*خلود الفلاح
( ثقافات )
أثارت الفتوى رقم “1587” والمنشورة بتاريخ 1_12_2013 ، بصفحة “دار الإفتاء الليبية” على موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” المتعلقة بمنع النساء من السفر دون محرم غضب العديد من الليبيين مما اعتبره البعض تعدٍّ على الحريات في بلد يتجه لتكوين دولة مدنية يحكمها القانون، فكتبت الروائية رزان المغربي على حسابها الخاص بالفيس بوك “قررت رفع شكوى للأمم المتحدة، ضد رئيس الحكومة الحالية السيد زيدان، وضد رئيس المؤتمر بوسهمين. مفاد الشكوى أنهم يسافرون إلى الأمم المتحدة، ولا يحترمون المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها ليبيا عندما كانت مستقلة، وبما أننا رعايا وتحت الوصاية الدولية بموجب القرار 1973 لحماية المدنيين، لهذا وبناء عليه: لا يحق لأحد منعي أو منع النساء الليبيات من السفر عبر جميع المنافذ من غير محرم ..التوقيع لكل النساء والرجال. وقالت الصحفية نهلة المهدي إن التوقيع على المذكرة واجب إنساني وأضافت: السؤال الأوجه: ما علاقة المفتي بالقوانين المنظمة للدولة؟ من هو المفتي؟ ما هي وظيفته؟ ما علاقة دولة مدنية بوظيفة المفتي؟ هلال شهر رمضان يمكن رؤيته عن طريق مركز الاستشعار عن بعد, الحمد لله نحن في عصر متطور, وفي الدين لا يوجد هذه الخرافات التي يتشدق بها المفتي ويعمل صبيانه على تنفيذها دون الرجوع إلى قوانين الدولة المعمول بها, هل انتقلنا من مزاج القذافي إلى مزاج تاجر الدين المفتي الغرياني؟ هذه الفتوى هي مُلزمة للمفتي وأسرته ومن يقتنع بها.
في وقت سابق من العام 2007 أعلنت الحكومة الليبية إصدار قانون يمنع الليبيات تحت سن الأربعين من السفر دون محرم فاعترضت النساء وعقدن اجتماعات في طرابلس وبنغازي لمنع القرار. واعتباره انتهاكا لأبسط حقوق الإنسان وإعلان رسمي عن عدم أهلية المرأة الليبية.
محرم تحت الطلب
طالبت دار الإفتاء في نص الفتوى المسئولين أن ينظروا في هذه المسألة، ويتحملوا مسؤوليتهم, ويتعاملوا معها وفق الضوابط والأحكام الشرعية، والله أعلم. وكان الذي أثار هذه المشكلة كما ذكر بالصفحة رسالة تستفسر عن حكم سفر المرأة بلا محرم؟ خاصة أن بعض النساء أبلغ عنهن أهلهن بأنهن مخطوفات, ثم تبين أنهن سافرن خارج البلد بمحض إرادتهن؛ لأجل الفساد, ونرجو منكم السعي لدى الجهات المسئولة لإصدار قانون يمنع سفر المرأة بلا محرم.
لم يكن توجيه النقد لهذه الدعوة مقتصرا على النساء فكتب إبراهيم ما يلي: إلى الصادق الغرياني وفتواك بخصوص منع المرأة الليبية من السفر بدون محرم لكي لا تنحرف في الخارج ولا تنجر للرذيلة بحسب فتواك الأخيرة!! يا سيادة المفتي ثلاث سنوات عجاف مرت على نساء ليبيات مهجرات من وطنهن مع أسرهن و أطفالهن في دول الشتات في مصر وتونس والمغرب والجزائر وغيرها؟ ألا تعلم يا سيادة المفتي بأن اللحم الليبي أصبح لحما رخيصا يباع على أرصف الدعارة النخاسة وأسواق المربيات والخادمات في هذه الدول؟ ألا تعلم بأن سمعة الليبيين أصبحت كالقطران الأسود بسبب هذه المأساة؟ ألا تعلم بأن هذه المصيبة التي تعانيها بناتنا في الخارج ستلقي بظلالها على الأجيال القادمة اجتماعيا وسلوكيا و نفسيا؟
وطالب نزار بالبحث عن حل لمشكلته حيث تضطر زوجته للسفر مع ابنه المريض دون محرم فكتب يقول: أعالج ابني على نفقتي الخاصة. وبما إنني بحاجة للمال بشكل دائم فأنا اعمل هنا بينما يسافر ابني صحبة أمه لطلب العلاج الغير متوفر في “خرابتكم”.. فكيف لي أن أكون شخصين كي أسافر معهم كمحرم.. أو انه يجب علي ّ أن افرض على أهلها تغيير حياتهم من اجلنا؟!.علما بأني أثق في زوجتي شريكة حياتي .
وتحت عنوان “تفثفيت” كتبت ليلى نعيم المغربي: قريباً.. تقرأ في صفحات الإعلانات عن وظائف شاغرة في الصحف، مطلوب محرم.. على أن يتكفل بمصاريف سفره.. وبمجرد وصولنا لوجهتنا أساعده في البحث عن عمل، مطلوب محرم أتكفل بمصاريف سفره وإقامته، لكن مصاريف الرفاهية غير مسئولة عنها.. لو أعجبني يمكنه البقاء معي.
محرم تحت الطلب.. شاب وسيم وطولي 180 سم.. عاطل عن العمل.. أجيد الأعمال المنزلية..
محرم تحت الطلب.. “متكسروليش الرأس هلبا”.. نحب السفر ولازم يكون على حساب المدام .
واعتبرت أمال البراني أن هذه الفتوى وجهة نظر خاصة بالسيد المفتي لكن لا يصح إن تتحول إلى قانون بآي حال من الأحوال.
أما الصفية وردة محمد فقالت: الفساد في الخارج من الرجال الليبيين سمعتهم سيئة والدليل اغتصاب ممرضة تركية وقتل أكثر من فتاة تونسية وجرائم أخرى في مالطا والمغرب وجميع دول العالم ،وفي المقابل المرأة الليبية محترمة جدا وراقية.
الناشطة السياسية نجلاء البرعصي ردت على المفتي بالقول:” …في الماضي كان السفر برا على الإبل والخيل والطبيعي أن يكون هناك أخ أو أب أو قريب لحمايتها ..أما الآن هناك طائرات وحافلات، وأضافت :أين رأي المفتي فيما يحدث من اغتيالات ممنهجة”.
فريدة محمد الناشطة في مجال المجتمع المدني قالت: في قوله (كما فى رواية مسلم) : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم}.. وفى رواية البخاري (يوم وليلة).. وحتى رواية (مسيرة البريد) وهو نصف نهار.. وعلى تقدير جميع الروايات.. فالسفر اليوم يقع (بفضل التكنولوجيا) ضمن ما حددته الأحاديث من أسقف (زمنية). فلماذا التعنت في التحريم.. والقاعدة تقول (بأن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص).. وغالبية مذاهب المنع اتكأت على باب (سد الذرائع).. والقاعدة المنظمة لهذا الباب تنص على أن (ما حرّم سدا للذرائع يباح للحاجة).. ولا تخفى (الحاجة) في هذا العصر المتسارع والذي تلعب فيه المرأة دورا مهماً.. وباب سد الذرائع الذي جاء المنع من جهته، باب اجتهادي يعتمد في مخرجاته على قراءة النص بالنظر إلى تقدير الواقع.. وأتصور أن واقع المرأة والبيئة المحيطة قد تتغير (عشرات المرات).. بل لعل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحدث عن تغير (الواقع) ما يشير بوضوح إلى تغير حكم سفر المرأة منفردة.. حيث جاء في رواية البخاري: {يوشك أن تخرج الضغينة من الحيرة تؤم البيت لا زوج معها، لا تخاف إلا الله}.. فهل يمكننا الحديث بهذا المنطق.. ولو باعتبار أن في المسألة (قولان) يمكننا الاختيار منهما.. وفى اختيارنا (مذهب التيسير) سنكون أيضا معتمدين على الهدى النبوي.. كما جاء في كلام (معلمة الناس) السيدة عائشة: (ما خيّر رسول الله بين أمرين إلا أختار أيسرهما).
البنات الباكستانيات المسلمات المولودات في بلاد (الكفر) مررنا بليبيا رفقة محرم (الأب).. فتم اغتصابهن ( في بلاد الإسلام).. فهل العلة هنا غياب الأمن.. أم غياب المحرم؟!.. هذا تحديدا ما تقوله الشريعة.. وهذا ما اذهب إليه.. ولكم أن تختاروا لحياتكم الخاصة ما تريدون .
وأخذ الأمر في بعض الصفحات على شكل مزحة فكتبت المحامية عزة المقهور: قالت لي صديقتي: تقف المرأة في طوابير الوقود في البرد القارس، وفي كل الطوابير حتى طوابير الخبز…. لكنها لا تسافر إلا بمحرم… عجبي!
الصحفية عبير اليسيري كان لها رأي مختلف ولكنه رافض لما يحدث: قبل أن يتفضل مفتينا بهذه الفتوى جميعنا يعلم أن سفر المرأة دون محرم حرام شرعا حتى لو كان لأداء فريضة الحج يعني مفتينا “ماجاش بحاجة جديدة” ولا داعي لهذه الهجمة الشرسة التي تعلنها بعض النساء وكأني بهن يقلن إن سفرهن لوحدهن جميل “لازم انقدروه” مع احترامي لهن.
أعلى النموذج
المحامية انتصار العقيلي تعتبر موضوع سفر المرأة بدون محرم من أكثر المواضيع التي تثير جدلاً واسعاً في بلاد المسلمين. فالنهي في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام بخصوص سفر المرأة بدون محرم، جاء لمعنى معين وهو حفظ المرأة في حال عدم أمن الطريق. غير انه وان كانت هذه المسألة تحتاج لأهل الاختصاص في مناقشتها إلا انه وجب إن نقول أن الاستناد إلى الأدلة دون النظر إلى الجو العام الذي قيلت فيه والتمسك بالحرفية دون المقاصد، خلق مشكلة في فهم النصوص، بل وقد يعطي فرصة للمشككين بقدرة التشريع على مواكبة التغير الكبير الذي يحصل على منظومة الحياة المركبة. الأهم هنا، أن دور دار الإفتاء هو إصدار فتوى إذا طلبت منه من الجهة التشريعية لإصدار قانون ما، ولكن تبقى الفتوى استشارة وليست إلزاما، والفيصل في توافق التشريع مع الدستور وفي وضعنا الحالي ( الإعلان الدستوري ) هي الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا .
_____
*شاعرة وإعلامية من ليبيا