*رتيبة كحلان
( ثقافات )
ستصيبكم وسائل الإعلام كعادتها بعدوى نفض جيوب عام مضى جاعلة إيّاكم تتوهّمون أنّ الرّجوع بالذّاكرة إلى الوراء لأمر فيه من المنافع ما قد يُغيّر واقعكم متى دقّت أجراس السّاعة الصّفر وانتقلنا إلى رقم جديد للسّنة على يمين الصّفر حتّى صارت هذه العادة تصاحب رغبة جامحة فينا للتّملص من خيبات ماضية والإقبال على الحياة بكثير من التّمني، والواقع أنّ هذا السّلوك سيكون مشتلة لمزيد من الخيبات تبدأ في الظهور رويدا رويدا لتطفو على سطح الواقع متجاوزة طبقات الأمنيات التي بذلناها لبعضنا البعض كسبيل للمجاملة التي لا تكلّف شيئا وكوسيلة تكبح جماح الوقت الذي ينقضي غير عابئ بما نحاول فعله تداركا لسرعته الكبيرة.
ماذا يمكن أن يفعله الوقت لنا وإن كان في ثوب جديد إن لم يكن لسواعدنا كفّ البذل وصراط التّقدم إلى الأمام وشيء من المحسّنات الضرورية لنسق التّفكير أوّلا ثمّ لمدارج الفعل ثانيا ؟ ..
كان بإمكان بداية العام أن تكون مختلفة لولا أنّنا لم نُصب “بالعشى الليلي” قبلها فما خُطف من نور من عوالمنا وما تمّ الاستيلاء عليه من حقول رؤيتنا جعل الاحباطات تَمثُلُ أمامنا بإصرار معتاد يسبقها ضجيجها ويدلّ عليها غبار المآسي المرتفع والتي تأبى إلا أن تستميل صمتنا، فما دمنا على قيد حياة كهذه فإنّ الزّمن هو للتّرحم على الحياة الحقيقيّة من دون أن نذرف دمعة واحدة فليس فألا جيّدا البكاء على المطالع .. العام الجديد واحد منها.
إن أغلبنا يستعرض أحداث عام مرّ عليه بإعادة إحياء مراسيم الجنائز من جديد وتشييع الموتى وتطويق نفس ألحان الفرح المعزوفة سابقا والواقع أن إلقاء نظرة إلى الخلف بقدر ما تفيدنا بقدر ما توجعنا فالرّاهن من الأحداث تختزل حتّى البقعة الضّيقة للفرد وتغطّي الأحداث العالمية عمّا سواها حتّى إن كانت بعض الأحداث العالميّة مرتبطة بالأفراد .. فإن كان لزاما علينا إعداد تقويم شامل فالأفضل أن يكون بترفّق القائم أمام مرآة يتأمّل فيها نفسه : كيف هي الآن؟ وما الذي يريد إضفاءه عليها خلال عام أقبل؟ من هنا يبدو أنّه من اللازم ابتكار طرق شتّى نزيح بها غشاوة ذلك العمى ليكون للعام الذي نكبر فيه مناشيرا تلغي مصطلح البساطة المعتادة المقيتة وتفسح المجال للفرد أن يتجاوز مغالطات تجميع الزّمن كما تفعل وسائل الإعلام فالمهمّ أن لا يفقد المرء نفسه بمرور الزّمن فيحقّق بإنجازات قليلة الكثير من الرضى عن ذاته كطريقة مهذّبة للبقاء على قيد حياة يلتهمها عفن الخذلان يوما بعد يوم.
وإن كانت الغالبية لا تميل إلى الاقتناع بما تثيره الكلمات من نشوة الاقبال على الحياة بعزم مركّز ذلك أنّ الصواب يقف في صفّها طبعا إلا أنّ ما نواجه به بعضنا البعض من حقائق يختزل النزعه الطوباوية التي درجت على احتلال حيز لا يستهان به من حياتنا فبقدر ما يكون المرء واقعيا بقدر ما يهندس حياته وفقا لهذه المعطيات عن علم وإدراك فيأخذ في حسبانه محيطه الداخلي والخارجي وإمكانياته المتاحة على أن يكون عامل الزمن الأهم بين كل ذلك.
فألقوا مناشيركم الشخصية في وجه العام الجديد سيغمض عيونه ويغفو سيكون لكم مهلة للبناء على مشروع مقبرة ولكن حية.
______
*كاتبة من الجزائر