مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة رؤية ثقافية فنية


*آسية البوعلي
حضرت مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة في دورته السادسة الذي عقد بالقاهرة في الفترة من 16 – 22 نوفمبر والذي ورد تحت عنوان “بين سينمائيات”، وذلك بموجب دعوة أتتني من قِبَل مؤسسة ومديرة المهرجان الأستاذة : أمل رمسيس .
ومن خلال متابعتي لأكبر عدد ممكن من أفلام المهرجان التي تنوعت ما بين الروائية والتسجيلية والرسوم المتحركة، واللائي لولا ضيق المساحة الكتابية لقدمت لكل منها قراءة نقدية، لذا سأكتفي لتعريف القارئ بأن هذه الأفلام مثلت أكثر من عشرين دولة وعرض كل فيلم منها بترجمة عربية وإنجليزية، وأن قاعات العرض توزعت بين كل من : مركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية، وقاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية ، والمسرح الفلكي بالجامعة ذاتها، ومعهد جوته القاهرة ـ عبر هذه المتابعة خرجت بنتيجة مفادها أن المهرجان بعروضه قدم نافذة للإطلالة على أفضل ما صنعه النساء في مجال السينما، كما أن الكثير من الأفلام تميز بجودة فنية وأساليب تعبيرية مختلفة ومتنوعة، فضلاً عن لغة بصرية متنوعة من حيث المضمون، ومن حيث العرض لأحدث موجات السينما الجديدة على مستوى العالم.
ومما لاشك فيه أن المهرجان قدم حراكًا ثقافيًا وفنيًا سينمائيًا، عبر طرح موضوعات وقضايا تخص المرأة ومن صنعها، والأجمل من ذلك أن الدعوة في عموميتها ومجانيتها مكنت من اتساع أرضية المشاهدة، مما شكلت قاعدة عريضة من الجمهور ومكنت من فتح النقاش بين الأخير والمخرجات اللائي أتين من دول عربية وأخرى أوروبية، لتبادل الخبرات بين الطرفين، فضلاً عن إثارة قضايا سينمائية وسياسية واجتماعية، تلك التي امتدت لتشمل الأنشطة الموازية للمهرجان والتي تمثلت في ورش الفيديو والموائد المستديرة والمحاضرات.
لم يكن هناك لجنة تحكيم للأفلام في المهرجان بالمعنى المتعارف عليه، واكتفى الأخير في تقديمه لجائزة أفضل فيلم التي قيمتها(36000 ألف جنيه مصري) على ثقته في الجمهور نحو تقييمه المتميز للأفلام المعروضة، وذلك بإحراز الفيلم على أكبر عدد من أصوات الجمهور خلال التصويت الذي تم عقب مشاهدة كل فيلم عبر توزيع قصاصات من الورق التي تضمنت مستويات التقييم .
وعليه فقد قدمت جائزة أفضل فيلم للفيلم الـهولندي “ مدينة صامتة “Silent City إنتاج2012م ومدته 90 دقيقة . الفيلم من إخراج (تريس آنا –Threes Anna ) وإنتاج (جوسيه فان دورن – Jose Van Doorn ) والفيلم في مضمونه رمزي تدور قصته حول “روسا” المرأة الشابة التي تذهب إلى طوكيو كي تتعلم فن تحضير السمك من أستاذ ياباني شهير متخصص في السمك، فتكتشف إن العيش في العاصمة اليابانية كالعيش في الماء بإمكان الإنسان أن يعوم فيحيا، وبإمكانه أن يغرق فيموت، ومن ثم عليها (أي روسا) وقبل أن تتعلم فن تحضير السمك، أن تعرف ما هي السمكة أولاً، وأن تتعلم كيف أن تكون سمكة. فالرسالة المستوحاة من مضمون الفيلم هي؛ على المرأة التي هي المعادل الموضوعي للسمكة والأخيرة هي رمز للأولى – أن تعرف ذاتها أولاً، إذ بهذا الكشف وهذه المعرفة فقط تستطيع مجابهة البحر (العالم) بكل حالاته.
هذا وقد تزامن المهرجان مع وضع حجر الأساس للنصب التذكاري بميدان التحرير تخليدًا لذكرى شهداء الثورتين المصريتين 25 يناير 2011م و 30 يونيو 2013، كما تزامن مع الذكرى الأولى لشهداء شارع محمد محمود بوسط المدينة ،ومن المفارقات أن النصب التذكاري الذي نصب صباحًا تم هدمه في مساء اليوم ذاته!! وحيث إن الفنون دومًا في التصدي لتيارات التدمير، فقد أعيد بناء النصب بمنتهى الجمال والفنية في صباح 5 ديسمبر 2013م.
إنني أؤمن بأن أي متابعة لفاعلية ثقافية أو فنية الغرض منها في الأساس هو الاستفادة من خبرات الآخرين لتطوير فكرنا لتقديم الأفضل منها في السلطنة، لذلك فإنني أود أن أنوه إلى المعنيين سواء بوزارة التراث والثقافة و بوزارة الإعلام وبوزارة التنمية الاجتماعية وبالجمعية العُمانية للسينما وبشركات انتاج الأفلام الخاصة إلى أهمية ما تلعبه الصورة البصرية المرئية من هيمنة، ينجم عنها المتابعة والتأثير الأقوى مقارنة بالكلمة المدونة المقروءة، لاسيما في ظل الحقيقة المؤلمة المتمثلة في التراجع المؤسف لساعات القراءة عند السواد الأعظم من الناس، لذا فإن رؤيتي الثقافية الفنية المطروحة هنا تتلخص في إبراز حاجتنا إلى مشروع ثقافي فني يتجه نحو صناعة مجموعة من الأفلام التسجيلية القصيرة منها والطويلة، ذات الجودة في المضمون والتناول الفني تعيننا على طرح الموضوعات المختلفة وتقترح الحلول المحتملة لقضايانا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والعقائدية والنفسية… إلخ . وفي تصوري أن هذه الأفلام لن تسجل لمرحلة تاريخية معاصرة نعيشها فحسب، بل ستعكس على مدى الزمان عمقنا الفكري وجمالياته الفنية وبعدنا الثقافي في التعامل مع المفردات الحياتية.. وسأضرب مجموعة من الأمثلة على ما أقصده بهدف الإيضاح.
في الفترة السابقة وعبر الصحف المحلية تابعنا جميعًا إحصائيات حالات الطلاق المرصودة بدقة والناتجة من مناطق السلطنة المختلفة، وهي إحصائيات صدمتنا جميعًا من حيث عظمة عددها، لكننا لم نفكر في طرح قضية الطلاق كإشكالية اجتماعية على الصعيد المرئي الفني (الفيلم التسجيلي) لنقف عند دوافعها المختلفة أو عند جزء منها ومقترحات الحلول.
إننا في كل عام نتابع البعثات الدراسية التي تطرحها وزارة التعليم العالي للطلاب للدراسة بخارج السلطنة وهو امر إيجابي وبناء للكوادر الوطنية لا خلاف في ذلك، لكن لم نفكر في طرح الأزمة النفسية التي قد يتعرض إليها الكثير أو القليل من طلابنا أثناء فترة الدراسة بالخارج نتيجة للاغتراب، كما لم نعرض لحالات الصدام مع الواقع التي قد يواجهها هؤلاء الطلاب حين العودة إلى وطنهم، في تقديري هذه إشكالية نفسية جديرة بالمناقشة والطرح في فيلم تسجيلي.
نقرأ عبر الصحف المحلية بشكل متواتر، القبض على الخارجين عن القانون من تجار ومروجي المخدرات، وبعض هيئات المجتمع المدني محليًا تعمل جاهدة للتصدي لعمليات التعاطي والإدمان لدى فئة الشباب بجنسيه، كما أن لديها الإحصائيات المختلفة. قضية المخدرات قضية اجتماعية وتربوية في تقديري تستحق الطرح والنقاش عبر فيلم تسجيلي.
تلك كانت مجرد أمثلة لما اريد أن أوضحه من تأثير الصورة البصرية ؛ (الفن السينمائي) في تحريك أي موضوع أو إبرازه، وما أريد التأكيد عليه أهمية القوالب الفنية السينمائية التي بإمكاننا تطويعها وتوجيهها حسب الاحتياج والهدف وطبيعة الموضوع.
_____
*جريدة “عُمان”

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *