أدونيس يصف الداعين إلى حرق كتبه بـ’النازيين’


*كرم نعمة

وصف الشاعر العربي أدونيس دعوات حلقات متشددة بحرق كتبه ودواوينه الشعرية، واتهامه بالإلحاد الباطني والإجرام، بأنها جزء من ظاهرة تاريخية “أقدم عليها المتعصبون في جميع مراحل تاريخنا الإسلامي، إلى جانب المتشددين في القرون الوسطى والفاشيين والنازيين”.

يأتي ذلك في وقت أصدر عبدالفتاح زراوش حمداش، أحد زعماء التيار السلفي المتشدد في الجزائر وقائد ما يعرف بـ”الصحوة الحرة الإسلامية السلفية”، بيانا دعا فيه “أهل السنة في العالم” إلى إحراق كتب أدونيس ودواوينه الشعرية، واصفا إياه بـ “الملحد الباطني المجرم… الذي سب واعتدى على الصحابة رضي الله عنهم، ودعا إلى إحراق دمشق معاوية وحمص ابن الوليد رضي الله عنهما، وتجرأ على الفاتحين كصلاح الدين الأيوبي، ودعا إلى إحراق حمص ودرعا وأهلها أحفاد الفاتحين والأبطال نخوة وشامة العرب”.
وعبر ادونيس في تصريح لصحيفة (العرب) اللندنية نشرته على صدر صفحتها الأولى الاثنين، عن أسفه لاستمرار بعض المسلمين بالدعوة إلى ارتكاب مثل هذه الأفعال التي تتنافى مع جوهر الإسلام، ودعوته السمحة التي حثت على طلب العلم ولو كان في الصين”.
ونفى الشاعر السوري المقيم في فرنسا علاقته بأبيات شعرية تحمل حسا طائفيا نسبت له، وأثارت ردود فعل من متشددين طالبوا بحرق كتبه.
وكانت مواقع على الانترنت قد نسبت لأدونيس مقاطع شعرية توحي بان حرائق دمشق ورائها “أبي جهل ومعاوية وعهر يزيد” وحريق “حلب إجرام صلاح الدين…” في إشارة إلى علوية أدونيس في مهاجمة أسماء تاريخية موضع اختلاف بين الشيعة والسنة.
وقال “إن هذا ليس شعرا، ولا أظن أن لغتي من الممكن أن تهبط إلى هذا المستوى، وكل من يعرف شعري جيدا سيدرك منذ الوهلة الاولى أن ذلك محض تزوير واختلاق”.
وأكد الشاعر الحاصل على جائزة “غوته” الالمانية كأول أديب عربي، عدم علمه بمن كتب تلك الأبيات ونسبها له.
وتداولت صحف ومواقع الكترونية أن الشاعر السوري المعروف كتب عن دمشق وحلب وحمص ودرعا “فلتحترق.. احترقي يا دمشق.. أبي جهل ومعاوية وعهر يزيد/ احترقي يا حلب.. إجرام صلاح الدين/ احترقي يا حمص المكناة بإجرام ابن الوليد/ احترقي يا درعا… البداوة والجهالة والثأر والضباع المناكيد/ لتحترق كل هذه الهياكل… لو كانت من الطيبات ما أنتجت كل هذي الرزايا”.
وتمنى أدونيس على الأشخاص الذين يتحدثون باسم الإسلام ويرفعون رايته أن يتعلموا على الأقل قواعد اللغة العربية، وأن يعرفوا كيف يكتبون وكيف يقرؤون حتى يتمكنوا من الارتقاء إلى المستوى الذي تتطلبه مهمة الدفاع عن الدين، في زمن لا تأتي الرماح فيه من جهة أعداء الإسلام، بقدر تلك التي تصيبه من جهة أبنائه.
ولم يبد الشاعر السوري الذي أثارت تصريحاته السابقة جدلا متهمة إياه بدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أي اهتمام بدعوة البيان الصادر عن المجموعة السلفية الجزائرية إلى حرق كتبه ودواوينه الشعرية.
ونفى أن يكون قد تقدم بطلب لتأمين سلامته إلى السلطات الأمنية في مقر إقامته في العاصمة الفرنسية باريس، مؤكدا أنه لا يهتم بهذه الامور على الإطلاق، “إذ أنني أعدها ليست عدوانا على شخصي، بقدر ما تحمله في مضمونها من عدوان على الإسلام وثقافته وتاريخه”.
وسبق أن أعلن إنه ضد الأديان المسيسة، نافيا امتلاكه لأي مشروع طائفي في سوريا، مؤكدا أن الحرب القائمة بين السنة والشيعة في المنطقة بدأت تتخذ طابعا عالميا.
وقال في آخر تصريح له “ولدت علوياً، ولكن ليس لدي أي مشروع علوي. الإنسان يكون طائفياً، اذا كان لديه مشروع طائفي. انا منذ طفولتي ضد الطائفية وضد الأديان المسيَّسة التي تفرض نفسها كمؤسسات على المجتمع”.
وسبق ان طالب أدونيس الرئيس الأسد ان يفعل شيئا و”يفتدي” أخطاء تجربة حزب البعث الحاكم وان “يعيد الكلمة والقرار إلى الشعب” السوري.
وقال “اذا تصورت نفسي مكانه اترك السلطة (…) الأسد قادر على إجراء الإصلاح (…) واقل شيء يمكن ان يفعله الاستقالة من منصبه”.
وأكد ان “المجتمع لا دين له، دين المجتمع هو حقوق الإنسان وحرياته وليس الكنيسة أو الخلوة او الجامع”.
ورفض الترحيب بالأنظمة الإسلامية التي استحوذت على الحكم في بلدان الثورات العربية، و”استبداد الأنظمة”، موضحا انه ضد نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والرئيس السوري الحالي بشار الأسد، إلا انه لا يرحب بوصول الإسلاميين إلى السلطة.
وقال في حوار مع صحيفة الغارديان البريطانية “أن الدكتاتورية العسكرية تسيطر على العقل، أما الحكم الإسلامي فيسيطر على العقل والجسد”.
وعبر الشاعر الذي وصفته الصحيفة البريطانية بـ”النبي الوثني” عن خشيته الا تكون الديمقراطية الحل الأمثل للدول العربية عندما يتعلق الأمر بوصول الإسلاميين إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية.
وشدد بقوله أنه سيكون ضد “الديمقراطية” لو جاءت بالإسلاميين، مع انها حسب تعبيره أفضل من الدكتاتورية.
وأظهر أدونيس مواقفاً “سياسية” جديدة له عندما أكد انه ضد الاستبداد، ولكنه ضد استخدام العنف وضد التدخل الأجنبي، موضحاً انه من مدرسة غاندي لا من معجبي غيفارا.
ويتناقض موقف أدونيس الجديد مع “مباركته” احتلال العراق من قبل القوات الأميركية والبريطانية عام 2003.
وأشارت صحيفة “الغارديان” إلى قيام أدونيس برفع صورة لجنود أميركيين يدنسون جثثاً عراقية، خلال مشاركته في أمسية لبيت الشعر أقيمت في باريس، ونقلت عنه قوله إن”الغرب لا يتدخل في الدول العربية من منطلق الحرص على حقوق الإنسان، لأنه لو كان هذا صحيحا لكان تدخل لنصرة الفلسطينيين”.
وحرص الشاعر السوري المولود عام 1930 في قرية قصابين الجبلية المطلة على البحر المتوسط، على تأكيده أنه مع الثورة لكنه لا يشارك فيها، فللشاعر دور مختلف عن السياسي –حسب تعبيره-.
وطالب ان تكون الثورة منبثقة من الشعب وليس من التدخل الخارجي، وخصوصاً من دول سبق وان استعمرت البلدان العربية.
وقال أدونيس ان مواقفه الرافضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، لا تمت بصلة لحياته الشخصية، حيث والدته البالغة من العمر 108 أعوام مازالت تعيش في سوريا.
واختار علي أحمد سعد أسم أدونيس منذ ان كان عمره 17 عاما تشبهاً بآلهة الخصب اليونانية.
وووصفته صحيفة الغارديان بالمعادل العربي للشاعر البريطاني “ف أس نايبول” الحاصل على جائزة نوبل للآداب. وتأثيره أحدث زلزالاً على الشعر العربي بطريقة مماثلة لما قام به “ت اس اليوت” في الشعر الانكليزي.
وقام مع زوجته الناقدة خالدة سعيد بتأسيس مجلة “شعر” و”مواقف” في بيروت منتصف الخمسينات من القرن الماضي، حيث قدمت الأدب المعاصر للقاريء العربي وكانت أول من ترجم قصيدة “الأرض اليباب” لاليوت، إضافة إلى قصائد عزرا باوند، وستيفن سبندر، وفيليب لاركن وروبرت لويل.
وأثارت قصيدته الشهيرة “هذا هو أسمي” التي كتبها عام 1970 آثر نكسة حزيران ردود فعل بين الجمهور العربي آنذاك، الا انه كان من بين أول المرحبين بالثورة الإيرانية بقيادة الخميني عام 1979، كما عالج في كتابه “الثابت والمتحول” عام 1974 الصراع بين الإبداع والتعصب في العالم العربي.
ولايؤمن أدونيس بقدرة الشعر على إحداث تغيير في المجتمع، ويعول أكثر على الأسرة والتعليم والنظام السياسي في إحداث هذا التغيير، ومع ذلك فهو يعتقد ان دور الشعر في اكتشاف علاقة جديدة بين اللغة والأشياء لصنع صورة مغايرة للعالم.
وقال “التنظير حول الشعر مثل الحديث عن الحب، هناك بعض الأشياء التي لا يمكن تفسيرها، فلم يتم خلق العالم ليكون مفهوماً، ولكن يمكن التفكير والتساؤل”.
_____
*ميدل إيست أونلاين

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *