فتح الأندلس فى عيون باحثين إسبان


محمّد محمّد الخطّابي*

( ثقافات )

أصبح موضوع الفتح الإسلامي لإسبانيا يستأثر باهتمام المفكّرين والباحثين والكتّاب الإسبان في السنوات الأخيرة بشكل ملفت للنظر، فبالإضافة إلى العديد من الأعمال الرّوائية التي صدرت في المدّة الأخيرة حول الأندلس ومختلف المراحل التي مرّ بها تاريخها المتقلّب الحافل بالأمجاد والانتصارات، مثلما هو حافل كذلك بالهزائم والانتكاسات، نجد العديد من الأعمال الرّوائية التي لفظتها المطابع فى المدّة الأخيرة في إسبانيا على وجه الخصوص،وفي غيرها من البلدان الناطقة باللغة الإسبانية، مثل روايات :” طارق وموسى فاتحا الأندلس” للكاتب الإسباني خوان أنطونيو سيلفا، أو ” أستور” للكاتبة إيسابيل سان سيباستيان،أو ” معماريّو السّماوات” أو” سرو قرطبة” ليائيل غيلادي،أو ” كتاب قرطبة المحظور” لأغنيس إيمهوف،أو “الغزال رحّالة المشرقين”،لخيسوس دي لا طورّي،أو “جرّاح الأندلس” لأنطونيو كابانياس دي بلاس،أو ” طريق المستعرب” لخيسوس سانشيس أداليد، أو” فى بلاط الطوائف” للكاتبة ماغدالينا لاسالا،أورواية” السيّد” لخوسّيه لويس كورّال ،و”غرناطة بني نصر ” لأنطونيو غالا، و”قرطبة بني أميّة ” لأنطونيو مونيوث مولينا، و”سبيّ قرطبة”لألبرتو سانطوس، بالإضافة إلى هذه الأعمال الروائية والإبداعية ، نجد دراسات، وأبحاثا، وكتبا تعالج مختلف المواضيع التي لها صلة بالأندلس، أوموضوع فتح المسلمين للأندلس، أو التي لها صلة بتاريخ الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية بشكل عام. 
ومن الدراسات القيّمة الجديرة القراءة والإهتمام في هذا القبيل التي تسلّط الأضواء على المغزى الذي ينطوي عليه هذا الوجود، سواء بالنسبة للتاريخ الإسلامي أو الاسباني على حدّ سواء،ملف دراسيّ هام يتضمّن أربع بحوث معمّقة لمؤرخين، ومستعربين إسبان مشهورين ومشهود لهم بطول الباع في هذا المجال .
فى البحث الأوّل من هذه الدراسة يعالج الدكتور ” خواكين بالبي بيرميخو” الذي شغل منصب أستاذ كرسي بالجامعة المركزية بمدريد مفهوما جديدا حول الطرق، والسّبل، والمسالك التي سلكها العرب عند فتحهم لإسبانيا.ويحلّل الدكتور”مانويل غراو مونسرّاط”الأستاذ بجامعة برشلونة سابقا في المبحث الثاني موضوع الخلافات التي نشبت بين مختلف القبائل العربية غداة الفتح. ويعالج”خواكين فرنيط”عضو الأكاديمية الملكية الإسبانية للتاريخ في الدراسة الثالثة عملية انتشارالإسلام في إسبانيا.أمّا الباحثة”مانويلا مارين” التي عملت أستاذة بالمعهد العالي الإسباني للبحوث العلمية،فقد قدّمت في البحث الرّابع والأخير تعليقا ضافيّا حول آخر النظريات المتعلقة بهذا الموضوع. ونقدّم فيما يلي عرضا لأهمّ ما ورد في هذه الدّراسات من أفكار وتحاليل ورؤى ومعطيات .
اسم الأندلس
يعدّ المستشرق الإسباني “خواكين بالبي بيرميخو” من أشهر المؤرخين الإسبان المتخصّصين في مادّة التاريخ الأندلسي. هوعضو كذلك في الأكاديمية الملكية للتاريخ الاسباني،حيث كان موضوع الكلمة التي قدّمها خلال حفل مراسيم انخراطه في هذه الأكاديمية يدور حول هذه الدراسة بالذات، أيّ الطرق أو السّبل التي سلكها المسلمون عند فتحهم لشبه الجزيرة الإيبيرية .
يشير الكاتب في البداية إلى أنّ موضوع الفتح الإسلامي لإسبانيا ما زال يثير فضول الباحثين، والمؤرّخين،ذلك أننا نجد أنفسنا إزاء كثير من الإشكاليات عند تحليلنا لمصادرالمؤرخين العرب في القرون الوسطى سواء من حيث الرّواية التاريخية، أو اسماء الأماكن ، أوالعنصر الجغرافي. فبخصوص إطلاق اسم الأندلس على إسبانيا المسلمة يشير الباحث إلى أنّ هذا الإسم كان موجودا منذ العصر الجاهلي ، والعهد الإسلامي، وأيام الخلفاء الراشدين وجميع هذه المصادرهي قبل تاريخ711 م ، وهو التاريخ الذي فتحت فيه الأندلس. وبالتالي يتأكد لنا أنّ هذا الاسم مصدره الشرق العربي، ولا علاقة له بالنظرية القائلة بأنّ الاسم مشتقّ من اسم “الوندال” الذي ينطق في اللغة الاسبانية بصيغة قريبة من النطق الأندلسي وهي فاندلوس،ويشير الباحث أنّه منذ ذلك الإبّان كان يقال جزيرة الأندلس، كما أنّ بعض المصادر في شمال إفريقيا تعني ببحر الأندلس البحر الأطلسي.

أنساب العرب والبربر
وعند معالجة الباحث “مانويل غراومونسرّاط ” لموضوع المشكل القبلي بالأندلس غداة الفتح الإسلامي لها استدلّ في التعريف بالقبائل العربية التي كانت في الأندلس استنادا إلى كتاب “جمهرة أنساب العرب”لابن حزم (1064م) حيث يحفل هذا الكتاب بمعلومات وافية وغزيرة حول أنساب العرب منذ الجاهلية. بل لقد تضمّن الكتاب أنساب قبائل أخرى مثل البربر. و يشير الباحث إلى المواقع الجغرافية التي كان يقيم فيها العرب والبربر بإسبانيا ومن أهمّها منطقة الأندلس، و يستشهد الكاتب برأي المستعربة الإسبانية “ماريا خيسوس ريفيرا” التي تذهب فيه إلى أنّ عرب جنوب الأندلس اليمنيين كانوا أكثر عددا من عرب شمال الأندلس الذين كانوا يتشكّلون من بني غذرة، والتميميين، وبني مخزوم، وبني عقيل، والكلبيين، والخزرجيين، والقضاعيين، و اللخميين إلخ، و تحدّث الباحث عن الخلافات، والصّراعات، والمواجهات، والمشاكسات التي كانت تنشب بينهم سياسة كانت أم إجتماعية أم قبلية حيث كان للعصبيّة تأثير واضح في مجرى الحياة العامّة في فترة ما قبل تأسيس الدّولة الأموية بالأندلس، أيّ حتى نزول عبد الرحمن الداخل بثغر المنكّب عام755 م.
الأندلس والمذاهب الأربعة
يشير المستعرب الإسباني المعروف “خوان فرنيط ” من جهته في مستهلّ البحث الثالث من هذا الملفّ التاريخي إلى أنّ العنصر الأوّل الذي يمكن ملاحظته غداة الفتح الاسلامي يتعلق بمجال العادات، والتقاليد الحياتية الجديدة التي جاء بها العرب والبربر إلى الأندلس.
ويؤكّد الباحث فى هذا القبيل أن الفتح الاسلامي للأندلس تمّ بين711و755م ،وإنّ أصحاب المذاهب الإسلامية الأربعة عاشوا في الفترات التاريخية التالية : مالك بن أنس (710-795م)، أبوحنيفة (696-767م)، الشافعي (767-820م) ،ابن حنبل 780-855م) ،إذن هم حديثو العهد نسبيّا بالقياس إلى تاريخ فتح الأندلس المبكّر. وعليه فإنّ عملية انتشار الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية ليس مردّها إلى العامل الدّيني في حد ذاته، بقدر ما يعود إلى مرونة القادة المسلمين الفاتحين، حيث أنّ الإسلام في الوقت الذي عزّز فيه موقعه، وأصبح أمرا واقعا في إسبانيا ترك أهل الذمّة من يهود، و نصارى، يزاولون طقوسهم الدينية بحريّة .
الإسلام والتسامح
ويشير الدكتور فيرنيط إلى أنّ اليهود كانوا يعرفون جيّدا مدى التسامح الذي ينادي به القرآن الكريم الذي كان يبيح حريّة العبادات، خاصّة بالنسبة لأهل الكتاب. بل أن القرآن يمنح اليهود نفس مستوى المسيحييّن، وعليه فإنّ يهود إسبانيا – حسب الباحث الإسباني– لم يتردّدوا في مؤازرة الفاتحين. بل إنّ بعضهم إنخرط في جنود الإسلام للحفاظ على الأمن في بعض المدن المفتوحة ،والإسهام في تسهيل الزّحف العربيّ، وتتغلغله داخل إسبانيا.
ويرسل الباحث الكلام فيما بعد عن قانون الجزية في الإسلام، مستشهدا بالنصوص القرآنية و التاريخية، كما تحدّث عن نظام الأحوال الشخصية في ذلك الإبّان.
البحث الرّابع و الأخير من هذا الملف الهام استهلّته الباحثة الجامعية ” مانويلا مارين” مشيرة إلى أنّ عملية الفتح الإسلامي في حدّ ذاتها تشكّل عنصرا تاريخيا فريدا فى بابه بالنسبة لإسبانيا ، يثير غير قليل من التساؤلات لدى المؤرّخين، وأن مد ّ الفتح الاسلامي و قضاءه على الدّولة الكبرى أمر يثير الحيرة والذهول، ممّا أدّى على إثر ذلك إلى تغييرجذري في الخريطة السياسية في حوض المتوسط رأسا على عقب . و تشير الباحثة إلى أنّ المسلمين وجدوا في شمال إفريقيا من المواجهة ما لم يجدوه في إسبانيا التي فتحوها بنفس السّهولة التي فتحوا بها سوريا، والعراق، ومصر.
وتشير مانويلا مارين إلى أنّ الفتح الإسلامي موضوع يحظى باهتمام كبير من لدن المؤرّخين الإسبان في الوقت الرّاهن حيث تتمثّل معالجتهم لهذا الموضوع في تأمّلات، و دراسات،وبحوث تدور برمّتها حول أسباب هذا الفتح، ومعناه الحقيقي بالنسبة لتاريخ إسبانيا.
وتورد الباحثة في هذا الصّدد أقوال مستشرقين أجانب مشهود لهم بطول البّاع فى الدّراسات التاريخية للفتح الإسلامي لإسبانبا مثل “ليفي بروفينسال” الذي يقبل أساسا بمصداقية المصادر العربية، على الرّغم ممّا يكتنف بعضها من طابع الأسطورة،والخرافة، والخيال. و”بيير غيشار” المتخصّص في القبائل العربية و العائلات الأندلسيّة.
_____________
*كاتب وباحث ومترجم من المغرب،عضو الأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم التي يوجد مقرّها بكولومبيا.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *