انتخابها عضواً في ” نادي أوبرا للكتاب”.
___________
*البيان